شبكة قدس الإخبارية

القدس… الحرب التي لا تنتهي!

85062
محمد القيق

من خطة الاستيطان E1 إلى احتلال مدينة غزة، تعمل إسرائيل على تفكيك أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية.

إن مساعي إسرائيل العدوانية لإعادة تشكيل جغرافيا وسياسة القدس والأراضي الفلسطينية الأوسع ليست عفوية ولا دفاعية. إنها نتيجة استراتيجية طويلة الأمد لمحو إمكانية السيادة الفلسطينية، التي يسعى إليها البعض في المجتمع الدولي مؤخرًا، وفرض سردية إسرائيلية حصرية للسيطرة.

من القدس إلى غزة، تعمل كل خطوة مدمرة من جانب إسرائيل على ترسيخ سلطتها، وتهجير الفلسطينيين، وزعزعة استقرار المنطقة. وبدون تدخل دولي جاد، ستمتد العواقب إلى ما هو أبعد من الأرض المقدسة.

أصبح هذا التحول جليًا في عام ٢٠١٧، عندما حطم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقودًا من الإجماع الدولي باعترافه بالقدس عاصمةً موحدةً لإسرائيل ونقله السفارة الأمريكية إليها.

هذا الإجراء الأحادي، المُغلّف ضمن ما يُسمى "صفقة القرن"، أعطى إسرائيل الضوء الأخضر لتسريع خططها في القدس.

توسّعت المستوطنات، وتضاعفت عمليات هدم منازل الفلسطينيين، وزادت القيود على الوصول إلى الأماكن المقدسة. بالنسبة للفلسطينيين، لم يُقوّض إعلان ترامب حل الدولتين فحسب، بل قضى عليه تمامًا.

فسّرت إسرائيل مباركة واشنطن على أنها ترخيص لترسيخ السيادة على القدس على حساب الوجود الفلسطيني وحقوقه.

ولم تُسرّع خطوة ترامب سوى عملية كانت جارية بالفعل. فقد فرضت إسرائيل تدابير تهدف إلى تفتيت المجتمع الفلسطيني في القدس وفرض سيطرتها الحصرية على أماكنه المقدسة.

في عام ٢٠١٥، أشعلت القيود المفروضة على الوصول إلى المسجد الأقصى واقتحامات المستوطنين شرارة انتفاضة القدس، التي خلّفت آلاف الجرحى والمعتقلين والشهداء. بعد عامين، أثار تركيب البوابات الإلكترونية على مداخل الأقصى احتجاجات فلسطينية حاشدة، مما أجبر إسرائيل على التراجع المُحرج.

ومع ذلك، لم يتغير المسار الأوسع: فقد تصاعدت عمليات هدم المنازل، واستمرت عمليات الطرد، واقتحمت جماعات المستوطنين المسجد الأقصى بوتيرة متزايدة، غالبًا تحت الحماية المباشرة لقوات الأمن الإسرائيلية.

قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه، إلى جانب شخصيات من اليمين المتطرف مثل إيتمار بن غفير، بزيارات رفيعة المستوى إلى سلوان، وهو حي فلسطيني في القدس الشرقية المحتلة، وإلى المسجد الأقصى لإرسال رسالة مفادها: ستُعاد صياغة القدس وفقًا لشروط إسرائيل، بغض النظر عن القانون الدولي أو قرون من الوصاية الدينية.

E1 والضفة الغربية المحتلة

امتدت هذه الاستراتيجية منذ ذلك الحين إلى الضفة الغربية المحتلة بطرق تكشف عن غايتها الكاملة. في أغسطس/آب 2025، أحيت إسرائيل خطة E1 الاستيطانية المتوقفة منذ فترة طويلة، وسمحت ببناء حوالي 3500 وحدة سكنية شرق القدس.

للوهلة الأولى، قد يبدو هذا بمثابة توسع آخر للمشروع الاستيطاني الإسرائيلي غير القانوني الواسع النطاق، لكن آثاره أكثر تدميرًا بكثير. منطقة E1 هي قطعة أرض تمتد على طول الضفة الغربية المحتلة، تربط القدس بمعاليه أدوميم، إحدى أكبر المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، وتقسمها في الوقت نفسه.

بفصل القدس الشرقية المحتلة عن باقي الأراضي، وفصل تجمعات شمال وجنوب الضفة الغربية عن بعضها البعض، ستجعل E1 إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا أمرًا شبه مستحيل.

ولم يتردد المسؤولون الإسرائيليون في إعلان نواياهم. فقد صرّح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش صراحةً بأن الموافقة على البناء في E1 "تدفن فكرة الدولة الفلسطينية".

هذه الصراحة تكشف ما يعرفه الفلسطينيون منذ زمن: المستوطنات غير الشرعية لا تهدف إلى نقص المساكن أو الأمن؛ بل هي أدوات ضم. ومن خلال E1 ومشاريع مماثلة، تُضفي إسرائيل طابعًا رسميًا على ما تسميه "السيادة الفعلية"، موسّعةً بذلك سيطرتها على الأراضي المحتلة، منتهكة اتفاقية جنيف الرابعة وقرارات الأمم المتحدة المتكررة.

