العيش كصورة
كيف يجعلنا الفايسبوك أكثر تعاسة
حين يتحوّل الفايسبوك إلى "الأخ الأكبر"
معضلة الخصوصيّة والمعلومات الشخصيّة على الموقع فلنتخيّل للحظة السيناريو الروائي التالي: بطلتنا عاشت كل حياتها في ظلّ نظام شمولي، هي تنتمي لعائلة دفعت في الماضي ثمن معارضتها للنظام ويؤلمها أن الأخير لم يواجه أي معارضة حقيقية منذ إنشائه حتى اليوم. بعد تخرّجها من الجامعة، وبسبب ظروف وصدف عديدة، توصّلت إلى اكتشاف خطير في أروقة الدولة: النظام استطاع اختراع جهاز فائق التطوّر للسيطرة على مواطنيه. هذا الجهاز متطوّر وذكي لدرجة أنه يعرف كلّ شيء عن الجميع منذ لحظة الولادة حتى لحظة الممات. هو يعرف أسماء الجميع، أمكنة سكنهم وعملهم ورقم هاتفهم وبريدهم، يعرف شبكة علاقاتهم الاجتماعية والعائلية والشخصيّة بالتفصيل وطبيعة علاقة كل شخص بشخصه ويعلم حتى تفاصيل الرسائل الحميمة التي يتبادلها أي شخص مع آخر، يعرف تاريخهم في العمل والدراسة والعلاقات كما يعلم معظم تفاصيلهم الصحيّة (وأحياناً لحظات دخولهم إلى المرحاض)، يعرف جدول نشاطاتهم اليومية، يعرف هواياتهم وكيف يقضون أوقات فراغهم أو دوام عملهم، يعرف تفضيلاتهم في كافة الأمور في الحياة كالموسيقى والكتب والسينما والرياضة وغيره، يعرف توجّهاتهم السياسيّة والدينيّة حتى إن كانوا يغيّرونها كلّ يوم، يعرف أمكنة تواجدهم في كلّ لحظة كما يعرف مع من يتواجدون، حتى أنه في بعض الأوقات يعلم أماكن تواجدهم مسبقاً. في أحيان كثيرة يتوصّل هذا الجهاز إلى معرفة كل شخص أفضل مما يعرف هذا الشخص نفسه، لدرجة أنه غالباً ما يوجّههم نحو أنشطة معيّنة أو إلى أماكن محدّدة أو يدلّهم على سلع يعلم أنها ستعجبهم. هذا الجهاز يخزّن كل المعلومات عن الجميع على ملايين الملفات الالكترونية ويحفظها سراً، ويمكن للحكومة، أو حتى لأي شركة خاصة تملك ما يكفي من المال، أن تستعمل هذه الثروة المعلوماتيّة لملاحقة الناشطين السياسيين، وأد المعارضة، التحكّم بالرأي العام والسيطرة على رغبات الجمهور ونشاطاته. لسنوات طويلة، ناضلت بطلتنا ضد هذا الجهاز حتى استطاعت في نهاية المطاف القضاء عليه، لكن الثمن كان حياتها وتم تخليدها على هذا الأساس كأيقونة للحرية في زمن كان فيه الجميع مكبّل وخائف. في هذه الرواية، من المُستبعد أن يشعر القارىء بغرابة حين تتمحور حبكة الأحداث حول نضال هذه البطلة مع حفنة من المقاومين في وجه هذا الجهاز لإسقاط النظام الظالم، الحبكة مألوفة جداً، خاصة بالنسبة لنا نحن سكّان العالم الثالث. من الأرجح أن القارىء سيتعاطف معها. وإن حدث وكان القارىء ناشط سياسي، سيشعر بالرعب حين يتأمل احتمال وجود حكومة قادرة فعلاً على اختراع هكذا جهاز، وسيقول لنفسه أنه إن وُجد في نفس السيناريو فهو سيكون مقاوم من دون شكّ. وإن حدث وكان القارىء مدوّن(ة)، قد يكتب بضعة سطور في مديح الحرّية التي قاتلت من أجلها بطلتنا. لكن… هذا الواقع موجود، وليس مجرّد سيناريو في رواية خيالية! الفارق الوحيد، أن معظم القرّاء في العالم الحقيقي يعتقدون أن معارضة هكذا جهاز هو ضرب من الجنون ولا يتعاطفون مع من يعارضه، رغم أن السيناريو هو نفسه مع فارق بسيط في التفاصيل والأسماء.* * *
