شبكة قدس الإخبارية

الخطاب الانهزامي والحراك الشعبي المتصاعد

ربيع عيد

"هذه الأجواء تذكرني بتلك الفترة السوداء، أكتوبر 2000، مستحيل كمان مرة" هكذا ينظر بعض عربنا إلى ما يجري في الأسبوع الأخير من احتجاجات غضب ومواجهات مع الأمن الإسرائيلي في البلدات العربية في الداخل عقب استشهاد الطفل محمد أبو خضير حرقا على يد مستوطنين، متخوفين من عودة محتملة لمشاهد اكتوبر 2000 عندما خرج الفلسطينيون في الداخل إلى الشوارع التحاما مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

وبالنسبة لآخرين، فالمظاهرات التي اندلعت في البلدات العربية التي بدأت في قرى ومدن المثلث قبل أيام ولتمتد إلى الشمال ليست إلا تخريبا للممتلكات العامة، والتي هي في هذه الحالة بعض حاويات القمامة المحروقة، وآخرون قلقون من الضرر الاقتصادي جراء المواجهات قد يصيب بعض المحال التجارية.

وفي قراءة لمواقف غالبية رؤساء السلطات المحلية وبعض القيادات العربية التقليدية ورجال الدين، نرى أن خطاب التهدئة هو السائد، ومنهم من يصف المظاهرات بأعمال تخريب وشغب، وبادروا لاجتماعات بهدف تهدئة الشارع و"السيطرة على الأمور".

نحن نعي أن هذه القيادات وتحديدا معظم رؤساء السلطات المحلية هي نتاج تنافس عائلي، والبنى التي تقوم عليها هي بنى عائلية/قبلية وأحيانا طائفية، مع إدراكنا لكل النوايا والأعمال الطيبة والحسنة والوطنية، لكن في هذه المرحلة بالذات يحق لنا أن نطرح العديد من التساؤلات على القيادات العربية التي تصرح بمعظمها عن العنصرية تجاهنا كعرب فلسطينيين في إسرائيل، وموقف لجنة رؤساء السلطات المحلية من الاحتلال الإسرائيلي واضح، لكن هل نلوم الشارع أنه انتفض على هذا الواقع؟ وهل علينا الاكتفاء بسقف البيانات المنددة وفي نفس الوقت التحجج بأن الناس بعيدة عن السياسة؟ ها نحن الآن أمام لحظة تاريخية ينتفض فيها الشارع ومستعد للتضحية، لماذا يُترك بهذه الصورة ويُتنكر له؟

لا نتوقع من رؤساء السلطات المحلية والقيادات المجتمعية أن يكون سقفها كسقف الشباب الغاضب، لكن في نفس الوقت نتوقع ألا تقوم هي بتنفيس الحراك الشعبي المتصاعد، فعندما تقوم شخصيات رسمية وأمنية إسرائيلية بالمبادرة والاتصال بالقيادات العربية بهدف التهدئة، فهذه ورقة قوة لصالحنا يستطيع الرد عليها بالقول: "ما يجري هو حالة غضب جماهيرية بسبب سياساتكم، لن نستطيع تهدئة الشارع بدون تحقيق مطالبنا القومية واليومية" وفي حالتنا اليومي غير مفصول عن القومي.

إسرائيل تحاول تحويل مسار غضب الشارع العربي إلى حالة نقاش داخلية لدينا، وللأسف البعض من حملة النفسيات المهزومة يستجيب ويخضع من حيث لا يدري، بدل أن نحول هذا الغضب في وجه المؤسسة التي طالما اتهمناها بالظلم والعنصرية، ولا حاجة أبدا لتعداد أسباب الانتفاض والغضب، ولا حاجة لاتهام المتظاهرين بعدم الحضارية، والبدء بترديد عبارات لا تعبر إلا عن عقد نقص. لنلق نظرة على الاحتجاجات حول العالم خصوصا الدول "المتحضرة" حيث يخرج الناس بمئات الألوف، ويغلقون الشوارع ويخرجون في مواجهات مفتوحة من أجل مطالب أقل بكثير من مطالبنا، وطبعا لا حاجة أن نذكر أيضا أنه سياق تلك الدول ليس الاحتلال والاستعمار كحالتنا.

في نفس الوقت، ندرك جيدا أن هذا الغضب المندلع إن لم يوجه في الطريق الصحيح نحو حركة احتجاج قوية مسيسة ومنظمة فهو مقتل له، وإن تُرك بدون توسيع الشرائح المشاركة وصياغة خطاب ومطالب وبوصلة عمل سوف يُسحق أو يتلاشى، لذلك فالمهمة التاريخية الآن هي احتضان هذا الحراك المتصاعد وليس تنفيسه، بل تطويره ودعمه وتقويته لأنه أيضا لا نريد أن يتحول غضبنا إلى حالة مواجهة تنفيس.

وتقع مسؤولية كبيرة على القيادات والمثقفين والناشطين والفنانين والأدباء وكل من مجاله، فهذا الحراك يجب ألا يقتصر فقط على المواجهة المباشرة، بل تحويله إلى حالة شعبية ننتقل من خلالها إلى مرحلة متقدمة في صراعنا مع الحركة الصهيونية.

الحراك الشعبي في الداخل سوف يستمر في الأيام القادمة، والحراك الشبابي مستمر في التظاهر، ولا أحد يعلم إلى أين قد تؤول الأمور. حالة المفاجأة التي أصابت الكثيرين يجب أن تنتهي، ومحاولات إنهاء الحراك يجب أن تتوقف حالا، فليس في كل يوم "يصح" لنا هبة شعبية تكون رافعة لقضايانا في مواجهة العنصرية والاحتلال، فإما أن ندركها ونتفاعل معها أو يفوتنا القطار.

*نشر مسبقاً في موقع عرب 48.