إذا كانت المنطقة E1 تُمثل استراتيجية إسرائيل لتقسيم الضفة الغربية المحتلة، فإن غزة تكشف عن الوجه الآخر للعملة: الهيمنة العسكرية المباشرة والتهجير القسري.

في أغسطس/آب 2025، وافقت إسرائيل على خطة للسيطرة على مدينة غزة، مما قد يؤدي إلى تهجير أكثر من مليون من سكانها تحت ستار "الأمن". أُمرت العائلات بالإخلاء، وأُجبرت على اللجوء إلى ملاجئ غير آمنة ومكتظة في جنوب غزة، بينما تُحذر تقارير المنظمات الإنسانية من وفيات ناجمة عن الجوع وكارثة إنسانية متفاقمة.

باحتلالها مدينة غزة، تُنفذ إسرائيل خطة لإعادة تشكيل هذا الجيب بشكل دائم، كما فعلت في القدس الشرقية المحتلة والضفة الغربية المحتلة.

بالنظر إلى هذه التطورات مجتمعةً، فإنها تكشف عن استراتيجية توسع مُنسقة.

في القدس، تسعى الإجراءات التقييدية والاستفزازات في الأقصى إلى تقليص الوجود الفلسطيني وتعزيز سيادة المستوطنين. أما في الضفة الغربية المحتلة، فتهدف المنطقة E1 إلى تجزئة الأرض الفلسطينية إلى الحد الذي تصبح فيه الدولة الفلسطينية ضربًا من الخيال. في غزة، يُشير النزوح الجماعي والاحتلال العسكري إلى نية إسرائيل إعادة تشكيل المنطقة بالكامل. هذا محوٌ للوجود الفلسطيني، ولطالما كان كذلك.

صمت عالمي، مقاومة محلية

العواقب وخيمة وفورية. ستقاوم المجتمعات الفلسطينية المجزأة، المجردة من السيادة والمعرضة للعنف المستمر، كما كانت دائمًا.

ستُقابل هذه المقاومة، سواء في شوارع القدس أو قرى الضفة الغربية المحتلة أو مخيمات اللاجئين في غزة، حتمًا بمزيد من القوة الإسرائيلية، مما يُؤجج دوامة لا نهاية لها من سفك الدماء.

وخارج فلسطين، تُهدد هذه الاستفزازات بجذب قوى إقليمية، مما يُزعزع استقرار الأردن ولبنان وغيرهما.

يرى الأردن، الوصي على المسجد الأقصى، أن كل اعتداء إسرائيلي على القدس يُمثل تهديدًا مباشرًا لسيادته واستقراره الداخلي، لا سيما بالنظر إلى العدد الكبير من السكان الفلسطينيين داخل حدوده. لبنان، الذي يعاني أصلاً من شلل سياسي وانهيار اقتصادي، يواجه توتراً مستمراً على طول حدوده الجنوبية مع تصاعد التوغلات العسكرية والغارات الجوية الإسرائيلية.

في الوقت نفسه، وسّعت إسرائيل نطاق وجودها العسكري في المنطقة، حيث ضربت أهدافاً في سوريا ولبنان واليمن، وكان أبرزها هجوم غير مبرر على قطر.

هذه الإجراءات، وإن لم تكن مرتبطة مباشرة بمشروع إسرائيل التوسعي في فلسطين، تُظهر كيف يُزعزع عدوانها العسكري استقرار الشرق الأوسط بشكل متزايد.

لا يمكن للمجتمع الدولي أن يبقى مكتوف الأيدي. فالإدانات الصادرة عن بروكسل أو بيانات الأمم المتحدة لا قيمة لها إن لم تُقابل بإجراءات ملموسة.

لطالما أظهرت إسرائيل أنها ستتجاهل الرأي العام الدولي ما لم تُواجه عواقب. المطلوب هو المساءلة: الضغط من خلال العزلة الدبلوماسية، وفرض قيود على مبيعات الأسلحة، وفرض عقوبات تستهدف مؤسسات المستوطنات. في الوقت نفسه، يجب التمسك بحقوق الفلسطينيين كمبدأ مُلزم في القانون الدولي.

الرأي العام العالمي آخذ في التغير. ومع ذلك، يجب ترجمة هذه الموجة إلى سياسات لمنع المأساة التي تنتظرنا. البديل واضح: الصمت سيشجع إسرائيل على المضي قدمًا في ضم الضفة الغربية المحتلة، وتهجير سكان غزة، وإلغاء الوضع الراهن للقدس.

القدس ليست مجرد نزاع محلي؛ إنها مقياس لالتزام العالم بالعدالة. غزة ليست ساحة معركة فحسب؛ إنها اختبار للإنسانية. وخطة E1 ليست مسألة تقنية لتقسيم مناطق؛ إنها مخطط لإنكار دائم للدولة الفلسطينية.

إنها مجتمعة تُشكل مشروعًا توسعيًا لا يهدد الفلسطينيين فحسب، بل استقرار المنطقة بأسرها. ما لم يتحرك العالم بحزم، فإن سعي إسرائيل للسيطرة الكاملة سيقودنا جميعًا إلى صراع لا نهاية له.