شبكة قدس الإخبارية

صفحات الدعاية الإسرائيلية والخوف من الأقصى

largeLSCbiKucQlRNgLEKS4Nv5zV8P6VDvVqVPkSzO9Zl
زياد ابحيص

مع كل موسم من مواسم العدوان على المسجد الأقصى، تنشط صفحات دعاية تحرص على تسويق فكرة "الهدوء في المسجد الأقصى"، وبأن ما ينشر عن الاقتحامات الصهيونية والطقوس التوراتية المحروسة بشرطة الاحتلال المدججة بالسلاح في الأقصى ليست إلا "تهويلاً لا يعكس الواقع".

في هذا الإطار نشطت منذ بداية عام 2025 صفحتان هما: صفحة "أخبار القدس" ولديها موقع إلكتروني ينشر أخباراً إضافة للصفحة، كما أن لديها حساب على منصة إكس تأسس بالتزامن مع حساب الفيسبوك لكنه غير مفعّل، والأخرى صفحة على الفيسبوك عنوانها "الأقصى بخير".

photo_2025-12-23_16-03-51photo_2025-12-23_16-03-49
 

تتّبع الصفحتان نفس المنهجية الإعلامية القائمة على التشكيك، دون تقديم رواية مقابلة، بحيث تصبح رواية الخطر على الأقصى محل شك يضع المتلقي في حيرة تمنعه من الوضوح الضروري للتحرك، مع إهمال الحقائق التي تؤسس للخطر وإغفال الحديث عنها قدر الممكن.

وتنشط الصفحتان في الحديث عن "الهدوء في الأقصى" بالتزامن مع مواسم العدوان الكبرى عليه، وكما في الصور المرفقة سنجد أنها كانت نشيطة في الدعاية خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر، بالتزامن مع موسم العدوان الطويل على المسجد الأقصى في رأس السنة العبرية ثم "الغفران العبري" و"عيد العرش" وصولاً إلى عيد "فرحة التوراة"، كما أنهما نشطتا في الأسبوع الثالث من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر بعد محاولة المستوطنين إدخال القربان الحيواني إلى المسجد الأقصى في 18-11-2025 ثم مع الدعوة إلى اقتحام في "عيد سِجِد" المختص بيهود الفلاشا بالتزامن مع رأس الشهر العبري في 20-11-2025، ثم عادتا للنشاط بالتزامن مع "عيد الأنوار العبري" الذي بدأ منتصف الشهر الحالي وانتهى أمس الإثنين 22-12-2025، ما يشي بأنهما امتداد مباشر للدعاية الصهيونية التي تسعى دائماً إلى تمرير العدوان على المسجد الأقصى دون رد، وإلى تخدير الوعي العربي والإسلامي وبالذات في القدس وفي الداخل المحتل عام 1948.

وبالتحليل التقني لا يحتاج المرء إلى كثير جهد ليدرك ارتباط الصفحتين، وتبعيتهما لإدارة واحدة، فصفحة "أخبار القدس" استُحدثت في 27-1-2025 ويديرها مدير واحد موقعه في "إسرائيل" مع حجب المعلومات عنه، وهي توظف الإعلانات الممولة بشكلٍ متكرر وبالذات خلال فترات الأعياد اليهودية وما يرافقها من عدوان على الأقصى، أما صفحة "الأقصى بخير" فقد تأسست باسم "الأقصى عشقي" في 26-7-2022 أي قبل عشرة أيامٍ فقط من عدوان "ذكرى خراب الهيكل" الذي كان حينها في يوم 7-8-2022 وشهد أكبر اقتحام في تاريخ الأقصى حتى تاريخه، وقد عدلت اسمها إلى "الأقصى بخير" في 26-1-2025، أي في اليوم السابق لتأسيس الصفحة الأولى مباشرة، ويديرها شخصان في "إسرائيل" مع إخفاء المعلومات عنهما، وتنشر الصفحة أيضاً إعلانات ممولة في نفس أوقات الصفحة الأولى، في تناظر في آليات العمل والتواريخ تؤشر بوضوح لتبعيتهما لنفس القسم الإداري الذي يتولى متابعة الدعاية الصهيونية في القدس.

على مستوى تحليل المحتوى تركز صفحة "أخبار القدس" على فكرة "استمرار الصلوات" في الأقصى، وأنها بقيت مستمرة رغم الاقتحامات في "عيد الحانوكاه" العبري، وبعد محاولة إدخال القربان في شهر 11-2025، وأنها مستمرة رغم الحفريات. باختصار هي تحاول القول: بما أن الأقصى مكان صلاة، وصلاتكم مستمرة فصلّوا واصمتوا وانصرفوا، ولا شأن لكم بغير ذلك. 

