شبكة قدس الإخبارية

"قصة الأندلس" ..التاريخ بطريقة "الفاست فود"

منى حوا

 قد يظنّ البعض أن هذا النصّ الذي أكتبه سيكون بمثابة ملاحقة للأخطاء التاريخية التي وقع فيها برنامج قصة الأندلس‬" الذي يقدمّه الأستاذ القدير ‫عمرو خالد‬، ورغم أهميّة هذا الأمر -خاصة مع بروز العديد من الأخطاء الكارثية الواضحة لأبسط مطلّع أو مهتم بالتاريخ- إلّا أن المكتوب هنا لا يهدف أبدًا لتصحيح المعلومات وتحقيق الخرائط ومراجعة الأحداث،إعتبار برنامج "قصة الأندلس" مصدرًا تاريخيًا أو حتى مرجعًا معرفيًا وأكاديمياً ما هو إلا نوع من الفكاهة.

أتفهّم جيّدًا أن أ.عمرو خالد ليس متخصصًا بالتاريخ، ولا حتى نحن، ولا جلّ من يقرأ هذا النصّ أيضًا، ولكن هناك نقاط فكرية ومعرفيّة يضطرني الوقوف عليها كشخص مجنون ومريض بالأندلس، مريض فعلًا ولا يستطيع الشفاء من هذا المرض - حتى وإن حاول. أتفهّم جيّدًا أن هناك جهد كبير واضح في البرنامج، ليس من أ.عمرو خالد وحده إنما لطاقم كامل عمل عليه، كل شخص يعمل في الإعلام يعرف التعب المصاحب لإخراج كل حلقه بصورة صحيحة فما بالك ب30 حلقة، لذلك أبدأ كلامي بشكر وأؤكد أني هنا لا أناقش نوايا ولا أطلق أحكاماً.

 أتفهّم جيّدًا أن ليس الجميع مهتم بالأندلس أو حتى مطلّع بأبسط البسيط عنها، أتفّهم أن هناك من لا يعرف الفرق بين أندونيسيا وأندوليسا،، لكني مثل أني أعرف أن هناك خطاب يختلف من شخص لآخر حسب إطلاعه، أدرك جيّدا خطورة أن يصل البسيط أو السطحيّ حتى بصورة غير صحيحة. أدرك جيّدا ماذا يعني أن يكون برنامج كقصة الأندلس هو المصدر الأول لكثير من غير المطلعين وهذا ما يدفعني للكتابة.

 أتفهّم جيّدًا كذلك أن تاريخ الأندلس ليس تاريخاً بسيطاً، وليس بالصورة الساذجة التي تقدم غالبًا في كثير من القنوات الإعلامية، وأتفهّم أكثر أن كبار المؤرخين والكتاب الذين دخلوا ميدان الكتابة عن تاريخ الأندلس وقعوا بسقطات شنيعة، فتاريخ الأندلس تاريخ شائك وفيه الكثير من المشاكل في البحث والتحقيق وضعف المصادر، فما بالك بسائح أو واعظ أو داعية أو أيًا كان ربما لم يطلع على أي كتاب للأندلس إلا في أيام معدودات وبغرض الظهور الإعلامي لبرامج الترفيه الرمضاني لا أقل ولا أكثر.

 بداية هناك خلل منهجي خطير في تسويق فكرة التعايش التي يقدمها عمرو خالد في برنامجه مسقطًا إياها على الأندلس، بل هو تحديدًا يختصر قصة أهل الأندلس بأنها قصة التعايش أو اللاتعايش وقصة الوحدة والصراع وهو يقصد تعايش أهل الأندلس بالخلطة السحريّة حد قوله، فالأندلس هذا المكان المعجزة جمع كل الأديان والأعراق والشعوب فأنتج معجزة النهضة ومعجزة الحضارة لسبب بسيط وهي أن الناس "حبوا بعض" و"جمعوا الجهود" .. وحسب رواية عمرو خالد فإن الأندلس سقطت بالأخير لأنه شعار "حبوا بعضكن" و"أنا أندلسيّ" فشل وبذلك إنتهت "الوحدة الوطنيّة الأندلسيّة" الساحرة (!!!) وضاعت الأندلس بعد "ثمانية قرون" "(!!!)

