شبكة قدس الإخبارية

"سور حديدي" ودبابات ولافتات عبرية.. ما الواقع الجديد الذي يريده الاحتلال شمال الضفة؟

٢١٣

 

"سور حديدي" ودبابات ولافتات عبرية.. ما الواقع الجديد الذي يريده الاحتلال شمال الضفة؟
روان أبوليل

جنين- خاص قدس الإخبارية: يعلمُ الاحتلال الإسرائيلي أن المخيماتُ أصلُ حكايةِ القهر الذي تجرّعه الفلسطينيون إبان النكبة الفلسطينية التي حلّت بهم عام 1948، ويعلم أيضاً أن القهر يولِّد مقاومةً لطالما نبعت من هذه المخيمات التي يحاول بدوره اغتيالها وإضعاف حاضنتها بما يخدمُ أهدافه في تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء ما بدأه المشروع الصهيوني.

بمرور أكثر من أربعين يومًا على عملية "السور الحديدي" التي أطلقها الاحتلال الإسرائيلي في مدن شمال الضفة الغربية ومخيّماتها، تحديداً جنين وطولكرم وطوباس، بدأت جغرافية المخيمات تتغير إلى شكلٍ آخر لم يعتد الفلسطينيون على رؤيته، في محاولةٍ لتفكيك المخيم وتحويل زقاقه الضيّقة إلى حيٍّ واسعٍ كباقي أحياء المدينة.

وإلى جانب مسميات عمليات الاحتلال العسكرية السابقة بالضفة على غرار "كاسر الأمواج" و"مخيمات صيفية" وغيرها، لا يوجد اقتباس توراتي لعملية "السور الحديدي"، غير أنها تعني التعامل بشدة وحزم أكثر مع الضفة الغربية والمناطق الشمالية تحديد، باعتبار عام 2025 عامُ "السيادة على الضفة الغربية".

لافتات عبرية فوق أرض الفلسطينيين

يُراقب الفلسطيني (أ.ج) من نافذة الغرفة الوحيدة المتبقية في منزله- بعد أن تم تجريفه جزئياً- جرافات الاحتلال وهي تبتلع زقاق حارته "عبد الله عزام" في مخيم جنين، وتُحيلها شوارعاً واسعة بعد أن تلتهم كل بيتٍ أو مصدر رزقٍ يعترض طريقها، بينما تتصدر اللافتات العبرية مشهدَ الدمار وسطَ الأرض المجرفة الممتدة على طول نظره.

يقول (أ.ج) في حديثٍ خاص لـ "شبكة قدس": فتحت الجرافات الإسرائيلية شوارعاً بعرض 15 متراً فوق أنقاض منازلنا وشوارع مخيّمنا، وُوضعت اللافتات العبرية التي تحمل إشاراتٍ توضيحية للجنود الإسرائيليين أثناء عملهم لتنفيذ مخططٍ مُعد مسبقاً.

ويُضيف: يحاول الاحتلال التخفيف من أعداد الفلسطينيين في المُخيم قدر المستطاع، بعد أن أجبرهم في البداية على النزوح ومن ثم استمر في التضييق عليهم وحصارهم واتخاذ بيوتهم ثكنات عسكرية واعتقال الرجال وجعلهم دروعاً بشرية لإجبارهم على الرحيل.

بينما تصف تالا حنون لـ "شبكة قدس" طريقها إلى منزلها في ذات الحارة، الذي صيّره الاحتلال ركاماً، فتتحدث عن الطرق التي اضطرت وعائلتها أن تسلكها وصولاً إلى ركام المنزل الذي حرمهم الاحتلال من الوقوف عليه بعد أن أُزيل وُوزع على جوانب الطريق بهدف توسعته.

تقول حنون: لم نستطع الاستدلال على مكان منزلنا بسهولة، تغيرت معالم الحارة بأكملها فلم نستدل حتى على بيوت الجيران أو الشوارع، وعندما وصلنا أخيراً لم نجد البيت ولا حتى ركامه، كأننا لم نعِش هنا مُسبقاً.