قد لا يوافقنا العديد من القرّاء إن قلنا أن الواقع العالمي الحالي هو نظام شمولي لامركزي قائم على العنف، الاستغلال والتدمير. لكن معظمهم، منطقياً، سيوافقون على أن الفايسبوك هو أفضل جهاز لجمع المعلومات الشخصيّة في التاريخ. الفايسبوك هو أفضل وأسرع وأكثر فعاليّة من أي جهاز استخبارات في العالم. حين نضيف إلى المعلومة الأخيرة حقيقة أن الفايسبوك مستعدّ لبيع هذه المعلومات لأي طرف في العالم يعرض ما يكفي من المال، وهو يقوم بذلك منذ الآن، سواء أكان هذا الطرف حكومة محليّة أو أجنبيّة، شركة عالميّة، جهاز استخبارات أو مجموعة سياسيّة مشبوهة، يصبح السيناريو الذي وصفناه في المقدّمة أقرب إلى الواقع مما نعتقد. مشكلة الخصوصية والمعلومات الشخصية على الفايسبوك هي معضلة حقيقيّة ومتعدّدة الوجوه، يزيدها تعقيداً كون معظم المستخدمين للموقع والناشطين حول العالم لا يمتلكون أدنى فكرة عنها. هذا المقال المتواضع ليس سوى إضاءة صغيرة على هذه المسألة، سنتحدّث فيه عن ثلاث نقاط أساسيّة ذات تأثيرات مباشرة على حرّيتنا، خصوصيتنا وأمننا الشخصي على الفايسبوك، هي التالية: - الفايسبوك يمتلك كل المحتوى الذي نضعه عليه ومنه صورنا الشخصية، وله الحق بالتصرّف بها كما يشاء وبيعها لمن يشاء. - بالإضافة إلى الإعلانات، الفايسبوك يجني المال عبر بيع معلوماتنا الشخصيّة للأطراف الثالثة مثل الشركات والحكومات. - وضع هذا الكمّ الهائل من المعلومات التفصيلية عن ملايين الأشخاص والناشطين حول العالم تحت تصرّف شركة خاصة وحيدة هو أمر شديد الخطورة ويعرّض حريتنا وحقوقنا للخطر.* * *
- الفايسبوك يجني المال عبر بيع معلوماتنا الشخصيّة للأطراف الثالثة مثل الشركات وأجهزة الاستخبارات. الفايسبوك هو شركة لا جمعيّة خيرية، وهو مجّاني لأنه يبيع سلعة غالية ومطلوبة: نحن. الفايسبوك لا يجني المال فقط من الإعلانات، بل يجني المال أيضاً من بيع المعلومات التي يمتلكها والتي تبدأ من المعلومات الشخصية البحت وتنتهي بتفضيلاتنا المرتبطة بالمطاعم والثياب ونوع القهوة والسينما والموسيقى. هذه المعلومات تهتّم بالحصول عليها جهتين اثنتين: الجهات الاقتصاديّة التي يهمّها أن تعرف هكذا معلومات لكي تبني خططها التسويقية وتوّجه إعلاناتها على أساسها، والجهات السياسية التي يهمّها أن تعرف هذه المعلومات (خاصة الجزء الشخصي والسياسي منها) لأسباب لا تحصى. إن اتفاقية الاستعمال بين المستخدم والفايسبوك تقول بوضوح أنه يمكن للفايسبوك أن يبيع معلوماتنا لمن يشاء، كما أنه يمكن أن يسمح لطرف ثالث (مثل شركة أو جهاز أمن) أن يستخدم برامج تنجيم عن المعلومات (Data mining) لتخزين معلومات جميع مستخدمي الفايسبوك واستعمالها كما يشاء. لكن الفايسبوك لا يكتفي بتسجيل المعلومات التي نضعها فيه بل يقوم بالتنقيب عن