 عمرو خالد لم يضع يده في برنامجه "السياسي" قصة الأندلس على سبب هذا التعايش، بل ميّع المسألة بظاهر مغاير تمامًا لفكرة التعايش ويمكنني إجمال ذلك من خلال نصّ للرائع الأستاذ أسامة عكنان الذي تتحدث فيه عن فيلم وثائقي شهير بُث على قناة الجزيرة عنوانه "قرطبة والتعايش المفقود"، وهو حول ثقافة التسامح في الأندلس تحت حكم المسلمين، أشار لإشارات هامة ستختصر الكثير مما أريد قوله، يقول أنه لفتت انتباهه عباراتان وردتا في الفيلم، إحداهما لكاتبة إسبانية قالت في كتابها الأكثر مبيعا كما تمَّ وصفه، وهو حول ثقافة التسامح المشار إليها: "إن التسامح بين المسلمين والمسيحيين واليهود في الأندلس لم يكن سياسة، بل كان ثقافة، لذلك استطاعت الأندلس أن تعيش على عبقرية اثنين من أبنائها يعتبران من أهم الشخصيات التي عرفها التاريخ، هما ابن رشد المسلم، وابن ميمون اليهودي".. والثانية لواحد من مثقفي يهود إسبانيا المعاصرين، قال فيها وهو يحاول إجراء مقارنة بين نجاح المسلمين واليهود في التعايش على أساس التسامح في الأندلس، وعجزهم عن ذلك في فلسطين اليوم: "إن المسلمين واليهود في فلسطين يحتاجون اليوم إلى ابن رشد المسلم وابن ميمون اليهودي"..

 وأمام هاتين العبارتين المهمتين اللتين تُخفيان في جوفهما الكثير، وجدتُني مدفوعا إلى التأكيد على ما يلي.. لم يلتقط "اليهودي الإسباني" جوهر الفكرة العظيمة التي أسست لها "الكاتبة الإسبانية"، فكان هو صاحب "طرحٍ سياسي"، بينما كانت هي صاحبة "قراءة ثقافية"، أكثر عمقا وحفرا في خبايا التاريخ من طرجه السياسي المجتزأ..

 هو يريد للتعايش والتسامح الإسلامي اليهودي أن ينشآ في فلسطين، عبر ظهور "ابن رشد" جديد لدى المسلمين، و"ابن ميمون جديد" لدى اليهود ليؤسسا لذلك التسامح..

بينما الكاتبة الكبيرة قد أوضحت أن ابن رشد" المسلم الأندلسي، و"ابن ميمون" اليهودي الأندلسي، قد نشآ في أندلس قائمة أساسا على التسامح والتعايش، ولم يكونا هما سببا أدى إلى هذا التسامح وإلى ذلك التعايش.. "ابن رشد" و"ابن ميمون" كانا نتيجةً للتسامح ولم يكونا مُنْتِجين له..

 أما صاحبنا اليهودي، فيريد أن ينشئ التسامح، عبر ظهورهما من جديد ليخلقاه وينتجاه ويوجداه.. وهو إذ يتقدم بهذا الطرح، فإنه قد غفل عن مسألة غاية في الأهمية عند مقارنته التي أجراها بين الحالتين.. فالتسامح في الأندلس كان ثقافة المسلمين والمسيحيين واليهود، لأن أياًّ من هؤلاء لم يتعامل مع "الحالة الأندلسية" باعتبارها "حالة استعمارية" طاردة بطبيعتها للتسامح..

 ولو أن أيا من هؤلاء تعامل معها على هذا الأساس لما ترسَّخ التسامح، ولبقي الصراع قائما حتى تتغير الحالة من "استعمار" إلى " لا استعمار".. ( وأضيف أنا من إستبداد إلى لا إستبداد) ..

