شبكة قدس الإخبارية

معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي يقدّم تصورا خاصًا للدولة الفلسطينية

٢١٣

 

معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي يقدّم تصورا خاصًا للدولة الفلسطينية

ترجمة خاصة - قدس الإخبارية: كاتب هذه المقالة هو أودي ديكل الذي شغل سابقا منصب مدير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، ويعمل حاليا مدير برنامج "الصراع" في المعهد. شغل منصب رئيس إدارة المفاوضات مع الفلسطينيين تحت رئاسة رئيس وزراء الاحتلال السابق أولمرت، في إطار عملية أنابوليس.

كما شغل ديكل سلسلة من المناصب في جيش الاحتلال الإسرائيلي في مجالات الاستخبارات، والتعاون العسكري الدولي، والتخطيط الاستراتيجي. وكان آخر منصب له في الجيش هو رئيس الهيئة الاستراتيجية في دائرة التخطيط بالقيادة العامة. شارك في لجنة تحديث مفهوم الأمن (2006) وقاد صياغة استراتيجية جيش الاحتلال الإسرائيلي. وفيما يلي نص المقالة:

على الرغم من أن تصور "إدارة الصراع" أدى إلى أحداث السابع من أكتوبر، إلا أن "إسرائيل" لا تزال تعيش في تصور "إدارة النزاع إلى الأبد". سلوكها يؤدي إلى السيطرة على جميع الأبعاد والجوانب المتعلقة بالسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية (وربما أيضًا في قطاع غزة)، ما سيشكل عمليًا "دولة واحدة" بين الأردن والبحر.

نظرًا لأن مخطط "دولتان لشعبين"، الذي يتضمن دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة، غير قابل للتنفيذ في الإطار الزمني المتوقع، ومن أجل منع إمكانية ظهور "دولة واحدة"، فإن المصلحة الإسرائيلية هي أن تحصل السلطة الفلسطينية على صلاحيات الحكم الذاتي. إذ أن السلطة هي اليوم الشر الأسوأ بالنسبة للقيادة الفلسطينية والبديل الوحيد لحماس.

إنه نموذج من الحكم الذاتي الفلسطيني الموسع/السيادة الفلسطينية المحدودة. معناه أن "إسرائيل" ستحتفظ بالسيطرة في مجالات حيوية، مع التركيز على الأمن وتأمين الحدود. من المفترض أن يتم تنفيذ هذا النموذج لفترة انتقالية؛ ليلبي متطلبات المملكة العربية السعودية لوضع مسار سياسي لإقامة دولة فلسطينية في إطار التطبيع مع "إسرائيل"؛ وسيكون بمثابة اختبار لمدى استعداد الأطراف لمناقشة تفاصيل السيادة الفلسطينية الكاملة، التي لن تمتلك في أي حال من الأحوال قوات أو قدرات عسكرية.

"إسرائيل" تتبنى تصور "إدارة النزاع إلى الأبد" مع الفلسطينيين. تصرفات "إسرائيل" تؤدي إلى حالة من السيطرة على جميع الأبعاد والجوانب المتعلقة بالسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية (وربما أيضًا في قطاع غزة)، مما سيشكل فعليًا "دولة واحدة" بين الأردن والبحر. لذلك، من الضروري فحص نماذج أخرى لمنع المسؤولية الإسرائيلية الكاملة عن الفلسطينيين في الضفة الغربية (وأيضًا في قطاع غزة). أحد النماذج هو الحكم الذاتي؛ ترتيب سياسي يسمح لمجموعة متميزة داخل دولة أن تعبر عن هويتها الخاصة، خاصة عندما تشكل غالبية في منطقة معينة ومحددة. الحكم الذاتي ليس مكافئًا للسيادة الكاملة، بل يركز على منح صلاحيات إدارية محددة للمجموعة، مع الحفاظ على وحدة الدولة (وفقًا للبروفيسورة روث ليفي). المشكلة في مصطلح "الحكم الذاتي" هو أنه يشير إلى ارتباط بينه وبين "إسرائيل" بينما تسعى الأخيرة للابتعاد عن واقع "دولة واحدة". لذلك، من الأفضل استخدام مصطلح "كيان فلسطيني ذي سيادة محدودة".