وحال حارة عبد الله عزام كحال باقي حارات المُخيم التي غيّر الاحتلال الإسرائيلي معالمها ورسم لها تخطيطاً جديداً للمباني واتساعاً للشوارع وتوزيعاً مختلفاً يُزيل عن زقاق المخيم رمزيتها التي احتفظت فيها طويلاً.

وأدى العدوان الإسرائيلي المتواصل على المخيم ليومه الـ 42، إلى ارتقاء 27 شهيدا واعتقال أكثر من 150 فلسطينياً، ونزوح أكثر من 20 ألف فلسطينيّ في ظروفٍ إنسانية صعبة، توزعوا على نحو 39 بلدة وقرية، وحرمان 35% من أهالي المدينة من وصول المياه إلى منازلهم، فيما عمد الاحتلال إلى إجراء 336 مداهمة، وتفتيش وإخضاع للتحقيق الميداني، كما شنت الطائرات المسيرة قرابة 15 عملية قصف.

حقّ العودة بين أحياء المدينة

ومع إعلان رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الشروع بتطبيق قانون حظر الأونروا في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، يستكمل جيشه عدوانه ضد المخيمات وتفريغها من أهلها وتغيير جغرافيتها ومحو رمزيتها.

وتقدر عدد البيوت التي لم تعُد صالحة للسكن بعد تدميرها بشكلٍ جزئي أو كُلي بـ 550 بيت، حيث تم تفجير 150 بيتاً وحرق 100 بيتاً وتدمير 300 بيتاً بشكلٍ جزئي والتسبب بأضرارٍ جسيمة داخلها، مع التأكيد على كوْنها إحصائياتٍ تقديرية نظراً لمنع الاحتلال أية جهات رسمية من الدخول إلى المخيم حتى الآن.

وأدى هذا التدمير إلى فقدان حوالي 3000 عائلة فلسطينية لمنزلها في المُخيم والتسبّب بنزوحهم خارجه، دون معرفة الزمن أو الحال الذي سيعودون إليه بعد انسحاب الاحتلال.

وبحسب محللين، فما يحدث بالضفة الغربية هو محاولة لمحاكاة تجربة غزة، حيث تعتمد "إسرائيل" على التدمير الممنهج لإحداث تغييرات جغرافية وديمغرافية، حيث تسعى دولة الاحتلال إلى خلق مساحات فاصلة بين التجمعات السكانية عبر فتح طرق عسكرية، مستشهدا بتصريحات قادة الاحتلال الذين تحدثوا عن "إعادة تجربة نتساريم" بغزة في مخيمات الضفة، وهو ما بدأ بالفعل في مخيم جنين.

ويهدف الاحتلال الإسرائيلي إلى إعادة تشكيل الخريطة الديمغرافية في الضفة الغربية كجزء من مخطط الضم، إلى جانب إذابة هوية المخيمات الفلسطينية التي تمثل رمز النضال الفلسطيني، عبر إعادة توزيع اللاجئين بطريقة مختلفة، في محاولة لفرض واقع جديد مشابه لما حدث في غزة.

محاولاتٌ إسرائيلية لتطبيع وجودهم

حاول الاحتلال الإسرائيلي عبر إدارته المدنية رسمَ واقعٍ جديد في مدينة جنين، يدعو فيه إلى التعايش والاعتياد على الوجود الإسرائيلي في شوارع المدينة نظراً لعدم تحديد سقفٍ زمنيّ للعملية الإسرائيلية المستمرة في المخيم.

وكانت الإدارة المدنية الإسرائيلية قد دعت مدير الارتباط الفلسطيني في جنين وائل بزور ورئيس الغرفة التجارية عمار أبو بكر ورئيس البلدية محمد جرار، في السابع من شباط\فبراير 2025، لاجتماعٍ بمقر الإدارة المدنية بمعسكر "سالم"، للمطالبة في دعوة الفلسطينيين لفتح المحلات وتنظيم حركة السوق بشكلٍ اعتيادي، لأنهم "باقون في المدينة والمخيم"، وفق ما أشار إليه أبو بكر في حديث لـ "شبكة قدس" مشيرًا إلى رفضه الدعوة. 

