يعيش محمود عباس، هذه الأيام، هوساً يُسمّى "الشرعية"؛ فشرعيَّتهُ هي شرعيَّة قَلِقَة؛ يخشى على ذهابها في حالِ نشوبِ انتفاضةِ فلسطينيَّةِ ثالثةِ؛ وفي ضوء الثورات العربيَّة، والتغيُّرات الإقليميَّة؛ وذلك بعد تنصيب عباس كمُنفِّذ للمشروعِ الصهيوني؛ حيث أصبح مشروعهُ مُلحقاً أمنياً بالعدو؛ أو كما قال مُراسِل "جريدة اللوموند الفرنسيَّة"، الصحافي بانجمين بارت، في كتابِهِ "حلم رام الله: رحلة في قلب السراب الفلسطيني": "عباس يُشبِه قائمقام أكثر منهُ رئيساً؛ وأنَّ السُلطة الحقيقيّة في الضفّةِ الغربيَّةِ، هي إدارة الاحتلال في مستوطنة بيت إيل، على مسافةٍ قريبةٍ من المقاطعةِ".
بدأ مرحلة "فُتِحَ المزاد"؛ وبيع البلاد؛ وتمّ التخلُّص من مناضلي فتح بقراراتٍ رئاسيَّةٍ؛ فأُحيلَ الكثير منهم للتقاعد بفرمانات، وأُفسِحَ المجال للمتردِّدين، وتباهي عباس أمام وسائل الإعلام بأنهُ لم يَحمِل مسدسًا طيلة حياته! وخرج عباس يُحقِّر المقاومة، ويُعلِن رفضَهُ لانتفاضة ثالثة، تحت ذريعة أن الشعب الفلسطيني عاني ويلات المقاومة!
وقد عَبَّر محمود عباس عن ذلك، حين قال في اجتماع، بتاريخ 22 يونيو/ حزيران 2005، مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق، أرييل شارون، إن: "كل رصاصة تُوجَّه ضد (إسرائيل)؛ هي رصاصة مُوجَّهة ضد الفلسطينيّين أيضًا".
وَصف محمود عباس خلال مقابلة مع قناةِ النيلِ الفضائيَّةِ المصريَّةِ، في 26/5/2010، الانتفاضة الثانية بأنها كانت "خطأ"، وعادت بنتائج مُدمِّرة على الشعبِ الفلسطيني؛ وقال عباس إن الرئيس الراحل ياسر عرفات "لم يكن يريد اندلاع الانتفاضة الثانية؛ لكنه لم يستطع إيقافها"؛ وأضاف: "موقفي منذ اندلاع الانتفاضة الثانية، هو أنهُ يجب وقفها؛ لأن النشاط العسكري يُدمِّرنا؛ وبالفعل فقد دمَّرتنا"!
واسترسلَ عباس في خروجِهِ عن الخط الوطني النضالي، في حديثِهِ للقناة الثانية الصهيونية، 2/11/2012، عندما قال أنهُ ما دام في السُلطة "فلن تكونَ هناك أبدًا انتفاضة مُسلَّحة ثالِثة" ضد (إسرائيل)؛ في تأكيد لسيطرتِهِ على الأمن في المناطِق التي يُديرها الفلسطينيّون بالضفَّة الغربيَّة؛ وأضافَ "لا نريد أن نَستخدِمَ الإرهاب؛ لا نريد أن نَستخدِمَ القوَّة؛ لا نريد أن نَستخدِمَ الأسلِحة؛ نريد أن نَستخدِمَ الدبلوماسيَّة؛ نريد أن نَستخدِمَ السياسة؛ نريد أن نَستخدِمَ المفاوضات؛ نريد أن نَستخدِمَ المقاومة السِلميَّة".
