شبكة قدس الإخبارية

على طريق محاربة مخصصات الأسرى.. السلطة تقطع رواتب الجرحى

photo_2025-12-06_14-05-21
هيئة التحرير

رام الله - خاص قدس الإخبارية: يعيش أكثر من 12 ألف جريح فلسطيني من المصنّفين ضمن فئة "جرحى الانتفاضة" حالة من العوز والحرمان بعد قطع رواتبهم من قبل السلطة الفلسطينية، في أعقاب خضوع الأخيرة ــ بحسب الجرحى ــ للإملاءات الأوروبية والأمريكية التي اشترطت وقف مخصّصات الأسرى والشهداء والجرحى. وجاء ذلك عقب نقل ملفاتهم من مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى التابعة لمنظمة التحرير إلى المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي.

ويتولى رئاسة مجلس إدارة مؤسسة "تمكين"، أمين عام جبهة النضال الشعبي أحمد مجدلاني، بموجب قرار أصدره الرئيس محمود عباس، والذي أصدر في سياق آخر قرارًا في العاشر من فبراير/شباط الماضي، يقضي بنقل صلاحيات صرف رواتب أسر الشهداء والأسرى إلى هذه المؤسسة تحت عنوان "إصلاح النظام المالي" ضمن خطة "إصلاح السلطة" التي ضغطت باتجاهها جهات خارجية، أبرزها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وبدعم إسرائيلي كامل.

ويرى المتحدث باسم جرحى الانتفاضة مراد شمروخ، في حديثه إلى شبكة قدس الإخبارية، أن نقل ملفّ الجرحى من مظلة منظمة التحرير، التي اعتبرت هؤلاء الجرحى "حالة وطنية نضالية"، إلى مؤسسة تُعنى في الأساس بالفئات الفقيرة والمهمّشة، يُفرغ قضيتهم من مضمونها الكفاحي. فوفق شمروخ، يمثّل التعامل معهم كـ"حالة اجتماعية" فقط تنكرًا واضحًا لحقوقهم وتهديدًا لمكانتهم الوطنية التي اكتسبوها جرّاء إصاباتهم خلال المواجهات مع الاحتلال.

ووفق معايير مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى، فإن الجريح الفلسطيني "هو كل من أصيب إصابة مباشرة نتيجة اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي أو مواجهاته، وأدت إصابته إلى عجز جزئي أو كلي، أو إلى حاجة دائمة للرعاية الطبية أو الاجتماعية". ويُعترف به رسمياً ضمن سجلات المؤسسة باعتباره من الفئة التي ضحّت في سبيل الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني. لكن هذه المعايير ألغيت بقرار من الرئيس.

وكانت السلطة الفلسطينية سابقًا ترفض الإملاءات الأوروبية والأمريكية فيما يخصّ مخصّصات الأسرى والجرحى والشهداء، وقد صرّح الرئيس محمود عباس في يوليو/تموز 2018 برفض المساس برواتب الأسرى والشهداء، قائلًا: "لن نسمح بخصم أو منع الرواتب عن الشهداء والأسرى كما يحاول البعض، ولو بقي لدينا قرش واحد سنصرفه على الشهداء والأسرى وعائلاتهم".

ويؤكّد مراد شمروخ، أنّ قطع رواتب الجرحى جاء نتيجة ضغوط أوروبية على السلطة الفلسطينية، إلا أنّ ما توصّل إليه الجرحى لاحقًا يُشير - وفق قوله - إلى أنّ الأوروبيين لم يطلبوا صراحة وقف رواتبهم، "بل كان ذلك اجتهادًا من السلطة التي قرّرت شملنا مع الأسرى وذوي الشهداء في إجراءات القطع". ويضيف أنّ نقل ملفات الجرحى من مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى إلى مؤسسة "تمكين" ترافق مع إجبارهم على تعبئة استمارة طويلة قبل صرف الرواتب التي كانوا يتلقونها منذ سنوات.

ويوضح شمروخ أنّ الاستمارة التي عُرضت عليهم تتكوّن من 14 صفحة، وتتضمن - بحسب وصفه - "أسئلة مهينة لا تليق بمناضلين قدّموا تضحياتهم"، منها: هل يوجد في بيتك ثلّاجة؟ هل لديك غسّالة؟ هل يوجد مرحاض في المنزل؟ كم مرة تتناول اللحم أو الدجاج أسبوعيًا؟ وكل متى يشتري الجريح حذاء؟ ويؤكد أنّ هذه الأسئلة "لا تمتّ بصلة للحالة النضالية"، وتهدف إلى تصنيف الجرحى كفئة اجتماعية مهمّشة لا كجزء من مسار وطني مقاوم.

