شبكة قدس الإخبارية

من المجال الخارجي إلى طوفان الأقصى.. سيرة الخطف والتبادل

photo_5794274645015381273_y
يزن حاج علي

خاص - شبكة قدس الإخبارية: على امتداد تاريخ القضية الفلسطينية والمقاومة ضد الاحتلال، برزت قضية الأسرى الفلسطينيين كواحدة من شواهد المواجهة المحتدمة، فيما كان الواقع الصعب لسجون الاحتلال أحد الدوافع للفصائل الفلسطينية لحمل قضية الأسرى على عاتقها والسعي الدائم لتحريرهم.
ومنذ انطلاقة الثورة الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي، اتسعت حملات الاعتقالات التي شنتها سلطات الاحتلال خاصة بعد احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، فيما ازدادت أعداد الأسرى الفلسطينيين على خلفية عملهم الوطني المقاوم، لتطفو قضية الأسرى على السطح، ويظهر مسمى الحركة الفلسطينية الأسيرة.

 

المجال الخارجي وتحرير الأسرى
افتتحت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية مسار تحرير الأسرى، عبر عمليات الخطف خارج فلسطين المحتلة، فيما برزت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعمليات خطف الطائرات التي تقل على متنها إسرائيليين، وقد تمكنت من تنفيذ عدة عمليات من هذا القبيل، وتحرير أسرى فلسطينيين مقابل الأفراج عن الإسرائيليين الذين تم أسرهم.
 وكانت أول عملية تبادل في تاريخ المقاومة الفلسطينية، صيف عام 1968، بعد أن اختطفت الشعبية طائرة للاحتلال تابعة لشركة "العال"، وتم إبرام الصفقة مع الاحتلال من خلال الصليب الأحمر الدولي، وأفرج عن الركاب مقابل 37 أسيرا فلسطينيا من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيين كانوا قد أسروا قبل العام 1967.

وأطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على جهازها المختص بعمليات خطف الطائرات اسم المجال الخارجي، بقيادة الشهيد وديع حداد، ونفذت العديد من عمليات خطف الطائرات حول العالم.

في 5 آذار/مارس عام 1975، تمكنت مجموعة عسكرية  لحركة فتح، من الوصول إلى ساحل "تل أبيب" بعد أن عبرت البحر بواسطة قوارب مطاطية لتقتحم فنقد "سافوي" الواقع في شارع "غؤولا " وسط المدينة واحتجزت عددا من المستوطنين في الطابق العلوي من الفندق الذي سيرتبط تاريخياً باسم " عملية سافوي".
طالبت المجموعة بعقد صفقة تبادل تفرج سلطات الاحتلال بموجبها عن مئات الأسرى الفلسطينيين مقابل الإفراج عن المستوطنين، وحاولت الواحدات الخاصة لجيش الاحتلال اقتحام الفندق، لتدور معركة عنيفة انتهت بعد أكثر من خمس ساعات من الاشتباكات بمقتل 8 مستوطنين و 3 جنود و استشهاد 7 مقاومين فلسطينيين، إضافة لنسف الفندق.

إضافة إلى عملية سافوي، وجه الشهيد خليل الوزير مجموعة عسكرية بقيادة الشهيدة دلال المغربي، وبذات الطريقة التي تسلل بها منفذو عملية سافوي، تسللت المجموعة ووصلت ساحل فلسطين المحتلة، واختطفت حافلة للمستوطنين وطالبت بعقد صفقة تبادل.

حاول جيش الاحتلال تحرير الحافلة، لتدور معركة ضارية أدت لمقتل 38 مستوطناً من المحتجزين واستشهاد معظم عناصر المجموعة.
وخلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، استطاعت مجموعة مشتركة بين حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، أسر ثمانية من جنود الاحتلال، فيما تمت عملية مبادلتهم على مرحلتين.
كانت المرحلة الأولى عام 1983 وقامت بموجبها حركة فتح بإطلاق سراح 6 من جنود الاحتلال الأسرى لديها، مقابل تحرير جميع أسرى معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم 4700 معتقل فلسطيني ولبناني، و 65 أسيراً فلسطينياً من سجون الاحتلال داخل فلسطين المحتلة.
بينما تمت المرحلة الثانية عام 1985 بعد إطلاق القيادة العامة سراح جنديين لديها، مقابل الإفراج عن 1155 أسيراً فلسطينياً كان من بينهم الشهيد المؤسس لحركة حماس الشيخ أحمد ياسين، والقائد العام السابق لكتائب القسام الشهيد صلاح شحادة، وعرفت الصفقة باسم "عملية الجليل".