معلومات مرتبطة بنا بشكل مستقلّ، وهذا كلّه بالمناسبة منصوص عليه في اتفاقية الاستخدام. يقول الفايسبوك في الجزء المتعلّق بالخصوصية مثلاً أمور مثل: “نحن نتلقّى (إقرأ “نجمع”) معلومات عنك كلما تفاعلت مع فايسبوك، مثل حين تنظر إلى بروفايل شخص آخر، ترسل رسالة لأحد، تبحث عن صديق أو صفحة، تنقر على إعلان أو تشتري شيئاً عبر الفايسبوك”. “حين تضع أشياء مثل صور أو فيديوهات على الفايسبوك، نحن نتلقّى (إقرأ “نجمع”) معلومات إضافية مثل الوقت، الزمان والمكان الذي أخذت فيه الصورة أو الفيديو“. “نحن نتلقّى (إقرأ “نجمع”) معلومات من الكمبيوتر أو الهاتف أو أي وسيلة أخرى تستعملها لتتصل بالفايسبوك. هذه المعلومات قد تحوي عنوان الآي بي IP address، الموقع الجغرافي، نوع المتصفّح الذي تستخدمه، والمواقع التي زرتها. على سبيل المثال، يمكن أيضاً أن نحصل على موقعك باستخدام الـ GPS لكي نعرف ما إذا كان أحد أصدقائك في مكان قريب (هل يمكن لأحد أن يقرأ الجملة الأخيرة من دون أن يقول what the fuck?). “نحن أيضاً نضع بيانات معلوماتية عنك من المعلومات التي نعرفها عنك وعن أصدقائك. مثلاً، قد نضع بيانات عنك لنحدّد من هم الأصدقاء اللذين يجب أن يظهروا في أخبار الفايسبوك لديك. قد نضع بيانات عن مكان إقامتك وعن معلومات جغرافية أخرى مرتبطة بك، مثلاً، لكي نخبرك أنت وأصدقائك عن ناس أو أحداث قريبة أو نقدّم لكم إعلانات قريبة (عن سلع) قد تكونوا مهتمين بها. (WTF?)”. فوق كل ذلك، هنالك بند في الاتفاقية التي نوافق عليها لاستخدام الفايسبوك تعفي الفايسبوك من أي مسؤولية تجاه أي ضرر يحصل لمعلوماتنا أو لأشخاصنا لسبب مرتبط بالفايسبوك وتمنعنا بالتالي من مقاضاته تجاه أي خلل يحصل فيه ويؤدي إلى إيذائنا مباشرة. في الجزء الخامس عشر، الفقرة الثالثة، يقول: “نحن لا نضمن أن الفايسبوك سيكون آمن ومنيع. فايسبوك ليس مسؤول عن الأعمال، المحتوى، المعلومات أو البيانات التي يقوم بها طرف ثالث (كالشركات وأجهزة المخابرات والهاكرز)، وأنت تعفينا (وفقاً لاتفاقية الاستخدام)، وتعفي مدراؤنا، موظفينا ووكلاؤنا من أي إدعاءات بالضرر، المعروف وغير المعروف، المتأتي عن أو المرتبط بأي زعم ضدّ طرف ثالث”. المثير للاهتمام هنا هو أنه هنالك من الأساس صلات “غريبة” بين الفايسبوك وأجهزة الاستخبارات الأميركية. نحن لا نتحدّث هنا عن نظرية المؤامرة، لكن الفايسبوك لديه صلات استثمارية علنيّة مع شخصيات كبيرة مرتبطة مباشرة بوزارة الدفاع الأميركية والمخابرات المركزية الأميركية مثل جايمس براير James Breyer مدير شركة آكسل ACCEL الذي كان أكبر مستثمر حين انطلق الفايسبوك (12.7 مليون دولار) والذي يشارك في العديد من مشاريع الأمن المعلوماتي مع وكالة المخابرات المركزية الأميركية منذ العام 1999. من المشاريع التي يشارك فيها براير مع وكالة الاستخبارات هي شركة In-Q-Tel التي أسستها وكالة المخابرات، والتي تعرّف عن نفسها بأنها “تقدّم الحلول التكنولوجية لدعم مهمّة وكالة