شبكة قدس الإخبارية

من السجون إلى الشهادة.. هكذا حمل المحررون راية المقاومة

WhatsApp Image 2024-12-04 at 9.37.09 PM

خاص - شبكة قدس الإخبارية: في ساعات الظهيرة من يوم الجمعة الماضي 29 تشرين ثاني/نوفمبر، تغيب الإمام والأسير المحرر سامر حسين، عن مسجده في قرية عينابوس جنوب نابلس، في حين تساءل رواد المسجد عن إمامه. كانت خطى الإمام ترسم رحلتها نحو الثأر ثم الخلود، ليرتقي برتبته من أسير محرر إلى شهيد بعد أن نفذ عملية إطلاق نارٍ أوقعت 9 جرحى في صفوف جيش الاحتلال والمستوطنين.
الشهيد حسين البالغ من العمر 46، كان قضى في سجون الاحتلال عامين من عمره، واعتقل عدة مرات في سجون السلطة الفلسطينية، على خلفية انتمائه الفلسطيني المقاوم، لكنه مضى في خياره وانتمائه من السجون إلى المحراب ثم إلى الشهادة.
لم يكن الشهيد حسين أول الأسرى الذين استكملوا مسيرتهم في المقاومة بعد التحرر من الأسر، بل هو واحد من آلاف الحالات على امتداد التاريخ الفلسطيني، يحمل عشرات الأسرى المحررين على عاتقهم مسؤولية قتال الاحتلال،  كما حملوها قبل الاعتقال، مؤكدين إصرارهم على خيار المقاومة والحرية، ليشكلوا بذواتهم ديمومة من العمل العسكري ضد الاحتلال على مدار السنوات الماضية.

منذ نشأة الحركة الأسيرة الفلسطينية بعد عام 1967، امتلأت سجون الاحتلال بالفلسطينيين من مختلف الأعمار، بتهمة الانخراط بمقاومة الاحتلال، أو التخطيط لأعمال مقاومة، وعلى مدار عقود تحرر الآلاف من الأسرى، إما بصفقات التبادل المختلفة، أو بعد انتهاء محكومياتهم.

 

السجون.. المراد منها الردع والواقع إصرار
تعتبر السجون إحدى وسائل العقوبات حول العالم، والمقصود من العقوبة تحقيق الردع، ومن ذات المبدأ انطلقت سلطات الاحتلال بعد إحكام سيطرتها على فلسطين المحتلة، وانطلاق الثورة الفلسطينية، في حين يرى الاحتلال الاعتقالات والسجون أحد أساليب العقوبة للإنسان الفلسطيني، وثنيه عن قرار المقاومة، ثم كسر معنوياته وإرادته من خلال برامج من التعذيب والاضطهاد النفسي والجسدي.
خلال سنوات الثمانينات، تحرر مئات الأسرى من سجون الاحتلال، لينخرطوا مباشرةً بالمقاومة، فيما أصبح العشرات منهم من قادة الانتفاضة الأولى التي انطلقت عام 1987، ثم من مؤسسين في الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية، كالشهيد عادل عوض الله أحد مؤسسي كتائب القسام، والشهيد عرفات الخواجا، من مؤسسي القوى الإسلامية المجاهدة (قسم)، الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي آنذاك، إضافة لعشرات الشخصيات من مختلف الفصائل التي سارت بذات المسار.
ومع انطلاق انتفاضة الأقصى عام 2000، ارتكز النشاط المقاوم، على الأسرى المحررين لما يتسمون به من حُسن قيادة وتجربة واسعة، فكان الشهيد رائد الكرمي في طولكرم المؤسس والقائد الفعلي لكتائب شهداء الأقصى في المحافظة، وقد سبق له أن اعتُقل 4 سنوات في سجون الاحتلال خلال التسعينيات، والشيخ رياض بدير أحد قادة الجهاد الإسلامي وسرايا القدس، الذي قضى سنوات عدة بالسجون.

 

الأسرى والسبيل الذي لم ينقطع
خلال السنوات الحرجة التي أعقبت انتهاء انتفاضة الأقصى، ومحاولات اجتثاث المقاومة في الضفة الغربية، من قبل الاحتلال والسلطة الفلسطينية، كان الأسرى المحررون رواد المعادلة التي حاولت كسر مشاريع التصفية للقضية الفلسطينية ومقاومتها، فخلال عام 2010 تحرك الأسير المحرر نشأت الكرمي بتأسيسه خلايا لكتائب القسام في الضفة الغربية، جل عناصرها من الأسرى المحررين، ونفذت سلسلة عمليات عسكرية سُميت بـ"سيل النار"، وأوقعت 4 قتلى من المستوطنين وعدة جرحى بعمليات إطلاق نار نُفذت بمحافظتي الخليل ورام الله، وفي أعقاب ذلك كُشفت الخلايا، ليتم اعتقال كافة عناصرها، باستثناء الكرمي ومأمون النتشة، والذين استشهدا بعد اشتباك مسلح عنيف ضد قوات الاحتلال في الخليل، وكان الكرمي قدة قضى في سجون الاحتلال نحو 7 سنوات.
ولم تختلف مسيرة الشهيد محمد عاصي عن سيرة نشأت الكرمي وغيرهم من الشهداء الأسرى كثيراً، فقد قضى في سجون الاحتلال ما مجموعه 4 سنوات نصف، وفور تحرره من الاعتقال نشط بشكلٍ سري في إحدى خلايا المقاومة، التي نجحت بتنفيذ عملية تفجير حافلة إسرائيلية في تل أبيب رداً على اغتيال الشهيد أحمد الجعبري والعدوان على غزة عام 2012، ارتقى عاصي شهيداً بعد مطاردة استمرت قرابة عام، مُشتبكاً مع قوات الاحتلال التي حاصرته في جبال ريف رام الله عام 2013.
ويمكن القول، أن غالبية المجموعات المقاومة التي نشطت في الضفة الغربية بين أعوام 2010 – 2021، أشرف عليها أسرى محررون، كمجموعة الشهيد الأسير بسام السايح التي نفذت عملية الثأر لعائلة دوابشة عام 2015، وقتلت اثنين من المستوطنين قرب مستوطنة "إيتمار" المقامة على أراضي نابلس، فيما كان أعضاء الخلية أسرى محررين، وقائدها الشهيد بسام السايح قضى سنوات عدة في سجون الاحتلال، كان آخرها السنوات الأربع التي ارتقى شهيداً بها عام 2019 ولا زال جثمانه محتجزاً.