كما صرَّح عباس في حفلِ تسلُّمه جائزة البحر المتوسِّط للسلام، في 28/4/2013، بالكلمات: "نحن لا نُطالِب بأي شيء آخر بعيدًا عن الشرعيَّة الدوليَّة؛ وإنما ما هو محدَّد، ومرسوم في القراراتِ الأمميَّةِ، والاتفاقات الموقَّعة؛ قد يقول البعض لقد طال الزمن ولا أمل هناك للسلام؛ هذه الكلمات نحن لا نريدها في شعبِنا؛ لذلك حرصنا كل الحرص على إشاعةِ ثقافةِ السلامِ بين الناسِ؛ البعض يدعو إلى حربٍ، وانتفاضةٍ ثالثةٍ؛ ونحن نرفض هذا رفضًا كاملاً؛ إذا لم يكن الجار يريد سلامًا الآن، فنحنُ سننتظر لغد، وبعد غد؛ ولن نسمح بالعودةِ مرَّة أخرى إلى الحربِ، أو استعمالِ القوَّةِ"!
يحاولُ عباس دائماً، إيهام العالم بأنّهُ صاحب الشرعيَّة الفلسطينيَّة؛ بالرغمِ من تفتُّتِ شرعيَّتِهِ؛ واهترائها تحت بسطار (حذاء) العدو الصهيوني؛ فيقول: "لن يكون أي تمثيل فلسطيني؛ سوى الرئيس الشرعي للبلاد"؛ فيما يُصِر عباس دائماً أنه رئيسًا مُنتخبًا لكلِّ الفلسطينيّين!
وَهم من رجل فقدَ عقلهُ؛ لا أتخيَّلهُ جاء من نسيان؛ بل تناسِي مُتعمَّد؛ لتمرير مشروع سياسي؛ لا بأس من وِجهة نظر هذا العبّاس، إن مرَّ هذا المشروع على دم الأبرياء وأشلائهم، وصرخات الأرامل، ودموع الأيتام في فلسطين الجريحة.
لقد انتحلَ محمود عباس صِفَة رئيس سُلطة الحُكم الذاتي المحدود؛ فلم يَعُد يُمثِّل سوى نفسه بعد انتهاء ولايته القانونيَّة من جميعِ جوانِبِها؛ حيث أنُ قد مرَّت بِهِ السنوات القانونيَّة لولايتِهِ، التي بدأها في كانون الثاني من العام 2005. وأيضاً انتهاء ولايتِهِ للمجلس التشريعي منذ سنوات، بعد انتخابات كانون الثاني في العام 2006. والسؤال إذا كان الأمر كذلك؛ فمن يُمثِّل عباس؟! إنهُ لا يُمثِّل اليوم إلا نفسه؛ فشرعيته لا تنتهي فحسب عبر تجاوزها البعد القانوني والدستوري؛ وإنما على أرض الواقع أيضاً؛ كما أنهُ من المؤكَّد لا يُمثِّل نسبة 65% من اللاجئينَ الفلسطينيّينَ في الشتاتِ.
لذلك يحاول عباس أن يستخدم ما في يدِهِ من أوراق قديمة؛ وسُلطات منتهية الصلاحية؛ فهو يستخدم الالتزامات العربيَّة والإقليميَّة والدوليَّة - بأن منظَّمةَ التحرير المُمثِّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، في إطارِ الجامعةِ العربيَّةِ، أو منظمة التعاون الإسلامي - ضد الشعب الفلسطيني ليثبت شرعيَّته الواهِية.
لكن عباس أضحى خارج السياق، والأحرى أن نتعامل معهُ باعتبارِهِ خارج التاريخ؛ لأن متطلّبات التحرُّر الوطني تتجاوز ذلك الرجل؛ وهذا لا يعني أن نُعادي حركة التحرُّر الوطني الفلسطيني "فتح" من أجلِهِ؛ كونها جزءًا مُستلَباً من المشروعِ التحرُّري الفلسطيني.
المعركة أمست "على المكشوف"؛ على الملأ؛ يجب على أبناء الشعب الفلسطيني إسقاط شرعية هذا العبّاس المزعومة؛ والعمل على إيجادِ قيادة فلسطينيَّة حقيقيَّة مُنتَخَبَة، ومُمثِّلة للشعبِ الفلسطيني؛ من خلالِ عزل محمود عباس؛ واستبداله برئيس وطني حقيقي.
في نهاية المطاف؛ أقول لهُ: "عباس... شرعيَّتك حمرا"؛ والله من وراءِ القصد.