على مدى سنين الاحتلال، ما كانت المقاومة تنتصر وحدها بمعزل عن الشارع العام، الفن والأدب كانا دائما جزءان لا يتجزءان من ديمومة الصراع، هما وحدهما كانا الرابط بين المواطن العادي في بيته والمقاوم الحامل لسلاحه في الميدان.
ومع دخول العالم الافتراضي بوسائله المتقدمة التي لا يكاد بيت في العالم يخلو منها، ومع انتشار ما اصطلح على تسميته "وسائل التواصل الاجتماعي" سهلة المنال، والتي باتت تسيطر على عالم الكتابة والفن وحتى الإعلام، أصبحت نظرية "الفن المكمل للمقاومة" اكثر واقعية وأسهل في توصيل رسالة الفن.
في خضم هذا كله، عمد نشطاء شباب على تكوين صورة لامعة وقوية التعبير عن الفن ودوره في الأزمات التي تعيشها الشعوب وإعادة تشكيل مفهومه ومعناه في ظل الفعل المقاوم الحاضر على الشارع الفلسطيني بقوة، ومن هذه الصور والتجارب اللامعة تجربة ( مُع mo3) الشبابية وهي صفحة فاعلة على موقع "فيس بوك" والتي يقول القائمون عليها: "إنها مدونة شخصية انطلقت في آذار 2011 في ظل الأزمات المتلاحقة التي مرت على الفلسطينيين في تلك الفترة إلا أنها لم تجد الاهتمام حينها حتى من مُعْ نفسه".
[caption id="attachment_46601" align="aligncenter" width="600"] والنجم إذا هوى[/caption]صفحة فيسبوكية
ويضيف القائمون على (مُع) أن هذه الفكرة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير وكان التفاعل معها أيضا بذات المستوى، ربما يعود ذلك لأن رسالة (مُع) أقرب إلى المتلقي واستطاعت أن تظهر المقاومة كما هي في أذهانهم، لم تذهب الصور ولا الكلمات بعيداً عن ثقافة شعوب المنطقة عامة والشعب الفلسطيني خاصة. فالأسلوب المتبع هو اختزال الصورة بعبارة من ثقافتنا سواء كانت قرآن كريم أو شعر أو أغاني وطنية وأناشيد مقاومة.
وتابع "الفن في الأزمات هو وسيلة إعلامية لكنه لا يتخذ الطابع السردي المعتاد في وسائل الإعلام. يحاول أن يوصل الرسالة ذاتها – كإعلام ممنهج - بوقت أقل وبكثافة أكبر حتى ترسخ في ذهن المتلقي".
وأوضح أن "الفن يمكنه أن يتناغم مع الفعل المقاوم ويعززه في نفوس الناس ووعيهم من خلال إبراز الفعل المقاوم، في السابق ربما كان البعض يحاول أن يقلل إنجازات المقاومة ويختزلها في أحداث صغيرة هنا أو هناك، لكن اليوم لا يمكن إغفال كل إنجازات المقاومة وما وصلت إليه من قدرة وفكر عسكري وتخطيط والحديث عن أمور أخرى. اليوم المقاومة هي من تصنع الصورة وليست الصورة هي من تصنع المقاومة. المقاومة تتقدم على الجميع بمراحل كبيرة".
وقال: "في هذه الحرب الأخيرة على غزة كان لـ"مُع" دورا مختلفا، هو الحشد خلف المقاومة وليس إبراز جرائم الاحتلال التي باتت ظاهرة لجميع الناس، (مُعْ) يخاطب من يحمل القضية لذلك لا نحتاج اليوم لتبيان أن دولة الاحتلال دولة مجرمة، فمن لم يرى إجرام الاحتلال حتى يومنا هذا لن يره طوال حياته".
[caption id="attachment_46598" align="aligncenter" width="526"] ولتصنع على عيني[/caption]وتابع "نحن نعيش اليوم فترة "الثقافة الإلكترونية" فأغلب الناس تستقي معلوماتها من المواقع الإلكترونية وبالأخص مواقع التواصل الاجتماعي. لذلك كان من الخطأ التوجه إلى مكان بعيداً عن المتلقي. مُع الآن على (الفيسبوك، تويتر، تمبلر وانستغرام) وهما المواقع والخدمات الأكثر انتشاراً على الانترنت وأصبحت ملازمة للناس في هواتفها المحمولة أيضاً.