وما زال الاحتلال الإسرائيلي يحاول التنغيص على الفلسطينيين في المدينة، من خلال إجبارهم على إغلاق محالهم التجارية يومياً بعد الساعة الخامسة مساءً، وتفريق كل التجمعات الشعبية العفوية في الليالي الرمضانية خوفاً من تشكيل أي خطر.

ويحاول جنود الاحتلال الخروج من نقاط تمركزهم في المختلفة بمخيم جنين ومحيطه، سعياً لفرض معادلةً جديدة تتمثل في تواجدهم بين المواطنين خلال ساعات النهار، فيتجوّلون بآلياتهم العسكرية بين مركبات المدنيين أو يتمركزن على جانبيْ الطرق أثناء تجوّل الفلسطينيين في شوارع المدينة.

استعراضٌ فارغ

وعززت قوات الاحتلال وجودها في مدينة جنين ومخيمها بثلاثِ دباباتٍ عسكرية في الثالث والعشرين من شباط\فبراير، لأول مرة في الضفة الغربية منذ عملية السور الواقي. 

في حين أوعز وزير حرب الاحتلال يسرائيل كاتس حينها إلى الجيش بالاستعداد "لبقاء طويل" في المخيمات المستهدفة في الضفة وعدم السماح لسكانها المهجرين بالعودة.

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية إن الدفع بالدبابات إلى شمال الضفة جاء بسبب ضغوط مارستها القيادة السياسية على الجيش.

واستكمل جيش الاحتلال استعانته بالتعزيزات العسكرية فأدخل خلال اليوم الـ39 مدرعات من طراز "ايتان" إلى مدينة جنين ومخيمها، والتي تعمدت تدمير مركبات فلسطينية مركونة بجانب الطرق خلال مرورها من شوارع المدينة، قبل انسحابها باتجاه حاجز الجلمة العسكري.

وتعكس خطوة إدخال الاحتلال للدبابات رؤيته بأن الضفة الغربية هي محور الصراع المستقبلي، حسب خطة وزير المالية في دولة الاحتلال بتسلئيل سموتريش، التي تهدف إلى "حسم الصراع".

ويحاول جيش الاحتلال إيجاد بنية تحتية عسكرية تتيح لها تنفيذ عملياتها بسهولة، ومنع أي نشاط مقاوم، من خلال شق الطرق وإقامة نقاط عسكرية وزيادة الحواجز التي بلغ عددها 900 بالضفة، بهدف فرض واقع يجبر الفلسطينيين على قبول الاحتلال أو دفعهم لهجرة داخلية أو خارجية.

ولا يخفى على الفلسطينيين أن الدبابات المتمركزة في مواقع قليلة في محيط مخيم جنين (طلعة الغبز- الجابريات) لا حاجة حقيقية لها سوى إرضاء اليمين الإسرائيلي المتطرف في السيطرة على المدينة، إذ لم تُستخدم هذه الدبابات سوى للاستعراض أثناء دخولها من المدخل الغربي للمدينة بعد تجريفه، ومن ثم توجهها وتمركزها في محيط المخيم.

في الأثناء، أفادت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن وزير حرب الاحتلال، يسرائيل كاتس، أصدر تعليماته ببدء تنفيذ المرحلة الثانية من عملية "السور الحديدي". 

وتشمل المرحلة الجديدة دراسة إنشاء مواقع عسكرية في قلب مخيمات شمال الضفة الغربية بهدف منع عودة المقاومين إلى تلك المناطق.

كما تتضمن التعليمات التحضير لتوسيع العملية في المستقبل، بينما تدخل عملية "السور الحديدي" شهرها الثاني في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، والتي أدت إلى تهجير أكثر من 40 ألف فلسطيني، واستشهاد 49 فلسطينياً في جنين وطولكرم وطوباس، واعتقال المئات.