شبكة قدس الإخبارية

الحملة الممنهجة ضد "محامون من أجل العدالة": عملية تحريض تستهدف الأصوات الحقوقية 

photo_2025-10-21_11-32-01

متابعة قدس: تشنّ حسابات وشخصيات رسمية وأخرى محسوبة على السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية حملة منسقة ضد مجموعة "محامون من أجل العدالة" ومديرها المحامي مهند كراجة، الذي نُسبت إليه منشورات مفبركة على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم أن منصات التحقق المحلية أثبتت زيفها بشكل قاطع. ومع ذلك، تواصلت الحملة ضده بوتيرة متصاعدة، إذ يصرّ القائمون عليها على أن المنشورات حقيقية، في تجاهل واضح لكل الأدلة التقنية والمهنية التي دحضتها.

بدأت الحملة عقب تداول منشور مزعوم نُسب إلى كراجة، جاء فيه: "نطالب الأجهزة الأمنية في قطاع غزة بمنع تصوير عمليات تنفيذ أحكام الإعدام الميداني، حتى لا تُستغل هذه المقاطع ضدها على المستوى الدولي". وفور انتشار النص على نطاق واسع، أصدرت مجموعة محامون من أجل العدالة بيانًا أدانت فيه ما وصفته بتداول منشورات مفبركة ومضللة من قبل صفحات مشبوهة، مؤكدة أن الهدف من وراء ذلك هو التحريض والتشويه والإساءة إلى سمعتها ومديرها. وأوضحت المجموعة أنها ستتقدم بشكاوى رسمية إلى الجهات المختصة لملاحقة المتورطين في هذه الأفعال التي تهدف إلى النيل من عملها الحقوقي ودورها في الدفاع عن الحريات العامة.

في المقابل، أجرى المرصد الفلسطيني "تحقّق" تحقيقًا تقنيًا موسعًا في المنشور المتداول، فراجع حساب المحامي مهند كراجة على فيسبوك منذ اللحظات الأولى لانتشار الادعاء ولم يجد أي أثر له، كما استخدم أدوات رقمية متخصصة في كشف الصور المزيفة، أبرزها برنامج Fake Image Detector، الذي أظهر بوضوح أن الصورة المزعومة خضعت لتلاعب رقمي باستخدام الذكاء الاصطناعي. وخلص المرصد إلى مجموعة من المؤشرات التي عززت فرضية التزوير، من بينها ضعف جودة الصورة، وعدم تطابق الخط المستخدم مع واجهة فيسبوك الأصلية، وغياب أي لقطات شاشة أخرى تدعم وجود المنشور المزعوم.

فريقا التحقق “تيقن” و”كاشف” عملا بشكل مشترك على فحص حقيقة المنشورين اللذين جرى تداولهما، وتوصلا إلى أنهما غير حقيقيين وتعرضا للتلاعب الرقمي. وأوضح الفريقان أن المنشورين لم يُنشرا مطلقًا على صفحة مجموعة “محامون من أجل العدالة” أو على حساب المحامي كراجة الشخصي، وأن الصور التي يجري تداولها مزيفة. وأظهر الفحص الفني وجود خلل واضح في زاوية توقيت النشر، إذ يكون التوقيت في المنشورات الحقيقية على فيسبوك عند بداية الاسم إذا كان بالعربية، وعند نهايته إذا كان بالإنجليزية، بينما في الصورة المفبركة يظهر التوقيت بعيدًا عن الاسم، وهو تفصيل بصري دقيق يدل على أن التصميم غير أصلي. كما أوضح الفريقان أن التوقيت في الحسابات الموثقة يظهر عادة أسفل الشارة الزرقاء، وهو ما لم يتوفر في المنشورين المزيفين.

وفي ما يتعلق بالادعاء بأن أدوات الذكاء الاصطناعي أكدت أن لقطات الشاشة أصلية ولم تُعدّل، أوضح “تيقن” و”كاشف” أن هذا الادعاء مضلل، فبرامج التحقق بالذكاء الاصطناعي ليست قاطعة بنسبة 100%، ومن السهل جدًا تعديل أي منشور على فيسبوك باستخدام أدوات بسيطة دون أن يظهر ذلك للمستخدمين أو لتلك البرامج. كما شددت مجموعة “محامون من أجل العدالة” على نفيها القاطع للمنشورين، مؤكدة أنهما مفبركان بالكامل وموجهان للإساءة إليها ضمن حملة تشويه ممنهجة. وتواصل الفريقان مع المحامي مهند كراجة الذي علّق على الحملة قائلًا: “نحن في مجموعة محامون من أجل العدالة التي أمثلها نؤمن بسلطة القانون التي تعلو أي سلطة أخرى، وندعو باستمرار إلى احترام القانون الأساسي الفلسطيني والقانون الدولي لحقوق الإنسان حفاظًا على السلم الأهلي والنسيج المجتمعي”

ورغم كل هذه التأكيدات التقنية والمهنية التي أصدرتها منصات التحقق، استمرت الحملة ضد المحامي مهند كراجة بوتيرة عالية، وشاركت فيها شخصيات رسمية وناشطون محسوبون على السلطة الفلسطينية. وصرّح الناطق باسم قوى الأمن الفلسطيني أنور رجب في مقابلة مع تلفزيون فلسطين أن "هناك تغريدة لمحامٍ يدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان يبرر لحماس إعداماتها"، في إشارة إلى كراجة، مستندًا إلى المنشور المفبرك نفسه الذي أثبتت التحقيقات أنه غير موجود أصلًا. كما واصل بعض النشطاء نشر الاتهامات ذاتها، زاعمين أن كراجة "حذف المنشور بعد الضجة"، رغم غياب أي دليل رقمي يدعم هذا الادعاء.

ما يجري، في مجمله، لا يبدو مجرد تفاعل عفوي أو سوء فهم رقمي، بل هو أقرب إلى حملة منظمة وممنهجة تهدف إلى تشويه صورة "محامون من أجل العدالة" وتقويض مصداقية مديرها والعاملين فيها. فالفبركة الرقمية، وتكرار الاتهامات رغم نفيها، وتزامن تصريحات بعض المسؤولين مع نشاط صفحات بعينها، كلها مؤشرات على عملية تحريض ممنهجة تستهدف الأصوات الحقوقية المستقلة، وتسعى لإخضاع المجتمع المدني الفلسطيني للرقابة والضغط. هذه الحملة ليست حدثًا معزولًا، بل حلقة في سياق أوسع من محاولات تكميم الأصوات الناقدة وتقييد حرية العمل الحقوقي في الضفة الغربية، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى مؤسسات تدافع بجرأة عن العدالة وحقوق الإنسان في وجه الانتهاكات المستمرة.