 

حماس والخطف من داخل فلسطين المحتلة
كانت تجربة الاعتقال الأولى التي خاضها الشيخ أحمد ياسين والرعيل المؤسس لحركة حماس بين عامي 1983 – 1985، الحافز الأكبر لجعل قضية تحرير الأسرى على رأس أولويات حركة المقاومة الإسلامية قُبيل انطلاقتها رسمياً عام 1987 بمسمى حركة حماس، فيما وضع تحرير الأسرى كهدفٍ أول لأولى خلاياها العسكرية التي باشرت العمل بالتزامن مع الانتفاضة الحجارة.
ويُنقل عن الشيخ الشهيد أحمد ياسين رؤيته أن "الأسير يجب أن لا يمكث في الأسر أكثر من خمس سنوات"، في حين تكونت هذه الرؤية من خلال المرور بتجربة الاعتقال في سجون الاحتلال.
بشكلٍ سري، تبلورت الرؤية لتشكيل مجموعة عسكرية أُطلق عليها اسم المجموعة 101، وتكونت من الشهيد محمود المبحوح ومحمد نصار وعبد ربه أبو خوصة، فيما حمل مسؤولية تنظيمها محمد الشراتحة بالتنسيق مع الشهيدين أحمد ياسين وصلاح شحادة.
افتتحت المجموعة عملها في شهر شباط/فبراير عام 1989، عندما أسرت الرقيب بجيش الاحتلال "آفي ساسبورت" من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، ونقلته إلى داخل قطاع غزة، قبل أن يتم قتله ودفنه بمكان سري.
وأعادت المجموعة الكرة بعد ثلاثة شهور وأسرت الجندي "إيلان سعدون" بذات آلية، حيث تم قتله ودفنه داخل قطاع غزة، لكن الاحتلال استطاع كشف خيوط المجموعة ومطاردة عناصرها التي انتهت باعتقال الشراتحة والشيخ أحمد ياسين الذي حكم عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة بعد اتهامه بالإشراف على العمليتين.
ولعل الفارق بين تجربة حركة حماس وفصائل منظمة التحرير في تجربة الخطف والتبادل، هو عمل الأخيرة من داخل فلسطين المحتلة، وفي واقع أمني معقد تشكل بفعل انتشار جيش الاحتلال المكثف داخل المناطق الفلسطينية، فيما ارتكزت فصائل المنظمة على العمل في المجال الخارجي حول العالم.

 

الخطف.. مصدر السلاح
ووفق العديد من شهادات قادة وعناصر العمل العسكري في حركة حماس، فإن عمليات الخطف شكلت مصدراً هاماً للسلاح والذي كان يتم اغتنامه من الجنود، في ظل معضلة شح السلاح التي واجهتها الحركة لسنوات، في حين تعرض الشهيد صلاح شحادة لتحقيق عنيف في محاولات جهاز "الشاباك" معرفة مكان جثث الجنديين وأسلحتهما.
في عام 1992، تلقت إحدى المجموعات العسكرية لكتائب القسام، من القائد العام آنذاك الشهيد ياسر النمروطي، أوامر لاختطاف جندي من جيش الاحتلال وقتله واغتنام سلاحه.
وبالفعل تحركت الخلية بقيادة الشهيد جميل وادي، ونجحت باختطاف الجندي "آلون كرفاني" قرب بوابة معسكر البريج وسط قطاع غزة، وتمت عملية قتله واغتنام بندقيته، عام 1992.

 

