شبكة قدس الإخبارية

متى يكون للعرب مشروعهم؟

6202418221759509129602
طلال عوكل

إذا كان البعض يصمّ آذانه، ويغلق عقله، أو يستمر في التطنيش، إزاء المشروع الصهيوني، الذي يتسع ليشمل سبع دول عربية، ابتداءً، فإن بنيامين نتنياهو آثر عدم المراوغة، ووضع الجميع أمام المصير المنتظر.

موضوع «من الفرات إلى النيل أرضك يا إسرائيل»، الذي يزيّن العلم، والنشيد، لم يعد مسألة تحليلية أو خاضعة للشكّ، بعد أن أعلن نتنياهو أنه مكلّف تاريخياً، وروحياً، بإنجاز هدف «إسرائيل الكبرى».

البداية من أرض فلسطين التاريخية، فما يجري في غزّة ويستهدف احتلالها، وليس فقط السيطرة عليها، كما يدّعون، يتزامن تماماً مع ما يجري على قدمٍ وساق في الضفة بعد أن تمّ إعلان السيادة على القدس.

تصريحات نتنياهو تزامنت، أيضاً، مع تصريحات بتسلئيل سموتريتش الذي أعلن أن الوقت قد حان لإعلان السيادة على الضفة الغربية ووأد «حل الدولتين»، عَبر توسيع وتسمين الاستيطان، وتنفيذ مخطّط «إي 1»، لفصل جنوب الضفة عن وسطها وشمالها، وفصل القدس عن كل مدن وقرى الضفة.

لم يصدّق العرب، أو أنهم لم يرغبوا في تصديق نتنياهو حين أعلن من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول 2023، أي قبل «طوفان الأقصى»، خارطة للدولة اليهودية التي تشمل كل أرض فلسطين التاريخية.

ولم يصدّق العرب إلى أن أعلن نتنياهو بوقاحة عن مخطّط «إسرائيل الكبرى»، أن ما يجري على أرض فلسطين هو المقدمة، والمرحلة الأولى من مخطّط أوسع يستهدف أرضهم وسيادتهم وثرواتهم.

ولم يصدّق العرب، والمسلمون، أيضاً، أن الشعب الفلسطيني الذي يقاوم هذه المخطّطات على الأرض الفلسطينية، إنّما يدافع عن المصالح العربية، وأن اليوم سيأتي حين سيقول البعض: أُكِلتُ يومَ أُكِلَ الثور الأبيض.

يصدّق العرب، أو أنهم يخدعون أنفسهم حين يعتقدون أن بإمكانهم إبعاد الخطر عن أنظمتهم، وكرامتهم، وسيادتهم، عَبر مجاملة من يشكّل الخطر الأساسي عليهم، فذهبوا إلى «السلام الإبراهيمي».

يتجاهل العرب أن دولة الاحتلال، عَبر تاريخها، لم تلتزم بأيّ اتفاقيات أو معاهدات، إلّا حين تضمن هيمنتها، وسيطرتها.

لقد كدّس العرب الأسلحة والذخائر، وأنفقوا أموالاً طائلة في حروب عبثية، ضد بعضهم البعض، ووفق أولويات ثانوية، واعتقد كل نظام أنه قادر وحده على حماية نفسه وشعبه حين يسلّم أمره وأمنه للقوى الأجنبية التي لا تخفي أطماعها.

يتنافس العرب، على النفوذ، على حساب بعضهم البعض، ظناً منهم أنهم سيتحوّلون إلى قوى إقليمية عظمى، ولكن على حساب أشقّائهم دون إدراك بأن من يملكون القدرة والإرادة في المنطقة سيجيّرون كل إنجازاتهم المؤقّتة والمحدودة إلى مكاسب لمن يعتمد القوة القاهرة سبيلاً وحيداً لتحقيق الأهداف.

لقد تخلّى العرب عن القضية الفلسطينية وأهلها أكثر من مرّة، وفي كل مرّة يعاودون الاهتمام، كانت بعد انتفاضات فلسطينية وأثمان كبيرة يدفعها الفلسطينيون، وفي أغلب الأحيان اعتبروا القضية الفلسطينية عبئاً على استقرارهم ودوام أمنهم ووجودهم.

ومع الأسف الشديد، فإن تجربة غزّة، قبل أن يعلن نتنياهو هدفه بشأن «إسرائيل الكبرى»، تشير إلى أن العرب لم يستيقظوا بعد، إلى أن صدمهم، فاستفزّهم فشل ما لديهم في قواميس اللغة، لإظهار جدّيتهم في الاستنكار والرفض والتحذير، ومطالبة المجتمع الدولي بردع دولة الاحتلال، ومنعها من المضيّ قُدُماً في حروبها العدوانية والبربرية لتحقيق أهدافها.

قضايا غزّة والرهائن، والتهدئة، لم تعد موضوعاً للتفاوض، ففي كلّ مرّة، وكما حصل منذ أشهر، يصرّ نتنياهو على أن الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك هي استخدام القوّة، وإضافة المزيد من الشروط التعجيزية.

العالم كلّه انتفض، بما في ذلك في الدول الغربية الضامنة لأمن دولة الاحتلال وتفوّقها، وعلى الصعيدين الرسمي والشعبي، بينما لا يتحرّك العرب إلّا عَبر البيانات والحراكات الدبلوماسية.

تصريحات نتنياهو وزميله سموتريتش لا تعطي مجالاً للشكّ بأن أبواب الحروب مُشرعة، ومستمرّة، في المنطقة، وفي الإقليم عموماً، طالما أن هناك إدارة أميركية مشابهة، يعتبرها «الائتلاف الحكومي الفاشي» فرصة تاريخية.

انظروا ما يجري في كل الأرض الفلسطينية، وما يجري في لبنان وسورية، ابتداء، لكي تتأكّدوا أنه لا الضغوط الداخلية ولا الخارجية على الدولة العبرية يمكن أن تثني رئيس حكومة جرائم الحرب الإبادية نتنياهو عن عزمه.

«المعارضة» الإسرائيلية تختلف على نتنياهو، وتتفق معه، فلا يجرؤ أحد على أن يتحدّث عن «رؤية الدولتين»، فقيام دولة فلسطينية من وجهة نظر الجميع ستكون نقيضاً وجودياً لكيان الاحتلال الغاصب.

ليس لدى نتنياهو أي سيناريو لتحقيق الدولة اليهودية على كل أرض فلسطين سوى تهجير 7 ملايين فلسطيني.

إذا كان الأمر كذلك، فإن «إسرائيل الكبرى»، تتحوّل إلى مجرّد وهم خالص، بعد تجربة غزّة.

إذا كانت دولة الاحتلال قد فعلت كل ما تفعله، ولم تنجح بعد ما يقرب من سنتين على تحقيق أهدافها، فكم يستغرق منها، إكمال مهمّتها في الضفة، وأراضي 1948؟

هذا هو المشروع الصهيوني، والسؤال هو: متى يكون للعرب مشروعهم، الذي يحمي مصالحهم؟ وما أدوات ووسائل تحقيق ذلك المشروع، إن كان ثمّة من ينهض بهذه المهمّة؟