 

الأسرى والمرحلة الجديدة في الضفة الغربية

شهدت الضفة الغربية منذ منتصف عام 2021، واقعاً جديداً، فنفضت معركة سيف القدس غبار السنين الماضية، من المحاولات المشددة لإخضاع الفلسطينيين فيها، تمثلت المرحلة بتشكل مجموعات للمقاومة في محافظة جنين، ثم نابلس، ثم طولكرم، ليجد عشرات الأسرى المحررين الذين يسكنون هذه المحافظات الفرصة الأبرز لترتيب أوراق المقاومة في الضفة والانطلاق بعد سنوات من التغييب القسري.
في نابلس، كان الشهيد أدهم مبروكة "الشيشاني" أحد مؤسسي حالة المقاومة العسكرية فيها والذي تعرض للاعتقال عدة سنوات في سجون الاحتلال، وفي طولكرم نشط الشهيد سيف أبو لبدة بعد تحرره من الأسر، وفي جنين شارك الأسير المحرر دواد الزبيدي بشكلٍ محوري في إعادة نشاط كتائب شهداء الأقصى للمقاومة، إضافة للشهيد عبد الله الحصري من سرايا القدس، والذي استشهد مشتبكاً بعد 6 شهور من الاعتقال الذي غيبه 3 سنوات في السجون.
ولا تنحصر التجربة في شمال الضفة الغربية فقط، بل نفذ محررون من باقي المحافظات عمليات عسكرية، كالشهيد مجاهد النجار من بلدة سلواد شرق رام الله، والذي قضى في سجون الاحتلال مجموع 9 سنوات، ثم استشهد بعد تنفيذه عدة عمليات إطلاق نار استهدف بها مستوطنة "عوفرا" قرب بلدته، وسيارات المستوطنين قرب بلدته في أواخر عام 2022. ولا يمكن جمع كافة المحاولات والجهود الذي بذلها الأسرى المحررون، بل سنتذكر في هذه المادة أكبر عددٍ منهم.

 

طوفان الأقصى واستكمال المسير
بعد انطلاق معركة طوفان الأقصى في 7 تشرين أول/أكتوبر 2023، استمر الأسرى المحررون بمسارهم النضالين فكان أولهم الشهيد علاء شريتح من طولكرم، والذي شكل خلية عسكرية نفذت عدة عمليات، أبرزها قتل ضابط في جيش الاحتلال قرب قرية بيت ليد، وعملية إطلاق نار استهدفت حافلة للمستوطنين شرق قلقيلية، وكمين عبوات ناسفة وقع به جنود الاحتلال.
كان الشهيد علاء شريتح أحد المقاومين الذين تم اعتقالهم خلال انتفاضة الأقصى، وحُكم عليه بالسجن 16 عاماً، قضاها متنقلاً في سجون الاحتلال، ثم استشهد في معركة حقيقية دارت في بلدة دير الغصون شمال طولكرم، استشهد بها شريتح برفقة الأسرى المحررين: عدنان سمارة وأسال بدران، إضافة للشهيد تامر فقهاء.
وفي محافظة رام الله، نفذ الأسير المحرر والشهيد محمد رسلان عبده، عملية اقتحام لإحدى البؤر الاستيطانية قرب قرية كفر نعمة، وأحرق فيها منزلا، فيما استشهد في عملية اغتيال داخل قريته كفر نعمة، برفقة الشهداء: وسيم زيدان، محمد جابر، ورشدي عطايا.
وخلال حرب الإبادة على قطاع غزة، ارتقى كوكبة من الأسرى المحررين بمواجهة مباشرة مع جيش الاحتلال، كالشهيدين زكريا نجيب وفادي الدويك، وهما من محررين صفقة وفاء الأحرار. يُضاف إلى هذه الأسماء اسم الشهيد يحيى السنوار، الذي قاد المقاومة بعد 25 عاما من الأسر واستشهد مقاتلاً كإخوانه الذين شاركوه رحلة الأسر، ثم أكملوا معه درب المقاومة.

#سجون الاحتلال #الضفة الغربية #سيف القدس #طوفان الأقصى