مما لاشك فيه أن اغلاق حكومة غزة لمكتبي فضائية العربية ووكالة معا قد أحدث حالة جديدة من الاستقطاب داخل المجتمع السياسي الفلسطيني، وأثار جدلاً محموماً حيال صوابية الخطوة من عدمها.
وهنا أحاول تقديم تصور متواضع لخطوة الإغلاق في ضوء فهم ماهية الواقع العربي وخصائصه ومسارات التفاعلات فيه ومآلات المخاضات التي يشهدها على الأصعدة كافة، والتي بلا شك ستؤثر بنيويا في مضامين النظريات والمصطلحات التي تكتسي طابعا سياسيا – اجتماعيا كونها تتغير بتغير الظاهرة التي انبثقت عنها.
1- تتسم العلاقة بين الوحدات السياسية - أحزابا ونظما - في الساحة العربية بالطابع التصارعي "نفي الآخر" وليس التنافسي وبالتالي فإن الماكنات الإعلامية لكل طرف ستسحيل لأدوات الغاء " وشيطنة عدمية " للطرف الآخر ، وفي ضوء ذلك فإن الحديث عن فضاءات لحرية الإعلام "يفقد مبررات وجوده".
2- الإعلام الموجه "الأداتي" هو إعلام يحاول خلق وعي بممارسة الجهة التي يمثلها، وخلق رأي عام داعم لها وذلك عبر عمليات التجييش والتحريض والتعبئة والتي تتأتى من خلال سياسة تحريرية تهدف إلى تضخيم كل مخرجات تلك الجهة أو ما ينسجم مع أفكارها وسياساتها والتقليل من شأن مفاعيل الآخر والتركيز على سقطاته وأخطائه، وهو يختلف في الجوهر عن الإعلام الجوبلزي والذي يمتهن الفبركات والكذب الفاضح كما تفعل العربية بالنسبة للشأن المصري والفلسطيني، حتى أضحى التندر على فضائية العربية ظاهرة بارزة في الاعلام المجتمعي في فلسطين ومصر.
3- عندما ينخرط رجالات المؤسسة الإعلامية الموجهة بالعملية السياسية وعملية النحت الفكري الشوفوني الإلغائي الفاضح فإن الحديث بعدها عن "حيادية تلك الوسيلة " أمر مضحك جدا، فعبد الرحمن الراشد أحد مؤسسي العربية صاحب نتاج فكري شوفني يرى ظاهرة الاسلام السياسي وفق الرؤية الغربية والتي تحصره في إطار الظاهرة الطارئة والشاذة في الاجتماع العربي ولا تنتمي بحال للهوية العربية!!
4- الإعلام والصحافة تحولتا لسلطة أولى في ظل الطفرة التكنولوجية وطفرة الاتصالات وليس كما نعتهما اديموند بيرك بالسلطة الرابعة، وعليه فالاعلام أضحى ذات مفاعيل تفوق أجهزة التعبئة والتثقيف البشرية داخل الاحزاب ويمتلك قدرات فائقة في تشكيل الرأي العام وبلورة الوعي الجمعي.
5- ثبت في ضوء النقاط السابقة أن الإعلام الموجه قد استحال "لرأس حربة" المؤامرة التي تتبناها وحدات سياسية ضد أخرى في الصراع الصفري القائم بينها ... ولذلك فمن الحصافة أن يكون المخطط المضاد " تقليم الأظافر " وافقاد الطرف المضاد أذرعه الضاربة والاستراتيجية والحيلولة دون توفير المناخات المناسبة لمواصلة عمله.
أخيرا باعتقادي أن الانطلاق دائما من أطر نظرية ذات تعقيدات فلسلفية تنتمي لبيئة مستقرة وترفية في تعريف الإعلام ومخرجاته وماهية التعاطي معه لا تصلح لبيئة تصارعية محمومة قائمة على الالغاء ومحو الأخر انطولوجيا " وجوديا " .... كما أن بلورة الأحلاف في المنطقة العربية في حقبة ما بعد " الربيع العربي " تنذر بجملة حروب وصراعات سيكون للإعلام الدور الأكبر في تبريرها ونشوئها وسيكون .
أيضا أعتقد أن خطوة حماس مبررة من بعد جيو سياسي وقراءة واقعية للمشهد السياسي ومآلاته في المنطقة ، فحماس تتعرض حاليا لخطر وجودي يتهددها بفعل شيطنتها من بعض وسائل الاعلام التابعة لنظم معادية لها خاصة في مصر " عمقها الحيوي "، والتحضيرات الصهيونية لمهاجمتها مستغلة البيئة العربية المناسبة لذلك.