وفي سياق الفكرة التي أسعى لتثبيتها هنا، لن أكون معنيا بالتعرض للأسباب التي جعلت المسلمين واليهود والمسيحيين لا يتعاملون مع "الحالة الأندلسية" باعتبارها "حالة استعمارية"، فليس هذا هو موضوع المنشور، وكل ما يهمني هو أنهم كانوا كذلك، فأنتجوا حالة تسامح فريدة من نوعها في التاريخ اسفرت عن ظهور "ابن رشد" و"ابن ميمون".. وللسبب ذاته أجد نفسي معنيا بالتأكيد على أن "ابن رشد" المسلم، و"ابن ميمون" اليهودي المعاصرين، لن يظهرا إلا إذا تحقق التسامح بين اليهود والمسلمين في فلسطين أولا، على قاعدة تحرير "الحالة الإسرائيلية" من طبيعتها الاستعمارية الطاردة للتسامح، كي تصبح شبيهة بالحالة الأندلسية الحاضنة له.. ( = وهذا أيضًا ينطبق على كثير من الصراعات الدائرة في دول عربية اليوم) إن السبب الذي جعل مسلمي ويهود ومسيحيي الأندلس يتسامحون، هو عدم قناعتهم بأن "الحالة الأندلسية" هي "حالة استعمارية"، وعدم استعدادهم لقبول أيِّ توصيفٍ لها يقوم على اعتبارها "حالة استعمارية".. بينما السبب الذي جعل المسلمين واليهود لا يتسامحون في فلسطين، هو أنهم يعون جيدا أن "الحالة الإسرائيلية" هي حالة استعمارية، وبالتالي فلابد من ان تتم البداية عبر التخلص من هذه الصفة في تلك الحالة..

 أي عندما تتحول "الحالة الإسرائيلية" (( أو "الحالة الإستبدادية")) إلى حالة "لا استعمارية" يغدو الحديث عن التسامح والتعايش أمرا ممكنا، وعندها، وعندها فقط يغدو الوضع مهيئا لظهور "ابن رشد" المسلم و"ابن ميمون اليهودي"، أما قبل ذلك فلا.. إن التسامح والتعايش في الأندلس، أنتجا "ابن رشد" المسلم و"ابن ميمون" اليهودي، تأكيدا لا لُبْس فيه من قبل كلِّ "الأندلسيين" على أن "الحالة الأندلسية" لم تكن استعمارا مرفوضا ومنبوذا.. أما انعدام التسامح والتعايش فلن ينتجا لا "ابن رشد" المسلم، ولا "ابن ميمون" اليهودي، تأكيدا لا لُبْس فيه.

 ما كتبه الأستاذ القدير أسامة عكنان، يلخصّ الكثير مما أريد قوله. فعمرو خالد الذي يسوّق بمهارة لفكرة "التعايش" من خلال الأندلس غفل أو تغافل عن هذه الجزئية و مررّ رسائل سياسة موظّفًا الأندلس فيها بصورة بائسة جدًا ربما كان الدافع لها نيّة طيبة كإحلال التعايش مثلًا، لكنه تجاوز عن مسألة أهم وهي أننا ببساطة لا تستطيع أبدًا أن نتعايش مع حالة مرضيّة.. بصورة أقرب شعار "جمعوا الجهود" لا قيمة له قبل نزع سبب تشتيت للجهود، ما قيمة المرهم الموضوع فوق إلتهاب مزمن لم يُـعالج جذره ؟ وضع مرهم لطيف على اليد الذي تقبع تحت جلده شظية مغلفّة بالصديد النتن ومن ثم توقّع الشفاء هو أمر ساذج جدا.

 قصة الأندلس أيضًا معنون بأنه يتحدث عن قصة الثمانية قرون، أي قصة فترتين زمنيتين محصورات في 800 عام، في الحقيقة إعتبار أن الأندلس تاريخ ثمانية قرون إعتبار هشّ ومريض وظالم ، الأندلس ليست تاريخ سلطة وحكم، الأندلس تاريخ شعب وأمة ومجتمع، شعب وجد قبل الفتح وأمة أبيدت بعد السقوط، شعب ناضل ويناضل من أجل هويته وذاته التي شكّل جزء كبير منها في تلك القرون الثمانية - بعيوبها وحسانتها،  شعب لم يختفي من التاريخ هكذا فجأة بعد رحيل آخر حكّامها أبو عبدالله الصغير وهذا أمر لن أقف عليه كثيرًا لأن جلّ المؤرخين والكتّاب الذين اهتموا بالأندلس سقطوا في نفس الدائرة. الحديث عن هذه الثمانية قرون مهم، لكن إعتبار أن الأندلس تقف هنا كارثة، وكأننا ندور في فلك البحث عن التراجيديا والتحسرّ على الأمجاد بدلًا من مسّ قضايا إنسانية حقيقة، حتى أصبح الحديث عن الحضارة الأندلسيّة أهم من الإنسان والأمة المبادة التي صنعت هذه الحضارة.

