شبكة قدس الإخبارية

10 إشكاليات لدى قيادة "الشرعية الفلسطينية"

٢١٣

 

ylCfg
محسن صالح

 

"البطاقة الحمراء" سترفع في وجهك إذا ما حاولت بشكل جادّ العمل على إصلاح أو إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وسيقوم "السدنة" المستحوذون على "الشرعية" باتهامك بالتآمر وإخراجك من الصفّ الوطني، إذا قمت بأي جهد جماعي لدفع عجلة إصلاح المنظمة إلى الأمام.

ثمة إصرار عجيب من قيادة المنظمة على إبقائها جسدًا بلا روح في "غرفة الإنعاش"، واستحضارها فقط عند الحاجة لتغطية سلوك القيادة أو للتصديق على قراراتها. فلا مؤسسات فاعلة، ولا دوائر عاملة، ولا تمثيل للناس وهمومهم، ولا استيعاب للكفاءات والقدرات الهائلة للشعب الفلسطيني، مع استبعاد شبه كامل لفلسطينيي الخارج.

يحدث هذا، في مرحلة هي الأقسى والأصعب في تاريخ الشعب الفلسطيني، حيث يستهدف بالشطب والإلغاء؛ وحيث تقع أبشع المجازر وتسفك الدماء ولا يبقي العدو الصهيوني حجرًا على حجر في قطاع غزة، وحيث يُهوّد الأقصى والقدس والضفة الغربية، وتتصاعد مخططات الضمّ والتهجير، بما في ذلك إغلاق ملف السلطة الفلسطينية نفسها؛ بينما تعيش القيادة الرسمية "المزمنة" خارج حركة الحياة وخارج حركة التاريخ.

وطوال نحو عشرين عامًا شارك كاتب هذه السطور، إلى جانب المئات والآلاف من الرموز والشخصيات الفلسطينية والقوى الوطنية للدفع قدمًا باتجاه إعادة ترتيب البيت الفلسطيني على أسس من النزاهة والشفافية والتمثيل الشعبي الحقيقي؛ وعُقدت مئات المؤتمرات وحلقات النقاش، ووُقّعت عشرات العرائض، ولكن النتائج حتى الآن لم تتجاوز "الصفر"!

لم تكن المشكلة أبدًا في الأفكار ولا في الآليات ولا في البيئات الشعبية، ولكن العقدة كانت تقف في النهاية عند قيادة المنظمة (التي هي قيادة سلطة رام الله وقيادة حركة فتح).. عقدة انعدام الإرادة الحقيقية للإصلاح.

في الأسطر التالية سنحاول تلخيص أبرز إشكالات هذه القيادة "الشرعية الفلسطينية":

1- إشكالية التماهي بين القيادة والمنظمة:

وهذا تماهٍ مصطنع، يخلط بشكل متعمّد بين منظمة التحرير ومكانتها السياسية والمعنوية وأدوارها ومهامها ومؤسساتها، وبين قيادتها التي هي حالة مؤقتة تحت النقد والمحاسبة وإمكانية التغيير.

وعلى طريقة الملك لويس الرابع عشر الذي حكم قبل نحو أربعمائة عام، وكان رمزًا للحكم المطلق، وفق تعبيره "أنا الدولة والدولة أنا"؛ يُصبح نقد القيادة كالطعن في المنظمة نفسها. ويُعطي المتحكمون بالمنظمة لأنفسهم مكانة لا تعطيهم إياها لا لوائح منظمة التحرير نفسها، ولا إرادة الشعب الفلسطيني نفسه؛ مما يجعل أيّ عملية إصلاحية معقدة وبعيدة المنال.

إن شرعية المنظمة لا تعني بالضرورة شرعية القيادة، خصوصًا عندما تتجاوز هذه القيادة مدتها القانونية، وتتجاوز اللوائح، وتتجاهل الإرادة الشعبية.

2- إشكالية اعتبار الاستهداف بالإصلاح كالاستهداف بالإلغاء:

فلقيادة المنظمة حساسية بالغة تجاه أي جهد جماعي فلسطيني مخلص، يسعى لتفعيل منظمة التحرير وإصلاحها وإعادة بنائها، أو يكشف جوانب الضعف والقصور والعجز في المنظمة ومؤسساتها ودوائرها، ويدعو بالتالي لانتخابات نزيهة شفافة أو توافق وطني يعكس بشكل حقيقي حجم القوى الفاعلة على الأرض، ويستوعب بشكل فعال فلسطينيي الداخل والخارج.

