غزة - خاص قدس الإخبارية: رغم تعرض منزله للقصف الإسرائيلي وإصابة جميع من فيه وسفره للعلاج برفقة أخيه، لم ينقطع الطالب الجامعي محمد سلامة عن دراسته بنظم المعلومات بالمستوى الرابع بالجامعة الإسلامية بغزة، مصرًّا على إكمال حلمه بالتخرج.
وتعرضت الجامعات في قطاع غزة لتدمير ونسف كامل للمباني، وخلال الحرب واصلت الجامعات التعليم الإلكتروني والتحق آلاف الطلبة بالكليات والتخصصات المختلفة بالرغم من مواجهة مشاكل كبيرة كضعف الانترنت والنزوح المتكرر وغرق غزة في ظلام دامس، فيما ستستمر هذه الآلية لفترة حتى بعد إعلان وقف إطلاق النار وبدء سريانه في 21 يناير/ كانون ثاني 2025، نظرًا للتدمير الهائل الذي طال المباني، والذي قد يدفع بعض الجامعات للعودة للدراسة في الخيام كما كان الحال عام 1948.
يقول الطالب سلامة لـ "شبكة قدس" بنبرة إصرار: "التعليم الإلكتروني هو من أنواع الصمود قائم على التواصل الدائم وعدم الانقطاع الدراسي عن المسيرة التعليمية، بحيث نتابع المحاضرات المصورة منذ جائحة فيروس "كورونا" فضلا عن إضافة بعض المحاضرات الجديدة، ومن ثم نخضع لاختبارات للمادة الدراسية عبر مجموعة أسئلة مقالية و أسئلة اختيار للإجابة الصحيحة مع تحديد وقت معين للاختبار".
وخلال العدوان تم استهداف كافة جامعات قطاع غزة، واستشهد ما يزيد عن 6000 طالب وطالبة و100 أستاذ جامعي. وفي ظل هذه الظروف المأساوية، حُرم الطلبة الجامعيون في قطاع غزة من حقهم في التعليم على 15 شهرا.
وقام جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب بتدمير أو إلحاق أضرار بـ 12 جامعة في قطاع غزة خلال الغارات الجوية أو القصف. ووفقا للأمم المتحدة، حتى أوائل كانون الثاني/ يناير، تضرر حوالي 75 بالمئة من البنية التحتية التعليمية في القطاع، علما أن هناك 18 جامعة وكلية في قطاع غزة، تخدم حوالي 87.000 من الطلبة.
منصات رقمية
ويعتمد برنامج التعليم الإلكتروني على المنصة الرقمية (جوجل كلاس روم) بالإضافة لشعب ومجموعات طلابية مع الأساتذة على تطبيق "واتساب" لتقديم الاستفسارات وحل المشاكل، تقدم المحاضرات بشكل تزامن (بث مباشر على زوم) أو غير متزامن (مواد مسجلة عبر يوتيوب) مما يتيح للطبة مرونة في الحضور وفق ظروفهم، أما الاختبارات فتتم عبر المنصات الرقمية Moodle أو على شكل مشاريع وتقارير.
ومثل انقطاع الكهرباء خلال الحرب أكثر مشكلة واجهها الطلبة، كما يقول طالب تكنولوجيا الاتصال في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية منتصر حبوش ما أثر على قدرته على متابعة المحاضرات وتقديم الاختبارات في الوقت المحدد، ويقول لـ "شبكة قدس": إن "ضعف الإنترنت يعيق الوصول إلى المحتوى الإلكتروني أو التفاعل مع المحاضرات المباشرة، إضافة للظروف السكنية غير الملائمة والعيش في الخيام، مع عدم توفر بيئة مناسبة للدراسة أو لمتابعة، والأعباء الاقتصادية في توفير سعر بطاقات الإنترنت والضغط النفسي الناجم عن ظروف الحرب والتشريد مما يزيد التوتر ويجعل التركيز على التعليم تحديا إضافيًا".
