شبكة قدس الإخبارية

فوبيا المظاهرات تلاحق حكومة غزة

٢١٣

 

مرح الوداية

 في تمام الساعة التاسعة والنصف صباحاً من يوم أمس الاثنين، توجهت أنا وصديقتي مرام، إلى مقر الصليب الأحمر بمدينة غزة، لحضور مسيرة تدعم الأسرى المضربين عن الطعام في سجون الإحتلال وأيضاً مُنددة بمخطط برافر الصهيوني. مع العلم أننا تفاجأنا بوجود مسيرة أخرى تتبع لحركة حماس، إلى جانب الأولى التي نظمتها الجبهة الشعبية في غزة. لمن لا يعرف ما هو مخطط برافر، عبارة عن نكبة جديدة إن صح التعبير وسوف تلحق بنا نحن الفلسطينيين، إن لم نتحرك على أرض الواقع ونتصدى لها.

 هذا المخطط الذي يقضي بسرقة أكثر من 800،000 دونم من أراضي النقب وتهجير الآلاف من البدو، واقتلاع ما يقارب من 38 قرية فلسطينية. نحن كشباب فلسطينيين غير محزّبين، لا ننتمي لأي فصيل سياسي، قررنا الخروج في مسيرات منددة بالمخطط من جميع الأراضي الفلسطينية، بما فيها أراضي الـ48، والقدس، ومدن الضفة الغربية، وقطاع غزة.

 بدأت المظاهرات تنطلق من مدينة حيفا أمس، واليوم انطلقنا نحن الغزّيون، إلا أن حكومة غزّة فضّت مظاهرتنا بحجة عدم وجود ترخيص. في تمام الساعة الـ2 والنصف، تواجدت أنا وصديقتاي، مرام وفداء، في ساحة الجندي المجهول وسط مدينة غزة. موعد المظاهرة الذي تم الإتفاق عليه هو الساعة الرابعة عصراً، ولكننا حرصنا على التواجد قبيل ذلك.

 كنّا نجلس في المكان ننتظر حضور المتظاهرين، نحمل بعض البوسترات بأيدينا، ونلاحظ نظرات بعض الشبّان من حولنا، وبعض رجال الشرطة، بدأت شكوكنا بهم تزداد شيئاً فشيئاً، إلا أن تأكدنا بأنهم من رجال الأمن الداخلي ولكن بلباس مدني.

أتى إلينا أحد رجال الأمن بزيّه العسكري، موجهاً إلينا:”يا بنات، الوسائل اللي معاكم هادي لإيش؟” ردّت مرام بأنّها عبارة عن صور للأسير المضرب عن الطعام عبدالله البرغوثي، وجلبناها من اعتصام توجهنا إليه في الصباح الباكر أمام الصليب الأحمر. فداء توجهت إلى رجل الأمن بسؤال مقابل، “صحيح، انت عارف شو بصير في النقب؟” رجل الأمن:”شو بصير” فداء:”الإحتلال بهوّد أراضينا في النقب ورح يسرقها منّا، شو رأيك؟مش لازم نوقف وقفة احتجاج عاللي بصير؟ مش حابب تضّامن مع أهلنا في النقب؟” رجل الأمن مرتبك، “لا رح أوقف معكم انشالله، الله يقدّرنا”.

رجل الأمن توجه إلى مكانه الذي أتى منه، بعيداً عنّا عدة أمتار، ليأتي إلينا، بعض رجال الأمن الداخلي بزي مدني، أحدهم قال “يا بنات، لو سمحتوا تروّحوا من هون، انتوا بنات طيبات ومش عارفين شو اللي رح يصير، المظاهرة غير مرخصّة، ورجاءً روحوا من هون”. أثار غضبنا نحن الثلاث فتيات بقوله، تحدثت معه صديقتي فداء، وقالت له “هذا واجب علينا وانتوا لازم تنضمولنا بدل ما تعملوا هيك”.

رفض الحديث وقال لنا عليكم مغادرة المكان فوراً، و إن أردتم أن تأخذوا تصريح للمظاهرة عليكم التوجه إلى مركز شرطة العبّاس أو المجلس التشريعي كي تكن المظاهرة مرخصة.

أنا توجهت إليه بسؤال:” برأيك مظاهرة ضد الإحتلال لازمها تصريح من حكومة فلسطينية؟” تهرّب من الإجابة وقام بتهديدنا قائلاً “الشرطة النسائية رح تيجي عالمكان هلأ، اذا ضليتوا رح تنضربوا، والشباب اللي رح ييجوا اذا ما روحوا بالمنيح برده رح ينضربوا، رجاءً روحوا”.

قامت صديقتي فداء بالإتصال على صديقتها كي تخبرها بأن لا تأتي لأن الإعتصام سوف يتم فضّه بالقوة، هنا قال لها رجل الأمن “أنا شايفك بتمثلي مجموعة انتي، صارلك ساعة بتحكي تلفونات” مع العلم أنها أجريت اتصالين أمامه وقالت لصديقتيها أن لا تأتيا. بعد ذلك اكتشفنا أن بعض رجال الأمن الداخلي يحمل كاميرا ويقوم بالتصوير، ذهبت فداء إلى رجل الأمن من جديد، مطالبة بأن يقوم زميله بحذف صورها من كاميرته، وبالفعل قامت بحذفهم بيدها. غادرنا المكان.

و في تمام الساعة الرابعة عصراً، توجه الشبّان المتظاهرون إلى ساحة الجندي المجهول، وقام الأمن بفض المظاهرة أيضاً، وحدثت بعض المشادات الكلامية بينهم وبين رجال الأمن، ومن ثم غادروا. ولكن ما أثار استغرابي، أن الناطق باسم حكومة غزّة إيهاب الغصين، نفى بأن يكون رجال الأمن فضّوا المظاهرة، واكتفى بالقول أنهم قاموا بالتنويه للمتظاهرين بأنها مظاهرة غير مرخصة.

مقارنةً بين العديد من محاولات التظاهر في مدينة غزة، والمظاهرات التي انطلقت فعلياً، كتلك المُطالبة بتوحيد الصف الفلسطيني وإنهاء الإنقسام “15 آذار” قبل عامين، كشابّة فلسطينية، أرى أن حكومة حماس تسعى جاهدة لإفشال أي مظاهرة شبابية تنطلق من مدينة غزة، حتى وإن كانت منددة بالإحتلال ومخططاته، تخوفاّ منها بتنظيم مظاهرات أخرى ضد سياساتها القمعية تجاه الفلسطينيين في غزة حتى و إن كانت مظاهرات سلمية.

و أخيراً أود التنويه بأن، مخطط برافر الصهيوني سيقضي بمصادرة وتهويد الآلاف من الأراضي الفلسطينية في النقب وتهجير سكّانها، في ظل انشغال الحكومة الفلسطينية، و الإعلام الحزبي بمتابعة الأوضاع الداخلية المصرية، تحديداً من رابعة العدوية، دون أي إكتراث أو متابعة جدّية لما يحدث في الداخل الفلسطيني.