نشرت مجلة "فورين بوليسي" الاميركية على موقعها على الانترنت تقريرا للصحفي "رونين بيرغمان" مؤلف كتاب "الحرب السرية مع ايران" يشرح فيه أساليب عمل الاستخبارات الإسرائيلية وخططها لقتل من لهم علاقة بخطط ايران النووية والقياديين في حزب الله و"حماس" و"الجهاد الاسلامي" الذين يخططون لعمليات مضادة لاسرائيل ويقومون بتطوير وحيازة اسلحة متقدمة.
ويورد "بيرغمان" شخصيات اغتالتها "إسرائيل" مثل القيادي في حزب الله اللبناني عماد مغنية والعميد محمد سليمان "رئيس المشاريع الخاصة السرية" في نظام الرئيس بشار الاسد، وكذلك حسان اللقيس الذي اتهم حزب الله "اسرائيل" باغتياله ليل الثلاثاء-الاربعاء. وهنا نص التقرير:
"ابتسم مسؤول الاستخبارات الاسرائيلي وقال: "سيكون هناك مؤتمر قمة في السماء"، وذلك عندما علم باغتيال حسان اللقيس، القائد في حزب الله المسؤول عن تطوير الاسلحة والحرب الإلكترونية المتقدمة، في ضاحية من ضواحي بيروت نحو منتصف ليل الثلاثاء، 3 كانون الاول (ديسمبر).
ومقتل اللقيس هو الاخير في سلسلة اغتيالات طويلة تستهدف شخصيات بارزة في ما تسميه الاستخبارات الاسرائيلية "الجبهة الراديكالية" التي تشمل بلدين – سوريا وايران – وثلاث منظمات: حزب الله، والجهاد الاسلامي الفلسطينية، و"حماس".
وقال المسؤول: "اننا نتحدث عن عدد من المنظمات والناس المنخرطين في نشاط نووي و"إرهابي، إنهم لا يفعلون ذلك ليس فقط من أجل بلدانهم في مهمات متنوعة، ولكنهم خلقوا أيضاً شبكة دولية – تعتبر أخطر وأكفأ ما واجهته". واضاف ان "أهداف الائتلاف هي "تركيب قنبلة نووية وقدرات صاروخية متنوعة – من القصيرة جداً للطويلة المدى جداً – وتنفيذ عمليات انتحارية على اعلى مستوى". والهدف الاسرائيلي: اغتيال هؤلاء الرجال، واحداً تلو آخر".
"وليست هذه المرة الاولى التي تواجه فيها اسرائيل اعداءً اقوياء جداً، بالطبع. لكن مسؤولي الاستخبارات الاسرائيلية يعتقدون أن مجموعة الأعداء الحالية يمكن أن تكون الأكثر تنوعاً والاعقد تشابكاً بين ما واجهته اسرائيل". ويتراوح هؤلاء الاعداء بين من هم على مستوى القيادة ومن هم عاملون على المستوى الميداني، وفقاً لمسؤولين رفيعي المستوى في "موساد" ومديرية الاستخبارات العسكرية (أمان). وتشمل الشبكة التعاون الوثيق والعميق الذي يتخطى حتى الانقسامات الدينية بين السنة والشيعة، والذي تحركه قوة دافعة وحيدة: العداء تجاه اسرائيل.
في 2004، بدأت الاستخبارات الاسرائيلية "موساد" في التعرف على شخصيات أساسية متنوعة ضمن الجبهة الراديكالية – أي أولئك الذين يملكون قدرات عملاتية، وتنظيمية وتكنولوجية متقدمة. وبينما كانت شخصيات اخرى معروفة بشكل افضل في تلك الجماعات المتطرفة والدول التي تدعمها مع الامور الاستراتيجية، كان هؤلاء هم الناس الذين يتعاملون مع التفاصيل وترجمة الاستراتيجية الى ممارسة فعلية".
وضعت الاستخبارات الاسرائيلية قائمة تشمل أولئك الرجال، وكل منهم يملك مهارات قاتلة جداً يمكن ان تشكل خطرا على "إسرائيل"، حتى وإن لم تكن هناك شبكة تضمهم جميعاً. وكان على رأس القائمة رجلان: عماد مغنية، القيادي العسكري الاعلى في حزب الله، والعميد محمد سليمان، رئيس المشاريع السرية الخاصة، بما فيها بناء مفاعل نووي، والشخص المسؤول عن علاقات سوريا بايران وحزب الله في نظام الرئيس بشار الأسد. وكما قال لي "مائير داغان"، الرئيس السابق لـ"موساد": " العميد محمد سليمان كان مسؤولا عن أعمال الاسد السرية، بما في ذلك الصلة مع حزب الله وايران والمشاريع الحساسة. كان الشخص الذي يعتمد عليه الاسد. وهذه الايام يفتقده".