هو المنطق ذاته الذي تبنته صفقة القرن حين تحدثت عن "المصلين الهادئين" مقابل "مثيري الشغب"، وهو المنطق ذاته الذي ناقشته الاجتماعات الأمنية والسياسية السابقة لرمضان في 2021-2022-2023. المنهجية الصهيونية العامة في هذا المجال هي تحييد الحديث عن الاقتحامات والعدوان تماماً، والتركيز على انتظام صلاة المسلمين بهدوء باعتباره "الدور الوظيفي" للمسجد، ونزع الشرعية عن أي حديث عن العدوان الصهيوني باعتباره "تهويلاً" أو "تحريضاً" بدليل: أن الصلاة ما تزال قائمة!

يتفق هذا المنطق تماماً مع فكرة تقسيم الأقصى كمنهجية انتقالية، ففَرضُ الهوية اليهودية في الأقصى لا يخص المسلمين ما دامت صلاتهم في الأقصى مسموحاً بها، وما يحصل للأقصى ليس شأنهم لأنهم لا يملكونه، ما يعنيهم هو مجرد حضورهم فيه كأحد الأطراف.

على أي حال، فإن الخط التحريري لصفحة أخبار القدس مفضوح وواضح، ويكفي النظر للتحذيرات التي تنشرها للمتلقين كرسالة من شرطة الاحتلال على هيئة أخبار لإدراك هويتها وهوية القائمين عليها.

الصفحة الثانية "الأقصى بخير" تتبنى خطاً تحريرياً أكثر دهاءً، فهي تنقل كلمات ومحاضرات دعوية منتقاة بعناية، لتبدو وكأنها جزء من الصف الإسلامي، واستجابت لفضح الشيخ كمال الخطيب لها بصيغة "شيخنا الفاضل" وكأنها تتعامل مع النقد من داخل الصف الإسلامي، لكن تحليلاً بسيطاً لمحتوى منشوراتها لا يلبث أن يفضحها كإحدى أذرع الدعاية الصهيونية، فهي حين تتحدث عن البركة فهي تركز على "السكينة والالتقاء" كأحد معاني البركة، وهي تقصد الالتقاء بين "الرسالات السماوية" بما يكرس فكرة تقسيمه واشتراك اليهود والمسلمين فيه.

في شرحها لمعنى اسم الصفحة ورسالتها –بالتزامن مع اقتحامات عيد العرش العبري- فهي تؤكد على أن الأقصى "مكان يجمع الناس على السكينة والاحترام" لا أنه "يجمع المؤمنين" أو "المسلمين"، ثم تصف من يأتون إليه بـ "الزائرين" وليس "المصلين" وهو المصطلح المعتمد لدى الحكومة الصهيونية لنفي الحصرية الإسلامية عن الأقصى وتأكيد تساوي اليهود والمسلمين فيه باعتبارهم مجرد "زائرين"، كما أنها تتبنى في الهاشتاج مصطلح "عرب الداخل" وليس "فلسطينيي الداخل" بما يؤكد الخط الصهيوني الذي يرفض الاعتراف بالفلسطينيين كشعب. بالمقابل تتجنب الصفحة الحديث عن أي اقتحامٍ للأقصى أو حضور يهودي فيه أو لما تفرضه شرطة الاحتلال عليه من حصار أو لدورياتها المدججة بالسلاح التي تنتشر فيه حتى أثناء الصلاة.

photo_٢٠٢٥-١٢-٢٣_١٥-٥٤-٠٦
 

في الختام يجب أن لا يفوتنا الاستنتاج الأهم: فهاتان الصفحتان الصهيونيتان تشِيان بوضوح بهاجس الجهاز الأمني الذي يديرهما، وهو إمكانية أن يعود المسجد الأقصى عنواناً لاستنهاض الهمم واستعاد الحياة العامة، أن يعود عنواناً لتفجير الفعل الجماهيري ولاجتراح أدوات جديدة للمقاومة دفاعاً عنه كما كان في 11 محطة تاريخية سابقة حتى الآن، ولذلك أسستهما بالتزامن مع الهدنة الطويلة مطلع عام 2025 وقُبيل رمضان، ليعملا ضمن أدوات استراتيجيتها القائمة على تثبيط مكانة الأقصى كمُفجّر للفعل، وتهميش قضيته والتشكيك في الخطر القائم عليه.

هذا الخوف الصهيوني الجلي يجب أن يشكل حافزاً إضافياً للتمسك أكثر بالمسجد الأقصى عنواناً مركزياً، ولمتابعة كل ما يجري فيه، وإيصاله إلى كل حي وشارع وزقاق، حتى يعود إلى دوره كبوابة للمفاجآت التي تستعصي على الفهم الأمني الصهيوني، المفاجآت التي تفتح آفاق التغيير، وتدفع عن الأقصى مصير التقسيم والتصفية.