فُتح الباب، وسُمع صوت القفل يستدير ليفتح باباً آخر، خرج سجين تراه يسير بالممر. الشاي بكأس شفافة بلاستيكية بيد، وسيجارة بالأخرى. يجوب الممر مرارًا وكأنه ينتظر الحكم الأخير، دخل السجان وسمعنا صوت قفل آخر؛ فخرج جميع المساجين نحو الصوت. درجتان وسجان حقير يقف بابتسامة أحقر ليوزعها على جروحهم. وها نحن نخرج لتلك الساحة التي لا يزيد حجمها عن حمام بغرفة نسبة لسجنها.
سجينان يتعانقان ويتبادلان الحديث واخر يجوبها ركضًا واثنان يقفان تراهم يحاولون الحفاظ على صورة ملائمة، وكبار السن على مقعد من الاسمنت ترى بهم كل بؤس القارة السوداء ومجموعة من الشباب الفخورين بسجنهم, وها هي أشعة الشمس الخبيثة تتدفق من قضبان السجن لتدب بهذا المكان وجع الحريه وسجان آخر مدجج بأحدث الأسلحة يقف من على البرج ليراقب الفسحة وهذا الحقير الآخر على باب الساحة يراقب بابتسامة لعينة ومفتاح بخصره، أما مدير السجن فهو أحقر الشخصيات بل أنذلها، فهو الوحيد الذي يعلم ان لولا هذه الفسحه لهُدم السجن وتفجرت براكين الغضب من قلب الزنازين.
كم هي حقيرة تلك الفسحة التي تنفس عن غضب الحرية، وكم هي كاذبة تلك الأشعة الواهمة وكم هي مجهضة تلك الأبواب الداخلية التي تفتح على سجن، وكم هي قادرة على اجهاض جنين الغضب الحي.
هذه هي ديمقراطية اسرائيل كتلك الفسحة الحقيرة، وكم هي أحقر بوابات الحقوق الداخلية، ولفلسطين باب رئيسي واحد وسجن سيهدم.
وكم من الغباء حين نبدأ بالبحث والنضال لأجل تلك الفسحة والحفاظ عليها، ولو سجنت، أعدكم بأن لا أخرج إلى الفسحة وأن أحافظ على الجنين حتى ينمو ويكبر ويخرج كالبركان يذيب القضبان ويشق الجدران وليصارع سجني، فلو لم تكن تلك الفسحة الخبيثة لقتل السجين السجان وارتكبت اكبر كمية من الغضب، وها هي " اسرائيل " بذكائها كلما اشتد السجن فتحت الإناء المضغوط "فينفس"، وكلما اشتد بطش السجان فتحت باب داخلي للفسحة وبعد تجربة قامت هذه المؤسسة الاستعمارية الحقيرة بفتح ساحة صغيرة امام كل زنزانة يحق لك بداخلها ان تشتم وتكفر وتتظاهر بشرط ان يبقى تحت سيطرة الباب الأكبر.
كم سنكون أذكياء حين نرفض كل المساحات المعطاة، وكم أتمنى أن تزداد القضبان ويمنعوننا من الساحة ويعود رفع العلم تهمة ويأخذوا مني قلمي، حتى أصرخ وأكتب بالحجر وأن يمنع التظاهر، وتصبح كل المحاكم عسكرية وأن يجعلوا من المعاش ما لا يكفي لشراء الحليب.
وان لم تفعل ما علينا سوى اجبارها .
وسأترك لكم الخيار بالتنفيس والفسحة داخل السجن أو بالتورط.