نقل فعل المقاومة لا إجراء الاحتلال
إن صفحة مُع حتى غاية هذه اللحظة تنقل فعل المقاومة والصمود في غزة. ربما هذا هو "اللا موجود" في مخيلتنا وهو كذلك "اللا عقلي" بناء على ما تربينا عليه، من كان يظن أن بعد كل هذا الدمار لا أحد في غزة ينفض عن المقاومة، وبعد كل هذا الحصار تنتصر المقاومة على كل من حاصرها. هذا الشيء هو البعيد عن العقل العربي الذي عشعشت الهزيمة في مخيلته.
وخلال هذه الحرب استطاع "مُع" أن يشكل لنفسه هوية خاصة بات يعرف بها لدى الجميع من خلال الاستمرار على نفس النمط، فطوال الحرب لم يختلف نمط المادة المقدمة التي تعتمد على نفس الخط والألوان من الناحية المرئية. كذلك الاستمرار بنفس الوتيرة من المحتوى الثقافي والمحتوي المصاحب للمادة المرئية.
وأضاف "القاعدة تقول إن صورة تغني عن ألف كلمة، فكل ما أبذله من جهد هو اختزال تلك الألف إلى كلمة أو ثلاث كلمات كأكثر تقدير، وهذا يتطلب الكثير من الجهد في استحضار الذاكرة والبحث ومساعدة الأصدقاء".
التحدي بعد هذه الحرب هو إن كان بالاستطاعة خلق محتوى آخر بعيدا عن الحرب يصل إلى ذهن المتلقي وذلك من خلال نمط خاص يُعرف (مُع) من خلاله وكله ينصب في نفس الهدف وهو الارتقاء بمستوى الوعي لدى المتلقي.
[caption id="attachment_46599" align="aligncenter" width="504"] هي آخر الطلقات... لا[/caption]آراء المتابعين
ختاما، يلاحظ أن تصاميم (مُع) استخدمها رواد مواقع التواصل الاجتماعي بكثرة كصور لغلاف الفيس بوك وغيرها، وفي هذا الصدد أجرينا استطلاعا بسيطا عن آراء بعض متابعي (مُع) لتصفها إحدى المتابعات أنها (ناجي العلي في هذه الحرب) قائلة: "كما سطع نجم ناجي العلي سابقا في هذا المجال، وُجدت مُع في هذه الحرب وانتشرت موسّعا، صورة, كلمة, وأغنية, تنتمي للمقاومة، جمعتها "مُع" في مشروع واحد، والمتابع لهذا الصفحة، يُلاحظ مدى البراعة والاتقان في اختيار الصورة والعبارة الملائمة، صورة وعبارة من الحرب، لا تبث يأساً ولا ألماً في نفس مشاهدها، وإنما تبعث معنيين أساسيين هما "المقاومة والانتصار"، إضافة لهما، الجمال والرقيّ".
وتضيف أخرى في السياق نفسه: "المحتوى أكثر من رائع، ويسعى مع من خلال ما يقدمه الى ايصال الصورة الأمثل للعالم عن الواقع الذي نعيشه بالاضافة الى نشر الفكرة الى أكبر عدد ممكن، واستطاع (مُع) أن يقوم بما لم يقم به من بأيديهم السلطة والقدرة والكلمة. ونحرص على متابعة (مُع) بالرغم من جهلنا شخصه إلا أن أعماله هي ما تدفعنا لمتابعته بالإضافة لدقة ربطه بين الصورة والكلمة".
ويختم آخر بقوله: "تتميّز صفحة (مُع) بمتابعة الأحداث وأن التصاميم تكون نابعة من قلب الحدث، إضافةً إلى أن التعيلقات التي يضعها على الصور لا تكون متكلّفة بل عبارة عن بعض الكلمات التي ينتقيها من ثقافتنا الفلسطينية وكلّ هذه الميزات تدفعني لأن أكون متابعاً دائماً لصفحته.
[caption id="attachment_46600" align="aligncenter" width="600"] بيتي هنا أرضي هنا[/caption]