لقد اصبح إغراق المراكب من قبل المهرّبين، او ما يجدر تسميتهم ب “مافيا التهريب” ظاهرة. فجريمة إغراق المركب يوم الحادي عشر من أيلول واللذي أقلّ حوالي 500 راكب، معظمهم من الفلسطينيين والسوريين، ليست الأولى وللأسف ربما لن تكون الأخيرة. مع العلم بأن الإغراق ليست الوسيلة الوحيدة للتخلص من الركاب أو للحول دون وصولهم إلى شواطئ ايطاليا أو اليونان أو مالطا، فهناك أيضًا تركهم في عرض البحر. pal_syria_italy_2
لن أخوض هنا في تفاصيل فاجعة غرق المركب، والتي تجدونها هنا وهنا بالتفصيل، حيث عرضها المرصد الاورو متوسطي لحقوق الانسان في مؤتمر صحفي، ولن اتطرق الى المسؤوليات التي تتحملها جهات عدّة، والى تعامل الدول الاوروبية مع المهاجرين الذين يصلون اليها، مع أنها كلها جوانب يجب فضحها في سياق مراكب الموت ورفع الستار عنها. ولكن هناك سؤال واحد أريد طرحه: لماذا يقوم المهرّبون بإغراق السفن بعد أن قبضوا رسوم التهريب من الركاب؟
إن ما يدفعه كل راكب للمهرّبين هو مبلغ كبير، في حالة مركب يوم ١١ ايلول فقد دفع كل راكب، وفق الشهادات، ما بين 2000 الى 4000 دولار، ما يعني أن ربح المهربين من عملية تهريب واحدة فقط، يصل إلى حوالي مليون وخمسمائة ألف دولار، بالمعدل. واذا خصمنا ما يدفع رشاوي لاجهزة دولة وخاصة أمنية لكي تغض الطرف عن التهريب، يبقى الحديث عن مبالغ طائلة، وبالتالي من الواضح أن هناك تنظيم كبير يعمل في “صناعة” تهريب المهاجرين على شاكلة مافيا، فلا يمكن أن تترك “صناعة” ربحية كهذه للصغار.
أليس من مصلحة هؤلاء بأن تستمر الهجرة ليستمروا في جني الأرباح الطائلة؟
إذًا لماذا يقومون بإغراق المراكب، اذا كانوا قد تلقوا نقودهم واذا كان المركب لن ينفعهم فيما بعد، بعد أن تم تعطيله، ضربه وإغراقه؟
يمكنني التفكير باحتمالين:
إما أنها حرب عصابات، اي مافيات مهربين مختلفة، يتصارعون فيما بينهم، وأعمال الإغراق هي اعمال انتقامية يدفع ثمنها الركاب، كما حدث مثلا في اكتوبر العام الماضي عندما تم إغراق مركب مهاجرين قرب شواطئ ليبيا إثر نزاع بين المهربين؛
أما الاحتمال الثاني، أن تكون المافيا وبعد أن قامت بقبض المبالغ، غير معنية بوصول الركاب إلى أوروبا. ماذا يعني هذا؟
بين دول حوض المتوسط هناك اتفاقيات لمنع الهجرة، والدول التي تنطلق منها المراكب وهي عادة دول جنوب المتوسط ملزمة بمنع انطلاق مثل هذه القوارب من شواطئها الى شواطئ دول شمال المتوسط، ودول شمال المتوسط عادة ما تتقاعس عن الإسراع في انقاذ حياة الغرقى. فاذا كان المهربون يُغرقون السفن عمدا، لا بد من السؤال، لصالح من يفعلون ذلك، أو لنكن أكثر وضوحا، بطلب من من، وهل يتقاضون شيئا مقابل ذلك؟