السيادة الفلسطينية المحدودة في الضفة الغربية، أي ترتيب سياسي-إقليمي، قد يكون في الوضع الحالي حلاً معقولًا من الناحية الأمنية لإسرائيل، وهي تحت ضغط دولي وإقليمي متزايد لتقديم مسار لحل مع الفلسطينيين؛ في كلا الجانبين - الإسرائيلي والفلسطيني - لا توجد شروط لاستئناف المفاوضات من أجل تسوية شاملة؛ في "إسرائيل" هناك فهم بأن السيادة الفلسطينية الكاملة قد تشكل تهديدًا أمنيًا خطيرًا؛ الوضع في الإقليم متوتر، وبالإضافة إلى الحرب المستمرة في قطاع غزة، هناك أيضًا احتمال متزايد لاندلاع صراع واسع النطاق في الضفة الغربية.

الفكرة الرئيسية هي أن "إسرائيل" لا تتحكم في السكان الفلسطينيين، وتصمم واقعًا من الفصل السياسي والجغرافي والديموغرافي، ولكن ليس الأمني، عن الفلسطينيين. سيحكم الفلسطينيون أنفسهم، وفي الوقت نفسه ستظل "إسرائيل" تحافظ على هويتها كدولة "يهودية وديمقراطية".

أما في الجانب الجغرافي؛ ستغطي منطقة السيادة الفلسطينية المحدودة المناطق A و B الحالية، ويمكن توسيعها عن طريق نقل أراضي C (حتى 8٪) للسلطة الفلسطينية بهدف تعزيز السيطرة الفلسطينية في عدة مجالات: ستضم غالبية مطلقة (أكثر من 99٪) من السكان الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية؛ سيتم خلق استمرارية في التنقل؛ ستخصص مناطق للإنتاج، والأراضي الزراعية، والمحاجر. سيسمح التحديد والاستمرارية بإنشاء حدود مادية وحاجز أمني بين الأراضي التي تحت سيطرة الكيان الفلسطيني وبقية الأراضي المحتلة وتثبيت نقاط عبور مع مراقبة دخول وخروج الأشخاص و/أو البضائع.

وفي سياق الصلاحيات، ستمنح الحكومة الفلسطينية صلاحيات واسعة في أكبر عدد ممكن من المجالات: الحكومة ومؤسسات الحكم؛ صلاحية تشريعية وتنفيذية وقضائية فيما يتعلق بكل جوانب الحياة في المنطقة ذات الحكم الذاتي؛ صلاحيات في القضايا المتعلقة بالبنية التحتية؛ قضايا الأمن الداخلي؛ نظام إنفاذ يشمل الشرطة، والمفتشين، والمحاكم. ستجري الحكومة الفلسطينية انتخابات للفلسطينيين في مناطق سيطرتها. 

وبالنسبة للآثار المترتبة على السلطة الفلسطينية، لن يتغير وضعها كسلطة مستقلة تمثل الشعب الفلسطيني، رغم أنها تقدم نفسها كـ "دولة" في الساحة الدولية. احتمال أن توافق السلطة الفلسطينية على السيادة المحدودة كحل دائم للنزاع، مع التنازل عن السيادة الكاملة، ضئيل جدًا، لذلك سيكون من الضروري إقناع قادتها بأنها فترة انتقالية، مع تحسين حياة الفلسطينيين.