المخابرات المركزية وباقي وحدات الاستخبارات الأميركية”. براير هو أيضاً أحد أعضاء مجلس إدارة Bolt, Beranek and Newman Technologies (BBN technologies) وهي شركة مرتبطة بإنكيو-تل ومرتبطة عبر عدّة أشخاص بمكتب المعلومات Information Awareness Office التابع لوزارة الدفاع الأميركية والذي يهدف “لجمع أكبر عدد من المعلومات عن الجميع” بحجّة محاربة الإرهاب. ويقول التعريف عن المكتب المذكور أن أحد مصادر معلوماته الرئيسية هي الداتا الموجودة على الانترنت، وأهمّها الفايسبوك بطبيعة الحال. من المهم أن نعرف أيضاً، أن وكالة الاستخبارات المركزية هي ثاني أكبر طرف مشتري للبيانات الالكترونية في العالم بعد شركات الأعمال. وإحدى مهام المكتب الذي ذكرناه أعلاه هي التنظيم التلقائي لكل المعلومات المتوافرة عن الانترنت حتى ولو لم تكن الوكالة تحتاج إليها بشكل مباشر. أي أن كل معلوماتنا الشخصية موجودة لدى عدد هائل من الشركات، ولدى عدد أكبر من أجهزة الأمن، حتى وإن لم نكن لا ناشطين ولا مستهلكين.* * *
- الفايسبوك يمتلك كل المحتوى الذي نضعه عليه ومنه صورنا الشخصية، وله الحق بالتصرّف بها كما يشاء وبيعها لمن يشاء. الفايسبوك يمتلك جميع المعلومات التي نضعها عليه رغم أنه يقول أن المعلومات هي ملك المستخدم. من جهة أولى، المعلومات يتم تخزينها لدى أكثر من جهة في مؤسسات الشركة وتبقى متاحة حتى بعد أن نمحيها. حين قام ماكس شريمز، أحد طلّاب الحقوق في فيينا العام الماضي برفع طلب قانوني للفايسبوك يطلب منه تسليمه كل المعلومات الشخصية التي جمعها عنه كانت النتيجة مذهلة: سلّمه الفايسبوك 1222 ملف بي-دي-أف كبير الحجم يتضمن كافة أنواع المعلومات عن حياته وأماكن تواجده وعلاقاته الشخصية ومواعيد دخوله إلى الفايسبوك، كما اتضح أن الفايسبوك يحتفظ بالرسائل الخاصة حتى بعد حذفها من قبل المستخدم ومن المُحتمل أنه ينظر أيضاً في محتواها لإيجاد كلمات-مفاتيح قد تهمّ المسوّقين أو أجهزة الأمن. هذا مع العلم أن الفايسبوك سلّم شريمز جزء بسيط فقط من المعلومات واحتفظ بالجزء الأكبر بحجّة أنها “معلومات خاصة بالشركة”. مشكلة المعلومات الشخصية على الموقع الأزرق تبدأ في الواقع من اتفاقية الاستخدام التي تنص على أن الفايسبوك كشركة يمتلك كل شيء نضعه عليه. الفقرة المرتبطة بهذا الشأن هي أوضح الفقرات في اتفاقية استخدام الفايسبوك. تقول الاتفاقية للمستخدم: “بالنسبة للمحتوى المحميّ بحقوق الملكية الفكرية مثل الصور والفيديو، أنت تعطينا تحديداً الصلاحية التالية، الخاضعة لخصوصيتك ولخيارات البرامج: أنت تعطينا رخصة في كافة أنحاء العالم بوكالة غير حصرية (أي أنهم يستطيعون أن يفعلوا بالمواد ما يشاؤون من الناحية التجارية)، قابلة للنقل (أي يمكن أن يبيعوها للغير)، قابلة للترخيص الثانوي (أي يمكن أن يبيعوا رخصة استخدام أعمالك لطرف ثالث من دون العودة إليك)، خالية من الأتاوات (أي ليس لديك الحق بأي مردود مالي يتأتى من استخدام الفايسبوك لها)، لاستخدام