شبكة قدس الإخبارية

صلاة التراويح في مستوطنة "بسجوت"

براء عياش

أمام المسجد القريب من مستوطنة "بيسجوت" تجمّع الشبان، استطاعوا هذه المرة الهروب والتجمّع بعد أن حاولت أجهزة السلطة قمعهم والحلول دون وصولهم إلى نقاط الاشتباك، فكّر الشباب محمد (17 عاماً) حول ما إذا كان يجب الذهاب إلى مسافات بعيدة للوصول إلى نقاط الاشتباك بينما يمكنه ضرب الحجارة والمولوتوف على الأجهزة الأمنية، فبالنسبة له لا يختلف الأمر كثيراً، وجهان لعملة واحدة كما اعتاد أن يفكّر، أخوه الأكبر مصعب (21 عاماً) قاطع تفكيره وكأنّه يقرأ أفكار الصغير، إنه أمر ما يتعلّق بالأخوة في زمن الاشتباك، قال له: عدوّنا الأساسي هو من في هذه المستوطنة وكلّ الأمور الجانبية ستتفكك تماماً من تلقاء نفسها، والاهتمام لها يفتح لنا أبواباً لا طاقة لنا بها وسيشغلنا عن العدو الأساسي، محمّد لم يعجبه الأمر تماماً ولكنّه اقتنع، ومع أذان العشاء صرخ "يلا يا شباب"، هذه الـ"يلا" ليست دعوة للصلاة، فعلى اختلاف المشارب السياسية والخلفيات الدينية، إلا إنهم جميعاً قرروا أن افتعال حريق بجانب مستوطنة "بيسجوت" أهم من الصلاة في المسجد وأكثر ثواباً وأعظم عند الله أجراً.

"الكود الأمني" معروف بين الشباب، يجب تغطية أي كاميرا قريبة بكيس من البلاستك الأسود، الألقاب محبّبة في هذا الموقف، بين يا "أبو طويلة" ويا "أبو الشباب" ويا "أبو سمرة"، المجموعة مكوّنة من ستة أشخاص فقط، فكلّما قلّ العدد كان أفضل، ولا أحد خارج هذه المجموعة يعرف شيئاً، القوانين صارمة و"الاعتراف خيانة"، فكما قال مصعب لأخيه محمد: "في التحقيق إذا اعترفت عليّ رح أحكيلهم إنك كذّاب"، كلّ واحد منهم يعرف وظيفته جيّداً بعد أن خططوا لكلّ شيء، يشعلون النار ويخرجون بسرعة، ويتركون الاحتلال يتعامل مع الحريق طوال الليل بينما هم في قهوة شعبية يسهرون حتى الفجر، في طريق العودة إلى استاد البيرة وبينما هم يقطعون الوادي اتصلت والدة الشاب الصغير محمّد، "آه يما شو وينك؟"، أجابها "بصلّي التراويح مع أخوي مصعب، وهاي الليلة برضو رح نصلي 20 ركعة، يلا سلام"، بالتأكيد... تعجبت أم مصعب من ابنها الذي يصلّي التراويح لأوّل مرة هذه السنة... "الله يهديه"!

في منزل آخر بعد أذان العشاء

أفراد العائلة جميعهم يجلسون في الصالون، فمائدة الأكل وأخبار الحرب أصبح ما يجمع أفراد العائلة أمام التلفاز هذه الأيام، أنا غارق في الصفحات الإخبارية "المقاومة" التي تبث آخر إنجازات المقاومة بكلّ فخر أولاً بأوّل، ولا أعلم السبب الذي جعل أخي الذي يكبرني بعامين على يفتح صفحات تابعة للسلطة، أخذ يقرأ بصوت مرتفع: "هذه الصواريخ غير إنسانية، ومقابل كل صاروخ تطلقه المقاومة على إسرائيل يقصفونا بعشرة صواريخ، لا طاقة لنا بهذا، ولا ننسى أيضاً أن المقاومة تنسّق أمنياً وهذه الصورة على السياج الحدودي في غزة أكبر دليل".

كلّ هذا الكلام مجرّد صورة من الغباش المُزعجة، بقايا غُبار على الزجاج الأمامي ما يلبث أن ينقشع بعد رش القليل من الماء على الزجاج، في نفس الجلسة نشرت كتائب القسّام فيديو لاستهداف دبّابة ميركافا بالكورنيت، والتنسيق الأمني المقدّس على أشدّه بين سرايا القدس وكتائب القسّام، حينما تصدّت الأخيرة لمحاولة إنزال على شاطئ السودانية، وما أن بلغت المعركة أشدّها حتى رأينا التعزيزات من سرايا القدس لتشد أزرهم و تصدّ الكوماندوز إلى جحورهم بعد اعترافهم بإصابة أربعة من جنودهم، ربّما يجب أن نعمل "تاغات" لمنظري الهزيمة... لنقول لهم: في هذا الاشتباك، الإصابات في صفوف المقاومة صفر، وفي جانب الاحتلال أربعة، هل سيقتنعون؟ أم أن خطاب السلطة المُنهزم أعمق بكثير من مجرد تصريحات؟

الوالد كان قد انزعج من كلامنا بصوت مرتفع، لكنّ الكلمة للقسّام كالعادة، في تمام الساعة التاسعة مساءً قرّر قصف تل أبيب، رمينا "الريموت كونترول"، وتركنا خِطاب السلطة على الأرض، وذهبنا جميعا إلى السطح، هنالك نستطيع أن نرى خِطاب المقاومة يرسم علامة الابتسامة بالشكل المقلوب في السماء قبل أن ينعطف ليعانق الأراضي المُحتلّة.