وبحسب شمروخ، فقد أصبحت مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى تعمل اليوم كما لو كانت ملحقة بمؤسسة "تمكين"، بعدما جُرّدت من دورها السابق في رعاية الجرحى، "وكأنّ موظفيها باتوا جزءًا من منظومة أحمد مجدلاني"، على حدّ تعبيره. ويشير إلى أنّ الراتب الذي كانوا يتلقونه (بمتوسط 1900 شيكل فقط) يُعدّ الحد الأدنى في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، بينما تسألهم الاستمارة عن تفاصيل دقيقة "بحجّة تقييم حاجتنا للراتب".

ويضيف أنّ الجرحى كانوا يتلقون رواتبهم عبر بنك فلسطين، ثم عبر البريد الفلسطيني، قبل أن تُقطع دفعاتهم بالكامل في الشهرين الماضيين والشهر الحالي. كما ترفض البنوك اليوم فتح حسابات للجرحى بحجة أنهم "يشكلون خطرًا أمنيًا"، على حدّ قوله

ويرى شمروخ أنّ الجرحى يُعاملون اليوم "كحالة اجتماعية"، في حين أن السلطة الفلسطينية "التي وصلت إلى مواقعها بسبب دماء الجرحى وتضحياتهم"، تتجاهل مطالبهم، قائلاً: "نقف اليوم أمام مقرّ الرئاسة، ولا يخرج الرئيس للنظر إلى قضيتنا". ويضيف أنه أبلغ أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح بأنّه لو كان وقف رواتب الجرحى سيحقق إنجازًا وطنيًا، مثل إزالة جدار أو استعادة منطقة في الضفة أو السماح للفلسطينيين بدخول القدس، "لما اعترضنا"، لكنّ قطعها دون ثمن، فيما تستمر اعتداءات الاحتلال يوميًا، "يمثّل إهانة وتجاهلًا للقضية".

ويشير إلى أنّ الجرحى تواصلوا قبل أسبوع مع أحمد مجدلاني، لكنهم لمسوا "تجاهلًا وتهميشًا"، إذ لا أحد ــ بحسبه ــ يستطيع الوقوف أمام الرئيس لطرح الملف. ويذكر أنهم نظموا وقفات أمام مجلس الوزراء ومقرّ الرئاسة، "لكن لم يخرج أحد لاستقبالنا"، عدا موظف يتسلّم المطالب، في ما يعتبره شمروخ "تهرّبًا واضحًا". ويحذّر من أنّ هذا السلوك "يدفع الفلسطيني إلى فقدان الشعور بالانتماء"، ويجعله يشعر بأنه "مضطهد في وطنه".

ويتابع أنّ القرارات الأخيرة المتعلقة برواتب الأسرى والشهداء والجرحى من شأنها التأثير على استعداد الفلسطيني للتضحية، إذ سيضطر ــ وفق تعبيره ــ إلى التفكير مرارًا قبل أن يقدّم حياته، لأنه يعلم أنّ "لا أحد سيعيل عائلته بعده"، مؤكّدًا أنّ الفلسطيني "يشعر اليوم كأنه في بلد غير بلده".

ويخلص شمروخ إلى أنّ ما يجري يمثّل ضياعًا لـ"بوصلة الحالة الوطنية"، وأن القيادة تتعامل مع الجرحى "كعبيد وليس كحالة نضالية قدّمت دماءها دفاعًا عن الوطن"، مشيرًا إلى خضوع السلطة للشروط الأوروبية التي تمنع توظيف الجرحى والأسرى المحررين في الوظيفة العمومية، ما يعمّق سياسة الإقصاء والتهميش بحقّهم.

أمّا الجريح سامح القط من جنين، فيروي جانبًا آخر من معاناة الجرحى بعد قطع رواتبهم، قائلاً إنهم كانوا في السابق يحصلون على مبلغ بالكاد يغطي الحدّ الأدنى من احتياجاتهم اليومية، "أما اليوم فأصبحنا نطلب حاجتنا من الناس لأننا بلا راتب منذ ثلاثة أشهر متتالية".

ويشرح القط في حديث مع شبكة قدس أنّه أُصيب عام 2022 بخمس إصابات خطيرة أدّت إلى بتر يده، إضافة إلى عجز بنسبة 64% في جسده، وإصابات موزّعة في أنحاء جسمه. كما يتلقى علاجًا نفسيًا منذ عام 2011، عقب اعتقاله لمدة عام ونصف في سجون الاحتلال. ويضيف أنّه يعيل خمسة أطفال، بينهم طفلان في مرحلة الحضانة، وكان يتلقى راتبًا يبلغ 1950 شيكلًا، "واليوم لا نتلقى شيكلًا واحدًا، ولا يقدّمون أي توضيح".

ويشير إلى أنه كلما راجع الجهات المختصة يكون الجواب: "انتظر مثل بقية الناس"، من دون تقديم حلول أو بدائل. ويؤكد أنّهم ناشدوا كل الجهات الرسمية ذات العلاقة، "لكن لم يستجب لنا أحد، ولا يزال الغموض والضيق يحيطان بحياتنا اليومية".

#رواتب #الجرحى