ومهما كان هذا الجهد وطنيًا ويقوم عليه شخصيات ورموز وتجمعات فلسطينية مخلصة؛ فإن القيادة ووكلاءها سيعدُّون ذلك تآمرًا على منظمة التحرير ومكانتها وشرعيتها.

وفي نظر هكذا قيادة، يُوضع الشرفاء المخلصون الذين يريدون للمنظمة استعادة قوتها وألقها وعنفوانها، في مريّعٍ واحد مع الصهاينة والأميركان الذين يريدون شطب المنظمة وإلغاءها وإغلاق الملف الفلسطيني. بينما في الحقيقة، فإن إبقاء المنظمة على حالها المزري المهمَّش منعدم الفاعلية، هو أكبر خدمة لأعداء فلسطين وقضيتها.

ولذلك، لم تتوانَ قيادة المنظمة عن الهجوم الإعلامي، وتوجيه سيل الاتهامات إلى المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج- والمؤتمر الشعبي الفلسطيني 14 مليونًا- والمؤتمر الوطني الفلسطيني (الذي عقد في الدوحة)… وغيرها؛ لأن هذه الحراكات تكشف حجم الثغرات ومدى تقصير القيادة بحق شعبها، وتهدّد مكانتها ومكاسبها الذاتية.

3- شرعية التعطيل لا شرعية التفعيل:

فقيادة المنظمة (التي هي قيادة فتح) تُعطّل أعمال دوائر المنظمة ومؤسساتها، وتفقدها أيّ فاعلية، وتجعل المنظمة بندًا في ميزانية سلطة رام الله التي هي تحت الاحتلال.

وتحتكر الهيمنة على الاتحادات والنقابات والجاليات الفلسطينية في الخارج، وتبقيها في حالة "موت سريري"، وتمنع إعادة تشكيلها وتفعيلها واستيعابها كافة المكونات الفلسطينية، وإطلاق طاقاتها الهائلة في خدمة قضية فلسطين. وينطبق ذلك على عشرات الاتحادات والنقابات في الخارج كالأطباء والمهندسين والمعلمين والطلاب والمحامين… وغيرهم.

وإذا ما قامت أي جهة بمحاولة التفعيل أو تشكيل أطر نقابية فإنها تُتَّهم فورًا "بالخروج عن الشرعية" وغيرها من التهم الجاهزة "المُعلَّبة".

4- شرعية الفصيل لا شرعية التمثيل:

ثمة إصرار عنيد من قيادة المنظمة على احتكار فصيل فلسطيني واحد (فتح) للهيمنة على المنظمة. وبالرغم من وجود فصائل قوية وفاعلة وذات شعبية واسعة في الساحة الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي، فإن قيادة المنظمة تغلق الباب أمام أي عملية استيعاب حقيقية لهذه الفصائل تعكس وزنها الشعبي، ويتم اختلاق كافة الذرائع والمعوقات لتهميشها، وإبقاء حالة الهيمنة بيد الفصيل الواحد.

وعلى الرغم من كثرة الحديث عن الوحدة الوطنية، وإنهاء الانقسام، وإنفاذ اتفاق القاهرة، فإن التهرّب من استحقاق الانتخابات- كما حدث في سنة 2021، ووضع شروط وتعقيدات ليست مرتبطة بالضوابط اللائحية الخاصة بالمنظمة- يظلّ سلوكًا متعمدًا ومعتمدًا لدى هذه القيادة.

5- شرعية الاستحواذ واحتكار القرار:

تسيطر القيادة الحالية على المنظمة بحكم الأمر الواقع، وتُعطّل أي انتخابات تعكس الأوزان الحقيقية للقوى الفلسطينية، وتتجاهل الإطار القيادي المؤقت.

وبالرغم من معرفتها -وفق كل استطلاعات الرأي- أنها لا تمثل الأغلبية الفلسطينية في الداخل والخارج، فإنها تُصرّ على ممارسة كافة الصلاحيات السيادية والدستورية العليا، حتى تلك التي تمسّ المصالح العليا للشعب الفلسطيني؛ فتتحدث باسم الجميع وغصبًا عن الجميع.

6- شرعية أوسلو لا شرعية الميثاق الوطني:

لم يعد دخول منظمة التحرير مرتبطًا بالالتزام بالميثاق الوطني الفلسطيني، ولا بالثوابت الفلسطينية؛ لأن قيادة المنظمة نفسها هي التي رعت تعطيل الميثاق، وإلغاء بنوده المتعارضة مع مسار التسوية، ولأنها تنازلت عن معظم فلسطين لصالح العدو، كما تنازلت عن حق الشعب الفلسطيني في المقاومة المسلحة، بل والتزمت بالتنسيق مع العدو ومطاردة المقاومة.

