خاص قدس الإخبارية: نشرت صحيفة "هآرتس" تحقيقًا موسعًا يكشف جانبًا خفيًا من تبعات الحرب على غزة داخل صفوف جيش الاحتلال، من خلال قصة انتحار ضابط رفيع في سلاح جو الاحتلال الإسرائيلي، كان من أبرز مشغّلي الطائرات المسيّرة، والذي لم يُعلن اسمه حتى اليوم.
بحسب التحقيق، جرت جنازته في مقبرة عسكرية وسط فلسطين المحتلة بمشاركة عشرات الضباط، بينهم كبار في سلاح الجو، من دون بثّ أو تصوير. وفق أحد زملائه، فلإن الضابط لم يكن مسؤولًا عن تنفيذ الغارات مباشرة، بل عن عمليات الإقلاع والهبوط، لكنه كان يرى كل شيء، ويعرف نتائج كل غارة.
وتشير الصحيفة إلى أن الضابط كان يخضع لعلاج نفسي قبل انتحاره، لكن قيادة سلاح الجو أبقته في موقعه «لأنه الأفضل، ولا يمكن الاستغناء عنه في زمن حرب متعددة الجبهات».
أحد مشغّلي الطائرات المسيّرة الذين تحدثوا لـ"هآرتس" روى أنه نفّذ أوامر بإطلاق النار على هدفين اقتربا من قوات الاحتلال الإسرائيلية جنوب غزة، ليتبين لاحقًا أنهما طفلان، وقد عانى بعدها من "تأنيب الضمير". فيما قال مشغّل آخر إنه بعد مئات أيام الخدمة الاحتياطية خرج «إنسانًا مختلفًا»، موضحًا أنه تجنّب متابعة الأخبار أو صور غزة أثناء الحرب حتى لا يتأثر تركيزه.
صحيفة هآرتس، التي تُقدَّم عادة بوصفها منبرًا نقديًا ضد سياسات الإبادة والاحتلال، تمارس في تحقيقها هذا نوعًا من تبييض الجرائم عبر التمركز حول "ألم الجلاد" بدلًا من "ألم الضحية". فهي تسرد بكثير من التفاصيل ما اعتبرته معاناة مشغّلي الطائرات المسيّرة الذين قتلوا مئات المدنيين الفلسطينيين، وتُقدّم انتحار بعضهم أو إصابتهم النفسية كـ"دليل على إنسانيتهم".
بهذا المعنى، تتحول "الصحوة الأخلاقية" التي تتحدث عنها هآرتس إلى سردية تبريرية: فبدل مساءلة البنية السياسية والعسكرية التي تقود هذه الجرائم، تركز الصحيفة على "معاناة الجندي" بوصفها مأساة فردية ناتجة عن الحرب، لا عن خيار منهجي للإبادة. والنتيجة أن الخطاب الليبرالي الإسرائيلي يُعيد إنتاج منطق الدفاع عن الذات، حتى حين يبدو إنسانيًا.
بهذا، يمكن القول إن هآرتس لا ترفض الإبادة، بل تحاول تجميلها عبر منح القتلة وجهاً إنسانياً، وكأن الشعور بالذنب يغسل الدم عن أيديهم. هذه الاستراتيجية الخطابية — التي تتكرر في كثير من الكتابات الإسرائيلية — تهدف إلى حماية الضمير الجمعي الإسرائيلي من المساءلة، لا إلى إنصاف الضحايا الفلسطينيين.