الوحدة الخاصة والوفاء للشيخ أحمد ياسين
في مطلع التسعينيات، شكل الأسير المقدسي محمود عيسى مجموعة عسكرية بمبادرة ذاتية، ونجحت بتنفيذ عدة عمليات حرق لسيارات وبيوت المستوطنين بالقدس، قبل نجاحها بالاتصال مع قيادة القسام بالضفة الغربية، وأُطلق عليها اسم الوحدة الخاصة.
لم يكن قائد الخلية والصحفي محمود عيسى في حينها يعلم أن تغطيته لفعالية تضامنية مع الأسرى، ستغير رؤيته ومسيرته، لتصبح قضية تحريرهم هاجسه الدائم، وفي كانون أول/ديسمبر 1992، كانت الفكرة قد نضجت برأس عيسى الذي طرحها على أعضاء الخلية، في حين بدأت الأعضاء بترتيبات العملية.
انطلقت الخلية من بلدة عناتا شمال شرق القدس نحو مدينة اللد المحتلة، بحثًا عن جندي أو ضابط يكون هدفًا للأسر، وخلال تجواله في المدينة كان الرقيب أول بجيش الاحتلال "نسيم توليدانو" هو الفريسة، وبعد أن انقض عليه أفراد الخلية أثناء محاولته قطع الشارع أدخلوه في المركبة ونجحوا بنقله إلى المخبأ السرّي، رغم محاولاته للهروب والمقاومة.
فور نجاح العملية، أصدرت الوحدة الخاصة بياناً تبنت به العملية، وطالبت بالإفراج الشيخ أحمد ياسين، مع تحديد مهلة زمنية من 6 ساعات لرضوخ حكومة الاحتلال وإجراء الصفقة، وبعد انتهاء المهلة، قتلت الخلية "توليدانو" وألقت جثته في أحد شوارع القدس، وأُطلق على العملية اسم الوفاء للشيخ أحمد ياسين.

 

خطف الحافلة رقم 25
في صيف عام 1993، نفذت كتائب القسام عملية اختطاف ضخمة، عندما نجحت إحدى خلاياها باختطاف حافلة للمستوطنين في مدينة القدس.
أحكم الشهيدين ماهر أبو سرور ومحمد الهندي برفقة صلاح عثمان، السيطرة على الحافلة، وطالبوا بالإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين، فيما حاصرت شرطة الاحتلال الحافلة ودارت اشتباكات مسلحة مع المقاومين، أُصيب على إثرها صلاح عثمان بجراحٍ خطيرة وتمكن الهندي وأبو سرور من الانسحاب.
خلال الانسحاب سيطر الشهيدان على سيارة أخرى تقل مجندة من جيش الاحتلال، واختطفوها، قبل أن تقصف طائرات الاحتلال السيارة قرب بيت لحم، ما أدى لاستشهاد المقاومين ومقتل المجندة.

 

الوحدة المختار 107 واستكمال المهمة
في عام 1993 وبعد جهود وتنسيقات مشتركة بين قيادة القسام في غزة والقدس، تشكلت مجموعة جديدة حملت اسم الوحدة المختارة 107، وبدأت بوضع خططٍ لعمليات خطف جنود من جيش الاحتلال.
يوم 20 نيسان/ إبريل 1993 انطلقت مركبة تقل عناصر الوحدة، وهم طارق أبو عرفة راغب عابدين، وأيمن أبو خليل، وقرب مستوطنة "كريات ملاخي" المقامة على أراضي بلدة قسطينة المهجرة، نجحت الخلية في خطف الجندي "شاهار سيماني"، بعد أن توقفت له وأوهمته أنها تريد إيصاله إلى المكان الذي يريد.
خلال عملية نقل الجندي جرى عراك بينه وبين المقاومين، الذين أجهزوا عليه ودفنوه في أحراش بلدة بيت حنينا، شمال قدس المحتلة.
واصلت الوحدة عملياتها التي كانت بغالبها عمليات إطلاق نار، وكان أبرزها استهداف منزل رئيس وزراء الاحتلال السابق "آرائيل شارون" وُقتل بها أحد عناصر حرسه.
وفي عام 1994، نجحت قيادة القسام المكونة من: محمد ضيف، والشهداء يحيى عياش وصلاح الدين دروزة وسعد العرابيد، بالتخطيط لعملية اختطاف جندي من جيش الاحتلال بشكلٍ معقد.
أوكلت قيادة الكتائب الوحدة التي ضمت الشهداء: حسن النتشة، وعبد الكريم بدر، وزكريا نجيب، وصلاح جاد الله، والأسير المحرر جهاد يغمور مهمة تنفيذ العملية وتأمين مكان لإخفاء الجندي قبل الإعلان عن أسره والتفاوض عليه.
أتمت الوحدة المهمة باختطافها الرقيب بجيش الاحتلال "ناحشون فاكسمان" واحفظت به حياً في أحد المنازل ببلدة بير نبالا شمال غرب القدس، وطالبت كتائب القسام بالإفراج عن الشيخين صلاح شحادة وأحمد ياسين إضافة لأكثر من 200 أسير من مختلف الفصائل وكافة الأسيرات والقياديين بحزب الله مصطفى عبيد وعبد الكريم الديراني، مع منح مهلة زمنية لحكومة الاحتلال مدتها 3 أيام وإلا سيتم تصفية الجندي.
في اليوم الأخير للمهلة، كشفت مخابرات الاحتلال خيوط الخلية واعتقلت جهاد يغمور الذي تعرض لتعذيب وحشي مكن الاحتلال من معرفة مكان احتجاز "فاكسمان".
على الفور دفعت حكومة الاحتلال وحدات جيشها الخاصة، وعلى رأسها قوة "سيريت متكال" لاقتحام المنزل وتحرير "فاكسمان"، لكن الخلية قتلت الجندي قبل وصول الاحتلال له، وخلال الاشتباك قتل قائد القوة المقتحمة وأصيب أكثر من 10 جنود، واستشهد حسن النتشة، وصلاح جاد الله، وعبد الكريم بدر.
وخلال عام 1995 نجحت خلية صوريف باختطاف الجندي "شارون آدري" وقتله ودفنه، قبل أن يتم اعتقال أفراد الخلية، والوصول لمكان جثة الجندي.