وسيعتبر قطاع غزة منطقة منفصلة ويديرها طاقم تقني مرتبط بالسلطة الفلسطينية وبالتمويل العربي. سيسمح هذا الوضع بوضع ترتيبات مختلفة بالنسبة للقطاع. في المستقبل، إذا نفذت السلطة الفلسطينية الإصلاحات اللازمة وأثبتت قدرة فعالة على الحكم في الضفة الغربية، يمكن أن تصبح غزة جزءًا من الكيان الفلسطيني.

وستستمر العقيدة العسكرية العملياتية الإسرائيلية الحالية استنادًا إلى: متابعة استخباراتية شاملة ومتعددة المجالات من أجل منع تراكم قوة الفصائل الفلسطينية. سيطرة أمنية مستمرة وحرية حركة عملياتية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في جميع المناطق الغربية لنهر الأردن. سيكون لإسرائيل الحق في فرض الترتيبات الأمنية، وعلى رأسها نزع السلاح في المنطقة الفلسطينية من القدرات العسكرية، ومراقبة وإحباط تهريب الأسلحة من خلال السيطرة الإسرائيلية على المحيط والمعابر.

وقد تكون الدول العربية المعتدلة أكثر انفتاحًا على فكرة السيادة المحدودة، خاصة في الواقع الذي نشأ بعد السابع من أكتوبر، بشرط الحفاظ على أفق حل "دولتين لشعبين". في إطار المفاوضات لإقامة تطبيع بين السعودية و"إسرائيل"، قد يمثل هذا النموذج استجابة للمطلب السعودي بوضع مسار سياسي عملي لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وإقامة حكومة فلسطينية مستقلة.

تنفيذ النموذج قد يؤدي إلى تحقيق توازن مثالي في الظروف الحالية بين الاحتياجات الأمنية لإسرائيل وما هي مستعدة للسماح به للفلسطينيين، من أجل إزالة عبء السيطرة المدنية على السكان الفلسطينيين، وكذلك وضع مسار سياسي للمستقبل. ومع ذلك، من المتوقع أن يكون التنفيذ مصحوبًا بمواجهة تحديات كبيرة لاستقرار سياسي واجتماعي وأمني.

مبادئ السيادة الفلسطينية المحدودة

" إسرائيل" ستحتفظ بالسيطرة الأمنية الكاملة، وفي إطار ذلك:

  • غياب جيش فلسطيني: لن يُسمح بإنشاء جيش فلسطيني أو قوة ميليشياوية مستقلة؛ وستكون للقوات الأمنية الفلسطينية صلاحيات في الأمن الداخلي، الشرطة المدنية والحفاظ على النظام العام فقط.
  • حرية الحركة العملياتية لـ"إسرائيل": ستحتفظ "إسرائيل" في العمل في جميع مناطق الكيان الفلسطيني.
  • سيطرة أمنية إسرائيلية على المحيط الخارجي للكيان الفلسطيني، بما في ذلك الحدود مع الأردن ومصر؛ السيطرة الكاملة والتفتيش الأمني الإسرائيلي في معابر الحدود البرية، الجوية والبحرية.السيطرة الإسرائيلية على المحيط
  • السيطرة الإسرائيلية في المجال الجوي: سيطرة إسرائيلية على المجال الجوي الفلسطيني لمنع اختراق الطائرات المعادية أو الاستخدام المعادي للطائرات بدون طيار والطائرات الأخرى؛ قد تسمح "إسرائيل" بإنشاء مطار للسلطة الفلسطينية وفقًا للاعتبارات الأمنية والسلامة، مع مراقبة وتفتيش أمني إسرائيلي كامل في المطار كمعبر جوي.
  • السيطرة في المجال البحري: لن يُسمح للفلسطينيين بامتلاك قوة بحرية أو حرس سواحل مستقلة؛ ستتم جميع الأنشطة البحرية تحت إشراف سلاح البحرية الإسرائيلي، بما في ذلك حركة البضائع والأشخاص عبر البحر والمناطق المسموح بها للصيد.
  • السيطرة في المجال الكهرومغناطيسي: يشمل الشبكات الخلوية والإنترنت في مناطق الكيان الفلسطيني. ستخصص إسرائيل ترددات للاستخدام الفلسطيني.
  • تقييد القدرة على توقيع تحالفات عسكرية واتفاقات دولية: لن يكون للكيان الفلسطيني القدرة على توقيع اتفاقات أمنية أو عسكرية مع دول أجنبية دون موافقة "إسرائيل".
  • النظام القضائي: يمكن للكيان الفلسطيني تشغيل نظام قضائي مستقل ولكنه سيكون ملزمًا بتنفيذ مبادئ محاربة المقاومة، كما يمكن للنظام الأمني الإسرائيلي محاكمة الفلسطينيين في القضايا الأمنية.