بعدهما جاء الجنرال ترهاني مقدم، مدير برنامج تطوير الصواريخ في الحرس الجمهوري الايراني وتصدير الصواريخ الى حزب الله و"حماس" و"الجهاد الاسلامي"، ثم محمود المبحوح، المسؤول في "حماس" عن العلاقات التكتيكية مع ايران، وحسان اللقيس (الوارد ذكره ايضاً في ملفات "اف بي آي" باسم الحاج حسان حلو اللقيس)، الذي تعرفت عليه الاستخبارات العسكرية (أمان) في اوائل تسعينات القرن الماضي باعتباره خبير تطوير الاسلحة في حزب الله. وفي مقال عن موت اللقيس في صحيفة "دايلي ستار" اللبنانية وصفت الصحيفة بانه "شخصية اساسية في برنامج الطائرات من دون طيار في حزب الله".
ووفقا لملفه عند "امان" كان اللقيس نشيطاً في الحركة الشيعية الراديكالية منذ كان عمره 19 عاماً، فقد انضم اليها بعد وقت قصير من تأسيسها. وقد تلقى مقدارا من التعليم التقني في جامعة لبنانية ولكنه حاز على معظم مهاراته من خبرته في تطوير وصنع اسلحة. وكان منذ البداية تقريباً المسؤول الاول عن تحصيل الالسلحة من والتنسيق مع ايران في هذه المسائل. وبفضل جهوده، صار حزب الله اقوى منظمة "إرهابية" في التاريخ – واقوى حتى من "القاعدة" من نواح كثيرة – ويملك "قوة نيران لا تملكها 90 في المائة من بلدان العالم"، حسب داغان.
ومنذ منتصف تسعينات القرن الماضي، كان هناك ضباط في "امان" اشاروا الى اللقيس على انه هدف محتمل، معتقدين انه يجب التخلص منه. لكن حزب الله لم يكن هدفاً مفضلاً في ذلك الحين وكان يعتبر مصدر ازعاج اكثر منه تهديداً استراتيجياً. وبحلول تغير ذلك في سنوات الألفين، كان قد بدأ في اتخاذ إجراءات احتياطية مشددة لحماية نفسه.
وكما ذكرت بالتفصيل في كتابي "الحرب السرية مع ايران"، كان اللقيس مطلوباً ايضاً في كندا والولايات المتحدة لإدارته خلايا لحزب الله في هذين البلدين في اوائل تسعينات القرن الماضي. وقد أرسل عناصر من ذوي الميول الاجرامية الى هناك، ولذلك كان من دواعي سرورهم ارسالهم الى اميركا الشمالية كي لا يقوموا بمثل تلك النشاطات بالقرب من اعضاء التنظيم" في لبنان، وفقا لورقة سرية من اوراق "امان".
واستقر اولئك المجرمون اللبنانيون في فانكوفر، وكارولاينا الشمالية، وميتشيغان حيث عملوا في تزوير بالجملة لتأشيرات السفر، ورخص السياقة، وبطاقات الاعتماد، ليحصلوا على ارباح طائلة. وسمح لهم اللقيس بأخذ نسبة عالية من الارباح، ما دام معظم المال مستخدما لشراء معدات متقدمة كان حزب الله يجد صعوبةً في الحصول عليها من اماكن اخرى، مثل اجهزة تحديد المواقع في العالم واجهزة الرؤية الليلية وانواع مختلفة من السترات الواقية من الرصاص.
ومع انسحاب اسرائيل من لبنان في ايار (مايو) 2000، صار بناء قوة حزب الله العسكرية واستعدادات الحزب لحملة عامة ضد "إسرائيل جزءاً مركزياً من نظرية الحزب. وقد عمل اللقيس الى جانب مغنية وتحت قيادته. وكان الاثنان يعيان حساسية اسرائيل تجاه تكبد خسائر في ارواح قواتها المسلحة وعدم استعداد الجبة الداخلية الاسرائيلية لقصف طويل الاجل.
وقد اقاما شبكة تحصينات معقدة في جنوب لبنان بهدف مزدوج: الصمود لاطول فترة ممكنة امام هجوم من القوات البرية الاسرائيلية، وهو ما كانا متأكدين من انه سيحصل إن عاجلاً او آجلاً، والاحتفاظ بقدرتهم على اطلاق اكبر عدد ممكن من الصواريخ على التجمعات السكانية الاسرائيلية.
وفي 20 تموز (يوليو) 2006 حاول الاسرائيليون اغتيال اللقيس بصاروخ اطلقته طائرة "اف -16" على شقته في بيروت ولكنه لم يكن في المنزل وقتل ابنه.
كانت حرب 2006 (المعروفة في اسرائيل بـ"حرب لبنان الثانية" تمييزا لها عن تلك التي شنتها على منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان في 1982) اوج قوة الجبهة الراديكالية والتنسيق بين كبار اعضاء الائتلاف. ومنذ ذلك الحين دارت العجلة دورة كاملة. فقد قتل مغنية بقنبلة في سيارته في دمشق في شباط (فبراير) 2008، وقتل سليمان بالرصاص على يد قناص وهو على الشاطىء في سوريا في آب (اغسطس) من السنة نفسها، وخُنِق المبحوح وسمم في غرفة فندق في دبي في كانون الثاني (يناير) 2010، وقتل مقدم نسفاً مع 16 من رجال جهازه في تفجير في مستودع صواريخ قرب طهران في 123 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011. وليل الثلاثاء، قَتَل رجلان مقنعان اللقيس في كراج مبنى شقته في احدى ضواحي بيروت.