شبكة قدس الإخبارية

تحقيق عبري: خريطة الاحتلال لمناطق الإخلاء جنوب غزة مضللة وتشمل مناطق خطرة

تحقيق عبري: خريطة الاحتلال لمناطق الإخلاء جنوب غزة مضللة وتشمل مناطق خطرة

ترجمة خاصة - قدس الإخبارية: نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية تحقيقًا كشفت فيه زيف الادعاءات التي أطلقها المتحدث باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، حول توفر "مناطق آمنة" في جنوب قطاع غزة لإجلاء فلسطينيي مدينة غزة إليها، وبيّنت أن عدداً من المناطق التي حدّدها الجيش على أنها مخصصة للإخلاء تُصنّف في خرائط الاحتلال نفسه كمناطق خطرة ومحظورة على المدنيين.

وقال أدرعي، في بيان نشره أمس الأربعاء عبر منصة "إكس"، إن إخلاء مدينة غزة "أمر لا مفر منه"، داعيًا الفلسطينيين إلى التوجه جنوبًا قبل بدء العملية العسكرية للسيطرة على المدينة، مشيرًا إلى وجود 19 منطقة "آمنة" في وسط القطاع وفي منطقة المواصي. إلا أن التحقيق الذي استند إلى تحليلات خبيرَي الخرائط البروفيسور يعقوب جارِب من جامعة بن غوريون، وعادي بن نون من الجامعة العبرية، كشف أن 6 من أصل 19 منطقة تقع كليًا أو جزئيًا داخل مناطق حمراء خطرة حددها جيش الاحتلال نفسه كمحظورة على تواجد المدنيين بسبب نشاطاته العسكرية فيها.

التحقيق أشار إلى أن خريطة أدرعي تتناقض مع خريطة أخرى نشرها جيش الاحتلال على موقعه الرسمي باللغة العربية، حيث تُصنّف هذه المناطق باللون الأحمر على أنها غير صالحة للإقامة أو العبور، وهو ما يُبقي الفلسطينيين في غزة أمام ضبابية كبيرة، خاصة أنه لم يصدر أي تحديث رسمي يغيّر حالة تلك المناطق أو يرفع عنها صفة "الخطر".

كما أظهر التحليل أن المساحات المخصصة للإخلاء صغيرة جدًا مقارنة بعدد الفلسطينيين المطلوب منهم الإخلاء، إذ لا تتجاوز المساحة الكلية لهذه المناطق 7 كيلومترات مربعة فقط، وهي لا تكفي حتى من حيث المساحة النظرية. فضلاً عن أن بعض هذه المناطق تغطيها كثبان رملية أو طرقات أو مناطق عرضة للغمر بمياه الأمطار، مما يجعلها غير صالحة لإقامة الخيام أو العيش الآدمي.

وقال رئيس بلدية دير البلح نزار عياش إن المدينة غير قادرة على استيعاب أي خيام جديدة، مؤكدًا أن الوضع في المحافظة الوسطى بأكملها يُنذر بكارثة إنسانية.

وحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن قرابة مليون فلسطيني يعيشون في مدينة غزة ومحيطها، وهو ما يعني، وفق الحسابات، أن كل شخص سيكون لديه أقل من 7 أمتار مربعة فقط في مناطق الإخلاء المزعومة، تشمل المأوى والخدمات والبنية التحتية، في حال تنفيذ خطة الاحتلال. وإذا تم تطبيق هذه الخطة، فستُحشر غالبية سكان القطاع داخل 19% فقط من مساحة غزة.

وأظهرت صور أقمار صناعية حصلت عليها الصحيفة أن العديد من المناطق التي أشار إليها أدرعي كمناطق فارغة، تحتوي بالفعل على خيام مكتظة بالنازحين، بينما مناطق أخرى هي كثبان رملية غير صالحة للسكن، أو حتى طرقات وأراضٍ منخفضة تغمرها المياه شتاءً.

ورغم هذه المعطيات، لم تتضمن تصريحات أدرعي أي إشارة إلى هذه الحقائق، بل زعم أن "كل عائلة تنتقل إلى الجنوب ستحصل على الحد الأقصى من المساعدة المدنية التي نعمل على توفيرها"، مضيفًا أن "الجيش بدأ فعليًا بإنشاء مناطق لتوزيع المساعدات الإنسانية ومد أنابيب مياه ونصب الخيام".

لكن شهادات من داخل غزة تنسف هذه الرواية، إذ أفادت العائلات أن تكاليف الانتقال جنوبًا مرتفعة جدًا، حيث تصل تكلفة الإخلاء إلى 2000–3500 شيقل للعائلة الواحدة فقط للتنقل، بينما تبلغ تكلفة الخيمة الأساسية 4500–5000 شيقل، هذا فضلًا عن تكلفة الحمامات المتنقلة والمستلزمات الأخرى، وهو ما يجعل كلفة النزوح الكامل نحو 12,500 شيقل للعائلة، وهو مبلغ لا تستطيع أي عائلة تحمله في الظروف الحالية. 

وأكّد منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، رمزي الأكبروف، خلال إحاطة أمام مجلس الأمن، أن توسيع العملية العسكرية في غزة سيؤدي إلى "نتائج كارثية"، وأن "سكان غزة، الذين يكافحون أصلًا من أجل البقاء، يواجهون الآن أسوأ كوابيسهم".

في سياق متصل، أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن ما يروّجه جيش الاحتلال حول وجود "مساحات شاسعة فارغة" في جنوب قطاع غزة، صالح لانتقال الفلسطينيين من مدينة غزة إليها، هو ادعاء باطل يتناقض بشكل صارخ مع الحقائق الميدانية، ويشكّل محاولة تضليل للرأي العام.

وأوضح المكتب أن محافظات الجنوب والوسطى في قطاع غزة مكتظة بالكامل بأكثر من مليون وربع المليون فلسطيني جرى تهجيرهم قسرًا من مناطقهم بفعل القصف المستمر، مشيرًا إلى أن الأراضي التي أشار إليها الاحتلال، سواء في منطقة المواصي أو في "مخيمات الوسطى"، هي أراضٍ محدودة المساحة وغير مجهزة من حيث البنية التحتية أو الخدمات، ولا يمكن بأي حال من الأحوال استيعاب هذا الكم الهائل من البشر.

وشدّد المكتب على أن الخريطة التي نشرها الاحتلال لتبرير مخطط الإخلاء الجماعي، هي خريطة مضللة تتجاهل الواقع الكارثي الذي تعيشه هذه المناطق من اكتظاظ شديد، وانعدام أبسط مقومات الحياة، من مياه وغذاء وصرف صحي، وصولًا إلى تفشي الأمراض والجوع.

وأضاف أن أي محاولة لفرض تهجير قسري جديد على الفلسطينيين من مدينة غزة أو شمال القطاع، تعني المزيد من المأساة والمعاناة الإنسانية، وتشكّل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي، تستوجب المحاسبة والمساءلة.

وفي ختام بيانه، وجّه المكتب التحية إلى صمود الفلسطينيين في محافظتي غزة والشمال، الذين يواجهون الحصار والقصف برباطة جأش، ويتمسكون بحقهم في البقاء على أرضهم، رغم محاولات الاقتلاع والإبادة المستمرة التي يمارسها الاحتلال.