بكلمات ممزوجة بالتحدي، يؤكد "التعليم الإلكتروني رسالة للعالم أننا متمسكون بحلمنا ومستقبلنا رغم كل الظروف، وأن التعليم عن بعد يوفر فرصة للاستمرار في التعليم في ظل الحرب أو الأزمات".
ويحلم حبوش أن يصبح صحفيًا يساهم في نقل معاناة الناس إلى العالم، ويكون صوت المظلومين، معتبرًا "التعليم الإلكتروني في غزة ليس مجرد أداة تعليمية بل أداة نضال يومي يثبت فيه الطلبة إرادتهم على الحياة والتعليم".
على مدخل خيمتها الواقعة على شاطئ بحر مدينة خان يونس، كانت طالبة هندسة الديكور بالكلية الجامعية للعلوم التطبيقية ريهام نبهان، تستغرق وقتًا طويلاً في تحميل المادة المسجلة على تطبيق "كلاس روم" بعضها كان يستغرق الانتظار لعدة ساعات لتحميل المادة، فيما تضطر أحيانا للسهر لانتظار تحسن جودة شبكات الانترنت التي تبث من نقاط معينة يطلق عليها الناس "نت شوارع" وغالبًا تستعمل للتصفح وللنصوص، مع صعوبة كبيرة في تحميل الصور والفيديوهات إلا بساعات معينة في الليل ووقت الفجر مع تخفيف الضغط عليها.
ونتيجة عدم وجود إضاءة، تستعمل نبهان مصباح هاتفها المحمول للدراسة في أجواء صعبة داخل خيمة وعلى شاطئ البحر، فتقوم بتلخيص المادة الدراسية على دفتر وتقديم الامتحانات الدراسية، وتقول بنظرات أمل للمستقبل لـ "شبكة قدس": "رغم كل الدمار الذي لحق فينا، تدمير البيوت، والجامعات وعيشنا في الخيام، إلا أن التعليم هو الذي يشعرنا بذاتنا وبكينونتنا وهو حلقة الوصل بيننا وبين المستقبل".
وخلال الفصل الحالي ورغم الحرب درست الطالبة ثماني مواد، منها لغة إنجليزية، والرسم الحر والهندسي، وأساسيات التصميم ومادة نظيرات التصميم الداخلي، وتضيف: "هناك تكليفات مستمرة وكأنك تدرس بشكل مواجهة، وأحاول البقاء بشكل مستمر متصلة بالإنترنت رغم أنه ينغص حياتنا".
واختارت نبهان موعد زفافها قبل ستة أيام من موعد اختبارات النهائية في 25 يناير/ كانون ثاني الجاري، وهذا يعكس جانبًا من إصرارها على الحياة والتعلم، فبالرغم من زواجها تمسكت بدراستها، وعن ذلك تقول: "قطعت شوطا كبيرا في الدراسة والمتابعة، وسهرت الليالي ولا يمكن أن يضيع التعب سدى".
وإن كانت نبهان واجهت تلك الظروف في مكان واحد، فإن محمد علي والذي يسكن بشمال القطاع عانى من التنقل والتشرد في أماكن نزوح مختلفة، حالت في كثير من الأحيان في قدرته على التواصل مع مدرسيه.
إضافة لتلك التحديات انغمس علي في سعيه لتوفير احتياجات أسرته من مياه للشرب أو للاستعمال المنزلي وبالاصطفاف على طابور الخبز، ومواجهة ظروف المجاعة، لا يتخطاها في مستهل حديثه مع "شبكة قدس": "هذه المعاناة سنعيشها لفترة طويلة لأن منزلي في شمال القطاع مهدم وأعيش في مركز إيواء، بالتالي سأستمر بالدراسة عن بعض على بطاقات انترنت لفترة طويلة لأن الجامعات ستستغرق وقتًا أو عدة أشهر كي نلتقي مجددًا".