 قصة الأندلس ليست قصة محصورة في ثمانية قرون بنفس السيمفونيّة السنويّة لبرامج الترفيه التي تتحدث عن الأندلس، حصرها هذا يلغي الصفحة الأهم من تاريخ الأندلس اليوم وهي مرحلة ما بعد سقوط الحكم السياسي وأزمة الموريسيكين ، وهي صفحة دموية بالغة المأساوية في التاريخ الإنساني كله، صفحة شعب فرض عليه الإقتلاع من أرضه، ، صفحة أول حالة تطهير عرقي في التاريخ الحديث بفظاعة لا يوازيها أحد.

 قصة الأندلس التي يقدمها الوعاظ والدعاة وأصحاب المنابر الترفيهة تنقطع فجأة بعد ثمانية قرون عند التاريخ الأصعب والأكثر إيلامًا، عن تاريخ الأسرة الأندلسية التي بلعت العلقم لقرون متواصلة من أجل حفظ الدين والهويّة واللغة العربية بالسرّ، حتى لو أضطرت الأم لقطع لسانها كي لا تشي على زوجها المؤمن عند محاكم الإرهاب والتفتتيش .. وهذا كله لا نعرفه ولا يتم طرحه إلا على خجل، لأن الحديث عن قصر الحمراء وهل أحرق طارق بن زياد السفن هو الشغل الشاغل السنوي كل عام للدعاة الكرام.

 التعصبّ والعنصرية والفاشيّة الدمويّة والحقد الأعمى والكراهية هي التي قضت على أمة ذات طابع تعددّي كأهل الأندلس المتمدنين المتعايشين الأنموذج الحضاري في التعايش حتى آخر لحظة في وجودهم، ماذا سيخبرنا عمرو خالد عن هذا؟

 الأندلس سنويًا يحتفل بسقوطها، يحتفل بالعنصرية والحقد والدمويّة يحتفل بأرث كبير من الكراهية، فماذا فعلنا حيال هذا، ماذا فعل على المستوى الرسمي أو الشعبي أو حتى على السينمائي الترفيهي كل عام؟ ماذا فعلو أو ماذا قدموا في جامعاتهم تجاه الموريسيكين والحضارة الأندلسية التي أبيد أهلها في حين نتغنى بحضارتهم؟ يجيب عمرو خالد نتحدث عن اللاتعايش الذي أسقط الأندلس، ويقصد بذلك اللاتعايش بين أهل الأندلس ..

 وليس ذلك في فكرة التعايش فقط، بل حتى في تركيز البرنامج على مسائل غريبة، كمسألة "الوحدة الوطنيّة"، هل من المقبول والمعقول التحدث عن الوحدة الوطنيّة في الأندلس؟ بأي منطق نتحدث عن الوحدة الوطنية بالأندلس الغارقة في التعقيدات والتي منذ نشأتها تتصارع مع بعضها في أمل توحيد نفسها خلا فترات لا تذكر، الأندلس التي لا يمكن لأثخن مؤرخ أن يصدر بطاقة تعريفية لهوية أندلسيّة واضحة المعالم طوال فترات الحكم السياسي؟ ليس في الأندلس فقط، هذه ليست سقطة في تاريخ الأندلس هذا غياب معرفي كبير في تاريخ أوربا والتاريخ العربي بل بتاريخ كل الأمم، من أين خطرت على بال عمرو خالد فكرة القومية الأندلسية و" الوحدة الوطنيّة" في عام سقوط الأندلس يعني في سنة 1492؟ هل تدرك حجم الفكاهة في إعتبار أن ضياع شعور "الوحدة الوطنيّة الأندلسيّة" وضياع شعور "أنا أندلسيّ" في القرن الخامس عشر هو سبب سقوط الأندلس؟ يقول صديق : ربما كان هناك دائرة هجرة وجوزات أندلسيّة إذًا!

