شبكة قدس الإخبارية

نص في فلسفة الصّورة

٢١٣

 

صفاء خطيب

صفاء خطيب / القدس

عنوان هذا النص، هذه المرة مختلف. ليلكي، لا كزهر الليلك، وإنما لأن معطفي هذا اليوم هو كذلك.

بدت القدس هذا الصباح غريبة. سماء متململة بين الصفاء والغيم. تكاد تسمع همهات المطر إن أصغيت بكل حواسك. تمطر حينا. وتكف حينا آخر. مزدحمة كعادتها. وأنا، قدمت آخر امتحان لي لهذا الفصل بحمدلله. وما بقي وظائف متراكمة  كلها تتطلب مني أن أذهب لأماكن مختلفة لتصويرها.. توثيقها.. أو أي ما كان. لأسلمها بعد انتهاء عطلة ما بين الفصلين.

أنا لا أصدق أني وصلت لمرحلة أقوم فيها برسم ما أريد تصويره أولا. وقياس الأمتار بين كل جزء من أجزاء الصورة وفقا للعدسات التي أملك. حتى تخرج اللقطة بأفضل حال. لقد تطورت قدراتي بشكل جميل أشعر فيه بالرضى عن نفسي، والتجارب قادمة لتثبت ذلك بعون الله.

نعم أنا سعيدة. سعيدة بهذه المدينة على كل تعبي. ووحدتي. فأنا في القدس. قبلة الأرواح حقا. الكل يريدها. الكل يريد أن يحكمها بدافعه الديني. وأنا مؤمنة بحقي أيما إيمان. ومؤمنة بما أفعل، فأنا لي مكان في هذه الحياة يحتاج مني أن أسعى لأجله وها أنا ذا. في أعلى أكاديمية للفنون والتصميم في فلسطين المحتلة (إسرائيل) ” بتسلإيل – בצלאל “.

المصوّر صوّر صورة بالكاميرا. فضح نظاماً، وثق جريمة وأنقذ حياة من سيأتي

المصوّر صوّر صورة بالكاميرا. أسعد قلباً، أذكى روحاً وغيّر ذوقاً ما للأفضل.

سألت نفسي مراتٍ عديدة. لماذا أصبحت الصورة ثقافة ؟ وأصبح لها عالمها. فإن أردت شراء كاميرا احترافية عليك أن تفكر مليا من أين ستشتري الكاميرا؟ ومن أي نوع ؟ وأي طراز؟ وأي حزام ستشتري لها ؟ وأي عدسات؟ وأي نوع حقيبة ؟

هي عالم كامل بات اليوم متعة المترفين. وغيرهم. لكنها لم تكن في السابق تذكر. لماذا أصبح الكثير يريد أن يصور ؟ ويوثق ؟ أيعود ذلك إلى عامل نفسي مفاده أن الناس أصبحت حزينة تريد أن توثق ذكرياتها ؟ وتحتفظ بأكبر كم منها ؟ لتلجأ إليها لتشعر بالفرح.  لماذا نريد أن نتذكر كل شيء؟ وكل مناسبة وكل أحد صادفناه وكل مكان ذهبنا إليه وكل شجار وكل فرح وكل بحر وكل زهرة وكل كتاب وكل عزيز ؟ ولماذا نريد أن نتذكر ما كان ؟ ألا يكفينا الحاضر لنعيشه والمستقبل لنفكر فيه، ونفكر كيف يغدو غدنا أفضل، مليئا بلحظات أحلى مما فات. ولكن حقا هناك لحظات لا تتكرر. ومواقف لا تتكرر وصدف تدعى صدف يكمن جمالها بأن نتذكرها في خيالنا فقط.

والغريب في الأمر أننا ما عدنا نلتفت لوجود ألبوم صورٍ مادي نحتفظ به في أجمل درج من أدراجنا. أو بين أفضل كتب في مكتبتنا. اكتفينا بها ملفات افتراضية في حين أخرجنا صورة واحدة او اثنتين على ورق نعلقها تجميلا  لحائط المطبخ أو فوق السرير.

(الصورة لباب العامود، أحد أبواب البلدة القديمة في القدس)

ألا تبا لزمان لم نعد نستطيع الوصول فيه إلى أعماقنا إلا عبر شريحة صغيرة حشونا فيها أجمل لحظاتنا، وأغلقنا عليها الملف. الملف الإفتراضي. وصار بإمكاننا أن نحدد حجم الذاكرة. أتتسع لألف من الذكريات أم لمائة ؟ لكن الذاكرة بالطبع لا تتسع لنا، ومن فرط الغباء أن نظن ذلك. ففي الذاكرة المادية هناك صورة فحسب. نحن من يضخ فيها الروح ويعيد لها الحياة.

وهل حقا نحن من يتحكم بالتقنية والتطور ؟ أم أنها هي من أصبحت تتحكم بنا وتسيّرنا وفقا لما تؤول إليه من حال. أظن أن الأمر متشابك جدا، لا أستطيع الإختيار بين أحد العوامل ليكون هو السبب الوحيد المطلق. فالحقيقة أننا نطور التكنولوجيا فتسيرنا. وهذا ما نريد ! . والتكنولوجيا لم تكن موجودة في السابق، ولو أنها كانت لربما كانوا قد فعلوا مثل بني البشر اليوم.

حسنا صفاء. فلتتوقفي حتى هنا. ولتفكري فيكِ، وبماذا ستصورين، وكيف ستحسنين استخدام ما في يديك من سلاح. وكيف ستغيرين ما تظنين أنه خاطئ. لإنك حتما قادرة على فعل ذلك. وقادرة كالعظماء ممن استطاعوا أن يسخروا عدسة ثالثة في سبيل قضاياهم، وإنسانيتهم. وإسلامك جزء من إنسانيتك. فعليكِ أن تظهري للعالم أي حياة هي الإسلام، بأسلوبٍ ذكي يفرضه عليك هذا العصر. فلا قيمة للأشياء من غير هدف. أولستِ من أجل هذا تعيشين ؟ أوليس الله جعل لكِ أجلاً محدداً لا يزيد ولا ينقص من أجله؟ من أجل محبته ؟ وإيصال رسالته لكل من لم يعي بعد لماذا هو حيّ.

مدونة صفاء خطيب: http://www.safaa-kh.com/