وأحيانًا كان يضطر علي للذهاب لنقطة انترنت تبعد عن منزله نحو كيلو متر لكي يتصل بالإنترنت ويتابع محاضراته، ويستذكر: "أحيانا كانت الظروف تمنعني من الدراسة الإلكترونية خاصة عندما نتعرض للاجتياح والقصف المتواصل من جيش الاحتلال، مما يجعلني أنقطع لفترة ".
إقبال كبير
وتمكن نحو 12677 طالبا من طالبة بالبكالوريوس والماجستير والدكتواره في الجامعة الإسلامية، من أصل أكثر من 17 ألف من طلبة الجامعة من الالتحاق ببرامج التعليم الإلكترونية، والحال مشابه في الجامعات الكبيرة كالأزهر والأقصى التي تتقارب فيها أعداد المسجلين من الأرقام السابقة في "الإسلامية" مما يعكس وجهًا لإصرار طلبة غزة على التعليم بالرغم من كل الظروف التي مروا بها خلال حرب الإبادة الجماعية على غزة.
بدوره، أفاد رئيس جامعة فلسطين جبر الداعور أن عدد الطلاب المسجلين إلكترونيا بالجامعة بلغ 5 آلاف طالب، أي ما نسبته 85% من إجمالي عدد الطلبة البالغ 7 آلاف طالب.
ويقول الداعور لـ "شبكة قدس": إن "تجاربنا في الفصول السابقة كانت ممتازة، والطلبة كانوا مقبلين على التعليم، وهناك من تخرج واستلم إفادتهم بالتخرج"، معتبرًا، ذلك تحديا للاحتلال الذي دمر المؤسسات الأكاديمية فكان لا بد من وقفة من الجامعات لاستمرار العملية التعليمية".
وعن البرنامج رغم توقف الحرب، يؤكد أن نظام التعليم الإلكتروني سيستمر في كل الجامعات التي تعرضت معظمها للتدمير، وقد يمتد هذا النظام لفصل دراسي آخر، حتى تتمكن من إعادة بناء بعض المباني أو استئجار مبانٍ أخرى والتي تُمكّن الجامعة من تنظيم محاضرات وجاهية.
وواجهت الجامعات الكثير من المعوقات والتحديات، سببه ضعف الانترنت ونزوح الطلاب المتكرر ويذهب لأماكن بعيدة تتوفر بها سرعة انترنت جيدة لفتح صفحته الجامعية، فقامت الجامعات بوضع تسهيلات عديدة، فيقول رئيس جامعة فلسطين د. جبر الداعور إن جامعته وضمن تلك التسهيلات، أنه في حال لم يستطع الطالب تقديم الامتحانات النصفية فإنه يمكنه التحويل للامتحانات النهائية.
وفي حال تعذر عليه ذلك فإنه يستطيع إرجاء الامتحانات بنظام "غير مكتمل" مع عدم مطالبة الطلبة بدفع أية رسوم خلال الحرب، وتسجيلها كمديونية عليه، لافتا، إلى أن الجامعة تخاطب مؤسسات مانحة لمساعدة الطلبة حالما تنتهي الحرب. وفق الداعور
ويستذكر الداعور أنه في نكبة عام 1948، وعندما هجر الاحتلال الشعب الفلسطيني كان السلاح القوي ضد الاحتلال هو التعليم، وقال: "أصبحنا كشعب فلسطيني متعلم، وعلمنا الشعوب الأخرى وأصبح لدينا قادة في كل مكان بسبب التعليم".
ويعتبر انتقال الطلبة من مكان إلى آخر للاتصال بالإنترنت وتقديم الامتحانات الإلكترونية بظروف صعبة، إصرارًا من طلال الجامعات على الحياة، والتعليم نكاية بالاحتلال الذي دمر الجامعات، مؤكدًا، أن التعليم هو الوسيلة التي يقهر فيها الطلبة الاحتلال.