مزايا النموذج

  • حماية احتياجات الأمن الإسرائيلي: ستسيطر "إسرائيل" على جميع مجالات الأمن، وستتمكن من إحباط التهديدات العسكرية، وتفرض نزع السلاح في مناطق الكيان الفلسطيني.
  • إدارة ذاتية للفلسطينيين: سيتاح للفلسطينيين إدارة حياتهم المدنية بالكامل.
  • الاستقرار: بيد" إسرائيل" منع إقامة دولة فلسطينية معادية، سيطرة حماس عليها، وتحويلها إلى قاعدة لشن هجمات ضد "إسرائيل".
  • أفق سياسي: تروّج "إسرائيل" أن ليس لديها نية للسيطرة على السكان الفلسطينيين أو تفكيك السلطة الفلسطينية أو ضم أراضيها. وبهذا يتم إزالة الحاجز أمام تقدم التطبيع بين "إسرائيل" والسعودية وتوسيع اتفاقيات أبراهام.

عيوب النموذج

  • عدم رضا فلسطيني: الفلسطينيون يؤمنون ويصرون على حقهم في السيادة الكاملة وقد يستمرون في النضال السياسي والقانوني وقد يلجؤون إلى المقاومة لتحقيق هدف الاستقلال.
  • الاحتكاك بين السكان: سيستمر الاحتكاك المحتمل بين السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية والمستوطنين الإسرائيليين، مما يجعل من الصعب فصلهم في الوضع الحالي.
  • الضغط الدولي: في وقت لاحق، سيقوم المجتمع الدولي بالضغط على "إسرائيل" للسماح بسيادة فلسطينية كاملة.
  • الاعتماد الاقتصادي: من المحتمل أن يظل الكيان الفلسطيني معتمدًا على إسرائيل اقتصاديًا.

المنطق الاستراتيجي لوجود فلسطيني ذو سيادة محدودة

 يدعم نموذج الكيان الفلسطيني ذو السيادة المحدودة رؤية "إسرائيل" كدولة يهودية ويجب تقديمه وفهمه كترتيب انتقالي نحو اتفاق شامل. من أجل ضمان تنفيذه، يتعين على "إسرائيل" الاستمرار في تعزيز التعاون الأمني مع الأطراف الإقليمية، وتحسين الظروف المعيشية والوضع الاقتصادي في أراضي الكيان الفلسطيني، والتعاون مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وعرض النموذج كمرحلة انتقالية تعزز الاستقرار على المدى الطويل حتى نضوج الأطراف لمناقشة تفاصيل السيادة الفلسطينية الكاملة، التي لن يكون لديها قوات وقدرات عسكرية في جميع الأحوال.

في الوقت الحالي، من المناسب الترويج لحوار مع الدول العربية بهدف دراسة إمكانية دعمهم للنموذج، كوسيلة لتعزيز التطبيع بين السعودية و"إسرائيل" وتوسيعه إلى تحالف إقليمي من الدول العربية المعتدلة، الولايات المتحدة و"إسرائيل"، ودمجه فيه. خلفية ذلك هي التوقعات من الدول العربية المعتدلة لدعم الكيان الفلسطيني، مساعدتها اقتصاديًا ووظيفيًا.