يحيى جواد الجعبري
أنا اسمي يحيى، الحيّ بالموت، أنا ابن الجواد، الجواد بالكرامة والحريّة، والآن كفا شعارات، ودعوني أتحدث بانسانيتي بعيداً عن كلّ شيء.
أنا يحيى، عمري 25 عاماً، وأبي جواد، عمره بعمر النكسة العربية الفلسطينية، درس التربية وعلم النفس وأنهاها بعشر سنوات بدلاً عن أربع، بسبب الاعتقال الاداري.
يحيى، ميّت، في واقع كافر، أما جواد يكاد المؤمن الوحيد الذي عرفت، فربما لو كنت مكانه لكفرت بالكفر ثم انتهجت نهج الايمان الكافر، لا لشيء، فقط ليحيا يحيى.
أنا يحيى والموت فيّ حيّ، جواد غاب عنّي العمر كلّه، وحتى لا يقال عنّي ظالم، فقد غُيِّب عن عمري إلا خمس سنوات متقطعات، وكانت من نصيب الزائرين إلا بقايا أيام لا متسع لها في شريط الأوجاع، فهي تشبه قطرة ماء استقرت في زاوية قربة بالكاد تبلل شفتاي لأحيا على الموت الحيّ.
يحيى، أي أنا، قبل عام ونيّف، خطبت الولاء، وولاء الوطن بي كاره، فكلما عزمت على الفرحة تلقيت صفعة اعتقال اداري آخر، ليس لي، بل لمن شاء القدر بأن أكون من ذريّته، إنه الجواد، الذي إن ضاقت به السبل أمام كرمه، كًرُمَ بي.
أقف على هاوية الجحيم، ألعن التاريخ والتأريخ، أسبُ الوطن والوطنية، فأيّ وطن هذا الذي يضع قيوده عليّ دون غيري، وكأنه حكم عليّ بالموت الحيّ أمداً...!
لا تنظر إليّ بعين الإزدراء، فأنا لم أعد أراك، لا تكبراً، بل لدمع أطفئ نور عيني بتقاعس أنت عنوانه وكلّ من ادّعى الوطنية، وأبي الجواد بالموت يجود.
أنا يحيى؛ وأبي جواد، وليتك تدرك من هو الجواد، إنه يجود بصحته وعافيته اليوم وراء القضبان، كبده لم يعد ككل الكبد، طحاله يكاد ينسى، عينيه، أوّاااااه ماذا أقول لكم عن عينيه العسليتين المائلتين للبني، أظنهما انطفئتا بعدما اختلطت دموعه بسواد فجوركم الوطني...!
لم يعد يقوى المشي كعادته، شاخ في شبابه، ومتّ قبل أن أعيش طفولتي، وعن تخبطي لا تسألني، فأبي، يموت، وأنا حيّ بالموت، أما أنتم فأحياء بالعهر ما استطعتم إليه سبيلاً...!
أيّها الشعب الـ....! إلعنوني، ثم أتبعوني بجلّ سخطكم، فكلّ ما بكم من لعنات وغضب وسخط، لا يساوي يوماً واحداً من رائحة الموت التي أحيا.
سأقول لكم سراً، أنا كافر بكم والوطن، وأكاد لا أؤمن بعد ربي إلا بأبي.
رفعت الأقلام وجفّ الدمع من عيني والدم في عروقكم ..!
التوقيع: يحيى الميت.
---------------------------
* يحيى جواد إبن الأسير جواد الجعبري من مدينة الخليل المحتلة، والده الأسير جواد الجعبري قضى في سجون الاحتلال نحو ١٥ عاماً إدارية.