لم أنم الليلة وأنا أنتظر أن أصحو من كابوس سوريا، وأنا أتخيل جحم الوجع الذي حملته أمهاتهم في صدورهن وهن يدفن أجساد الأطفال كما هي وكأنهم نيام. طرحت مع نفسي ألف سؤال عن حجم الألم الذي عاشه الأطفال في سوريا قبل أن تنتزع أرواحهم الصغيرة لتحلق بعيداً وهي تلعننا وتعلن سكوتنا وتلعن ضميرنا الميت.
قرأت في إحدى الصفحات الداعمة للثورة تحليلاً عن أن إحدى الأطروحات كانت تتوقع هجوم الجيش على مناطق الغوطة، وقلت لنفسي: أليست هذه المعارضة مدعومة؟ إذاً لم لم تزودهم بما يقيهم من غارات الصيف، لم تركت الموت يتلبسهم، يتلبس أجساد الصغار، ويملؤ قلوب الأمهات بالوجع؟!. "لا مش مهم اعرف مين قتل ولا مهم اعرف بالضبط مين مفروض يحميهم" المعارضة الي بتتنبأ وبتحط توقعات وتتجول من محطة فضائيه لموقع إلكتروني لإجراء المقابلات ولا حتى النظام السفاح الذي يدعي أن تقارير وجود غاز السيرين ملفقة.. بجد العائلات في الغوطة لقيت نفسها فاضية فقررت مباشرة "الانتحار الجماعي" لأجل أن ترتاح من المعارضة والنظام.
البارحة كان موجعاً انتابني الصداع حتى آخر أنفاسي تلوت من القرآن ما يكفِ لأقنع نفسي بأن القادم أفضل، ولم أقتنع ،حجم الوجع بداخلي لا يُقرأ، تسائلت كثيراً عن أي أساليب الموت في الحرب أكثر وجعاً، الرصاص أم الكيماوي، أم تراه ما ألقت به "إسرائيل" على غزة في عملية عامود السحاب عام 2012 "الفسفور" .. في اللحظة التي تذكرت فيها "إسرائيل" أدركت أن حجم الوجع في سوريا أكبر، فالقاتل والمقتول من أبناء البلد الواحد.. وظلم ذوي القربى أشد مضاضةٌ .. والموت لا يوجع الموتى الموت يوجع الأحياء!
في صفحة أخرى نشرت صورة لوالد وثلاثة أطفال لقي أبناؤه الاثنان مصرعهما وهما في الشارع المفتوح فأمسك الوالد يد الطفل الثالث وتوجه ناحية الجدار كي ينسَ لو قليلاً أن ثمة طفلين صرعهما الموت.. وساقهما أمامهم قبل أن يتبعهما، مشاهد الأمس محفورة حفراً في الذاكرة، الصغيرة التي تهلوس بأن الموت لم يطالها بعد، والصغير الآخر الذي يصارع لإخراج روحه الصغيرة!.. والأم المفجوعة التي تقلب الجثث كقطع الملابس وهي تبحث عن أبنائها بين الأكفان والجثث المختومة بالأرقام لأنها مجهولة. كل شيء في تفاصيل سوريا يذكرني بالملعونة "إسرائيل" يذكرني بأننا بلا ضمير ولم نعد نستحلِ إلا الوجع!
نمت بعد عناء، وبعد أن لففت الإنترنت لأتأكد أن وجعهم كان قليلاً، بل ربما ما كانوا يعرفون ما الذي يحدث عرفت أن غاز السارين بلا لون ولا رائحة أي انهم حتى ما كانوا يدرون ماذا يحدث، لكنهم أدركوا أنه الموت، تأكدت أن أهم الأعراض صداع شديد في الرأس، يؤلم لكنه أخف ألم من أساليب الموت الأخرى التي يوفرها هذا العالم اللئيم.. لم يرتح ضميري لكن على الأقل خف وجعي حين عرفت أن وجعهم ساعة الموت كان أقل، وبعدها تذكرت شيئاً هامّاً.. ماذا عن ذاكرة من رأى حجم القتل هذا كيف يمكن أن نداويه.. تأكدت مجدداً أن لا مفر من مواجهة الضمير فمسلسلات شلالات الدم والموت المستمرة الإنتاج في سوريا يتحمل مسؤوليتها كل واحد منا، كل واحد كان يمكن أن يعمل شيء لينقذهم وبقي صامت ساكن .. دلوني ماذا يمكن أن أفعل لهم سوى الدعاء والصلاة من أجلهم، ساعدوني.
ما إن اكتفيت بتأملاتي تلك، حتى جاء خبر جديدـ في ساعات الليل الأخيرة استهدفت منطقة جوبر وزملكا وعين ترما وحزة بالسلاح الكيماوي مما أوقع أكثر من مئة شهيد الذين تم إيصالهم للمناطق الطبية في أكثر من مدينة في انحاء الغوطة الشرقية لكي يتم إستيعاب الجرحى قدر الإمكان ويجدر التنويه أن أكثر الإصابات من النساء والأطفال وحتى الكادر الطبي المسعف تأثر بالغازات السامة لعدم وجود الأقنعة الواقية الكافية ولازالت أعداد المصابين تتوافد رغم العجز الطبي ....هذا وتم مناشدة اللجنة الدولية وغيرها عبر صفحات التواصل لزيارة الغوطة الشرقية من غير استجابة، وقد قامت قوات النظام بإستهداف معضمية الشام أيضاً بصواريخ كيماوية مما أسفر عن 600 شهيد وآلاف الجرحى. يبدو أن التأملات لن تتوقف وستزيد ألماً على ألم.