 

أول الغيث والوهم المتبدد
في عام 2006، تمكنت إحدى خلايا كتائب القسام في منطقة رام الله، من أسر الضابط في استخبارات الاحتلال "ساسون نورائيل" والاحتفاظ به حياً في منطقة رام الله.
ضمت الخلية المقاومين: علي القاضي، ومحمد الرمحي، وسعيد عرار، وسعيد الشلالدة، وعبد الله عرار.
بعد حملة اعتقالات واسعة قتلت الخلية الضابط وألقت به في مكان ببلدة بيتونيا غرب رام الله قبل أن يتم اعتقال أفرادها، وسميت العملية باسم أول الغيث.
في 25 حزيران/ يونيو 2006 خرجت خلية مشتركة من كتائب القسام وألوية الناصر صلاح الدين وجيش الإسلام، من بطن الأرض، باستخدام نفق استغرق حفره عدة شهور، ليخرج من فوهته المقاومون ويهاجمون قوات الاحتلال في معبر كرم أبو سالم جنوب القطاع.
نجحت الخلية من تفجير دبابة لجيش الاحتلال والإجهاز على جنديين، ثم اختطاف الجندي "جلعاد شاليط" من داخل دبابته، ثم الانسحاب به إلى داخل قطاع غزة، والاحتفاظ به حياً لخمس سنوات متواصلة.
خلال عام 2009، نجحت المقاومة بتحرير 20 أسيرة من سجون الاحتلال بعد بثها مقطع فيديو يتكون من دقيقتين ونصف يثبت أن "شاليط" على قيد الحياة، وبعد مفاوضات طويلة بقيادة كتائب القسام، نجحت بعقد صفقة وفاء الأحرار عام 2011، والتي تحرر بموجبها 1027 أسير فلسطيني.

 

استكمال المسير وحمل الأمانة
لم تكن صفقة وفاء الأحرار آخر عهد المقاومة بالمحاولات لتحرير الأسرى الفلسطينيين، بل فاتحةً جديدة لاستكمال المسير، وتأدية الأمانة التي حملها قادة المقاومة بعد تحررهم وعلى رأسهم الشهيد يحيى السنوار، الذي تعهد مراراً وتكراراً بتحرير الأسرى.
في عام 2014 تمكنت خلية لكتائب القسام في الخليل من اختطاف 3 مستوطنين وقتلهم ودفنهم، وبعد شهور شن الاحتلال عدواناً على قطاع غزة، تمكنت خلاله المقاومة من أسر 4 جنود من جيش الاحتلال.
مع بدايات معركة "سيف القدس" في أيار/ مايو 2021، كانت مجموعة من 18 مقاتلًا تابعين لكتائب القسام داخل نفق على الحدود مع الأرض المحتلة عام 1948 تستعد لتنفيذ عملية أسر جديدة تتم صفقة تبادل تحرر بموجبها الأسرى، قبل انطلاق العملية استهدف طيران الاحتلال النفق واستشهد المقاومين جميعًا.
وعلى ذات المبدأ التي حملته كتائب القسام منذ تأسيسها وتناقلته عبر مسيرتها المقاومة، انطلقت نخبتها يوم 7 تشرين أول/أكتوبر 2023 بطوفان الأقصى لتحرير الأرض وتبيض سجون الاحتلال، وهو ما يتم هذه الأيام.

#الأسرى #قطاع غزة #المقاومة