 مسألة الأندلس فيها تعقيدات أكبر بكثير من أن تقدم بهذا الحجم من الطرح التجاري الإستهلاكي، وما أقصده ليس إساءة لـ شخص مقدم البرنامج، إنما أتحدث عن فكرة وهي خاصة بكل المشايخ والوعاظ الذي يقدمون التاريخ الترفيهي، فالتاريخ جزء من النتاج البشري الإنساني وليس جزء من الدين يتبناه المشايخ، التاريخ كالنار .. كالنار .. والحصيف من يتحاشى عقد مقارنات فيه ضمن أزمنة وسياقات متخصصّة، والبعض للأسف يحوله لقالب وعظي ديني فنعود مجددًا لخلط الحابل بالنابل ويدمج ذلك الإحساس الدائم بوصفنا مسلمين مؤمنين وبنغمة الحسرة المعهود على تفكك الوحدة المثالية للأمة فتأول قراءة الواقع الإجتماعي دون رويّة وتلوي الاحداث وتمررّ النتائج في قالب تنمية بشرية جاهز في اسلوب تنميطي سئ جدا يقتل الحدث والفكرة ويمييع المسألة.

 الأستاذ القدير عمرو خالد ربما يهدف من طرحه أن يقدم وجهة نظر طيبة بصورة وطنيّة محبّة لبلاده التي يرغب كما نرغب جميعًا بوحدتها، هو يوجّه رسائل، وهذه رسائل جميلة لكنه أخطأ باختيار الأندلس وتعقيداته أخطأ كثيرًا.

 أنا لا أقول أن عمرو خالد سطحي ويقدم فكرة سطحية قد لا تناسبني وتناسب غيري، أنا أقول أن الأستاذ عمرو خالد –مشكورًا- لم يقترب حتى من السطحي في مسألة الأندلس لا هو ولا من على منهجه، وأن الشخص العادي غير المطلّع على الأندلس أحق بأن تصله الأندلس بصورة صحيحة دون لوي عنق أحداثها لتمرير رسائل سياسية وعجنها داخل مربعات ضيقة لإبصال غاية ما، مهما كانت هذه الغاية حسنة ولطيفة .

 قد يقول قائل أن جهدهم يشكورون عليه وأنه لولا القاص لما عرف الناس التاريخ ولا انتشر وأن لكل فرد رسالة يؤديها مهما تحفظ المؤرخ على دقة رواية القاص، لكني أعتقد أن النقل غير الموضوعي المخلّ يؤدي إلى نتيجة سلبيةـ فليس تبسيط الرواية ما نقصده، بل هو تميعها فتختلط بين الخرافة والحقيقة والنيجة ضياع الفكرة، فلا نحسن قراءة تاريخ ولا إستدراك واقع و لا حتى إستقراء مستقبل، ..

 وإن أردت أن أرصد الأخطاء التي وقع فيها برنامج قصة الأندلس سواء من أخطاء فادحة بالمعلومات التاريخية أو حتى بأبسط الجغرافيا فالمقال لن يتسعّ، هناك كثر يكتبون يوميًا .. لكن كل هذه الأخطاء التي يمكن أن تدرج كأسئلة مسابقات سريعة في مهرجان على الهواء الطلق هو أمر لا يعنيني تماما لأنه ببساطة لا أشعر أن البرنامج حريص على المعلومة بقدر حرصه على إيصال الفكرة السياسية أو الوعظيّة التي يريد تمريرها - مهما كانت نيّتة القائمين عليه- أنا أناقش هنا منهج هيكله خاطئ.

 يقول المؤرخ عبارة أنقشها بماء العيون أن الفرق بين المؤرخ والقاص أن الأول عمله تحطيم الخرافة، والثاني عمله إنشائها. فالقاص عادة يتبنى السبب العاطفي البسيط ولا يتعداه، وأحيانا يضخمه. أما المؤرخ فيبحث عن عدة أسباب لا تظهر إلا بالتحقيق، وكلما كبرت خرافة القاص، كلما كان متميزا مشهوراً .. وهذا ما أقصده وهذا فعلًا ما نراه اليوم عياناً في المرئيات والمسموعات الإعلامية. لذلك من البديهي أن يرفض بشدّة كل البرامج الموسميّة الإستهلاكية التجارية التي تعالج التاريخ العربي تحديداً بطريقة "الفاست فود" . الأمر أصبح مبتذلاً أكثر من اللازم.

 والله من وراء القصد.