أي محتوى من حسابك يتم وضعه على الفايسبوك. هذه الرخصة تنتهي حين تلغي المحتوى المذكور أو تلغي حسابك نهائياً إلا إذا كان المحتوى قد تمّت مشاركته مع الآخرين (مثل وضعه على جدارهم) ولم يقوموا هم بمحيه”. بعبارة أخرى، هذا النصّ يعني أن الفايسبوك يمتلك كل معلوماتنا وصورنا حتى ولو قمنا بمحيها، كما يحقّ له وفقاً لهذه الرخصة أن يبيع أي صورة لنا لأي شركة أو جهاز استخبارات أو مجلّة في العالم، ويحقّ له أن يبيع أي نصّ ننشره على الفايبسوك لأي مجلة أو موقع، وكل ذلك من دون أن يعود لنا ليأخذ الإذن لأن استخدام الفايسبوك يعني الموافقة المسبقة على الاتفاقية القانونية المذكورة. وحتى لو لم يكن الفايسبوك ينفّذ هذه الأمور في الوقت الحالي إلا أن مجرّد وجود هذه الفقرة يعني أنه يفكّر بالموضوع جدياً، أو أنه يقوم به من دون إعلانه. إلى ذلك إن اتفاقية الاستخدام تنصّ أيضاً على أننا نوافق أن الإسم، صورة البروفايل والمعلومات الشخصية الأساسية لنا مثل مكان السكن والعمر ورقم الهاتف وغيره هي متوافرة على الانترنت للجميع وليس فقط في الموقع. - وضع هذا الكمّ الهائل من المعلومات التفصيلية تحت تصرّف شركة واحدة هو أمر خطير ويعرّض حريتنا وحقوقنا للخطر. هنالك اليوم نحو 850 مليون مستخدم للفايسبوك حول العالم من كافة أنواع الناس، ومنهم مفكّرين وناشطين ورجال أعمال وصحافيين. الفايسبوك اليوم بات يعرف كل شيء عنّا، المعلومات الشخصية وعنواننا ورقم هاتفنا وصورتنا وشبكة علاقاتنا وطبيعة علاقتنا بأصدقائنا وعائلتنا وآرائنا السياسية والدينية وطبيعة عملنا وأماكننا المفضلة وكل شيء تقريباً. وهو يعرف أيضاً أين نتواجد في كل لحظة عبر الكشف الأوتوماتيكي للموقع الجغرافي التي أضيفت مؤخراً للفايسبوك، بل هو يعرف أيضاً مع من نتواجد (عبر معرفة الموقع الجغرافي للأصدقاء في اللحظة نفسها)، وقد يعرف أيضاً ما الذي نفعله (إن شاركنا أصدقائنا بستاتوس عن طبيعة نشاطنا). كل ما نقوله هنا ليس نظرية مؤامرة، هذه كلها أمور يعترف بها الفايسبوك ويقدّمها على أنها من أفضل ما حصل للتسويق والأعمال لأنها تتيح للشركات الدخول في مجال الإعلانات الشخصية جدّاً: إن كنت من محبّي الرياضة مثلاً، يخطّط الفايسبوك في المستقبل أن يظهر لك دعاية من محل مجاور للأدوات الرياضية حين تمشي في السوق، ثم يخبرك بعد حين أن صديق لك على الفايسبوك متواجد في مقهى قريب، يحتسي قهوة تركية من ماركة كذا ويستمع لأغاني المطرب الفلاني (كلّه يدخل ضمن إطار الدعاية والتسويق). حتى مؤلف رواية 1984، جورج أورويل، لم يكن لديه ما يكفي من الخيال للتوصّل إلى سيناريو كهذا لوصف الدولة القمعيّة للأخ الأكبر المهووسة بمراقبة مواطنيها ومعرفة كلّ شيء عنهم؛ الفايسبوك هو بالفعل يتقدّم بنا خطوة نحو عالم الأخ الأكبر وقد تخطّى كونه مجرّد موقع تواصل اجتماعي. لا أعتقد أنه يجب أن نشرح كيف أن وضع هذا الكم الهائل من القوّة بيد شركة واحدة هدفها الربح هو أمر خطير لمستقبل الحريّات والإنسانية.