وفوق ذلك اشترطت على من يدخل منظمة التحرير الموافقة على تعهداتها تجاه العدو، وجعلت اتفاقات أوسلو الكارثية حاكمة على المبادئ والقواعد التي نشأت منظمة التحرير على أساسها!

وأصبح إخراج منظمة التحرير من مستنقع أوسلو وإعادتها لدورها الطبيعي الذي نشأت لأجله هو التهمة؛ بينما أصبح القيام بأدوار معاكسة هو شعار "العمل الوطني" لهذه القيادة.

7- شرعية التمديد والتأبيد:

مع إغلاق الأبواب في وجه مشاركة قوى فاعلة ووازنة في الساحة الفلسطينية، ومع تعطيل عمل المجلس الوطني الفلسطيني الذي لم ينعقد على مدار 34 عامًا (منذ 1991) إلا ثلاث مرات، تحت الاحتلال الإسرائيلي، أخذت طابعًا إجرائيًا ووظيفيًا (1996، و2009، و2018)؛ خلا المجال لقيادة المنظمة للتمديد لنفسها، ولترتيب ملء الفراغات عند الحاجة؛ دون وجود أي بيئة فعالة تسمح بتداول حقيقي للسلطة، أو تضخّ دماء شابَّة في القيادة التنفيذية والتشريعية الفلسطينية.

8 - شرعية العكازات الخارجية في مواجهة الإرادة الشعبية:

في الوقت الذي تتهرب فيه قيادة المنظمة من أي استحقاقات انتخابية تُعبّر عن الإرادة الحرّة للشعب الفلسطيني؛ فإنها تمارس شرعيتها مستندة إلى الاعتراف الرسمي العربي والدولي بها، وكذلك الاعتراف الإسرائيلي؛ وإلى معاداة أو خصومة هذه البيئات لخط المقاومة وتيارات "الإسلام السياسي".

وتستفيد من هذه "الميّزة" في التعامل بالأمر الواقع مع القوى الفلسطينية الوازنة، وفي مواجهة الإرادة الشعبية. وبالطبع فإن الأثمان هائلة في مقابل الحفاظ على هكذا "رضا" وعلى هكذا "شرعية"! لأنها شرعية مُصمَّمة على مقاسات المطبِّعين والخصوم والأعداء؛ وتمّ تكييفها وفق معاييرهم.

9- شرعية تحت الاحتلال:

وهي شرعية يتم ممارستها تحت سقف الاحتلال وتحت أعين الاحتلال؛ فالقيادة التنفيذية تعقد اجتماعاتها تحت الاحتلال، وكذلك المجلس المركزي الفلسطيني، والمجلس الوطني الفلسطيني.

فكيف تتمُّ المحافظة على "القرار الوطني الفلسطيني المستقل"؟! وكيف يتم تمثيل أكثر من نصف الشعب الفلسطيني المقيم في الخارج؟! وكيف يمكن إدارة مشروع "التحرير" تحت أعين مَن يعمل ليل نهار لاجتثاث الشعب الفلسطيني وقمعه ومصادرة أرضه ومقدساته وتهجيره؟!

كانت منظمة التحرير قبل أوسلو تعلم مخاطر ضغط الاحتلال، فعقدت كل اجتماعاتها في الخارج، وجعلت تمثيل الداخل الفلسطيني في المجلس الوطني بنحو 180 عضوًا، ولكنهم غير معلني الأسماء، ولا يشترط حضورهم، وغير محتسبين في نصاب الانعقاد، لأنهم تحت الاحتلال.

10- من الشرعية المقاوِمة إلى مقاوَمة المقاوَمة:

فإذا كانت المنظمة أنشئت لتحرير فلسطين من نهرها إلى بحرها بالكفاح المسلح، وإذا كانت فتح نالت قيادة المنظمة نتيجة أدائها المقاوم؛ فإن شرعية القيادة ما بعد أوسلو انتقلت إلى "مقاومة المقاومة"، ومنع العمل المسلح، والتنسيق مع العدو في مطاردة المقاومين وقمعهم، حتى في أجواء المجازر والدمار في غزة، وأجواء التهويد والتهجير وامتهان السلطة وإضعافها في الضفة.