بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله والاحتلال اليوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024، والذي أوقف جولة من القتال على الحدود اللبنانية والتي استمرت ما يُقارب 13 شهراً، برزت تساؤلات حول تأثير هذا التطور على الوضع في غزة. الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، تناول هذه القضية في خطابه الأخير، مبرزًا دور المقاومة اللبنانية وعلاقتها بالمقاومة الفلسطينية.
وأكد نصر الله أن جبهة لبنان وغزة مرتبطتان بشكل وثيق، مشيرًا إلى أن حزب الله تدخل عسكريًا بعد 7 أكتوبر لدعم الشعب الفلسطيني، ومساندة قطاع غزة في مواجهة العدوان الذي يشنه الاحتلال. وشدد في خطابه على أن المقاومة اللبنانية لن تتخلى عن غزة وستظل مستعدة لأي طارئ.
ومن خلال الرسائل السياسية التي كان في خطابة الأخير يرسم معالمها قال نصر الله أن صمود غزة في الحرب الأخيرة أضعف معنويات جيش الاحتلال، وخفض سقف أهدافه الاستراتيجية تجاه لبنان. كما أشار إلى أن المقاومة في غزة قدمت نموذجًا للصمود، ما ساهم في حماية لبنان من تهديدات أكبر.
وكان نصر الله يعتبر أن أي تهدئة دائمة في غزة قد تفتح المجال لإعادة ترتيب الأولويات على مستوى محور المقاومة، مؤكدًا أن ما ترضى به الفصائل الفلسطينية، خاصة حماس، يمثل قاعدةً لقرارات المقاومة في لبنان أيضًا.
وقبل الذهاب عميقاً، علينا هنا القول: غالباً تُستخدم الهدنة العسكرية لترتيب الصفوف أو إعادة التموضع، أو لإعادة ترتيب القوى لاستئناف القتال، وفي التاريخ حدثت هدنة عيد الميلاد عام 1914خلال الحرب العالمية الأولى، حيثُ توقفت القتال بين القوات البريطانية والألمانية في الجبهة الغربية مؤقتًا للاحتفال بعيد الميلاد.
وبالعودة إلى صلب الموضوع، أثارت الهدنة ما بين حزب الله والاحتلال تساؤلات حول ما إذا كانت الأخير سيستغل وقف إطلاق النار مع حزب الله للتركيز عسكريًا على غزة. إذ تقارير الاحتلال أشارت إلى أن الاحتلال يُخطط لمواصلة الضغط على القطاع لتحقيق أهداف عسكرية وسياسية لم تتحقق خلال المواجهات الأخيرة، ولكن هذه التقارير اعتقد لم تخرج من سياق زرع بذور الفتنة ما بين الجبهتين بالدرجة الأولى، فالاحتلال على طوال سنوات الصراع المستمرة منذ عام 1948 بالحد الأدنى يعتاش على قاعدة "فرق تسد"، والأهم اعتقد أن لدى محور المقاومة قراءة دقيقة لمفهوم السم بالعسل.
لا شك أن الحرب في غزة خلفت دمارًا هائلًا، مع استشهاد عشرات الآلاف ونزوح أعداد كبيرة من السكان. بالإضافة إلى سياسة التجويع، ومنع دخول المساعدات، وتدمير البنى التحتية لكافة مرافق الحياة، وإغلاق المعابر، ولكن قدرة المقاومة الفلسطينية على الصمود في ظل الوضع الإنساني الكارثي يجعل من الانتصار حتمي بطبيعة الحال، بينما يبقى التنسيق مع حزب الله ومجمل محمور المقاومة عاملًا رئيسيًا في دعم غزة لتحقيق الانتصار.
إذن، تصريحات نصر الله في خطابة الأخير والذي كان يتناول فيه أجهزة البيجر، تُشير إلى أن المقاومة اللبنانية تظل مستعدة لأي تصعيد، وأن الدعم لغزة لن يتوقف سواء على المستوى العسكري أو السياسي. هذا يُبرز عمق الترابط بين الجبهتين في مواجهة الاحتلال، مع استمرار التحديات الإنسانية والسياسية التي تواجه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
ويعني ذلك أن غزة ليست وحدها سياسيًا أو استراتيجيًا، على الرغم أنها عمليًا تواجه معظم العبء العسكري بمفردها حاليًا، ولكن الحراك الإقليمي، بما في ذلك المواقف المعلنة من حزب الله ودول أخرى مثل إيران، يضع الاحتلال تحت ضغط متعدد الجبهات.
ومن جديد، إن الهدنة مع حزب الله ليست نهاية التضامن مع غزة. حيثُ تعتمد المرحلة المقبلة على قدرة المقاومة الفلسطينية على استثمار الدعم السياسي واللوجستي من حلفائها لمواصلة الصمود. في خطابه الأخير، أكد حسن نصر الله أن غزة ليست وحدها، وأن جبهة لبنان ستظل جاهزة لدعم الشعب الفلسطيني. وشدد على أن المقاومة في غزة تمثل محور النضال، وأن ما يجري هناك له تداعيات مباشرة على الوضع الإقليمي، ولا ننسى هنا أن حزب الله يمثل عاملًا رئيسيًا في تعزيز قدرة المقاومة على الصمود. يشمل هذا الدعم تمويلًا، وتدريبات، وتوريد أسلحة والخطط العسكرية، ولا ننسى هنا أن هذا الدعم بالدرجة الأولى كان لهُ الدور في تحقيق أهداف معركة طوفان الأقصى.
وأخيراً، قال نصر الله في خطابة المذكور: الحرب طوال التاريخ هي سجال، يوماً لنا من عدونا، ويوما لعدونا منا، ويوم نُساء ويوم نُسر"، والأهم يمكن لنا هنا العودة إلى ما قاله أيضاً نصر الله في خطابة الأول ما بعد السابع من أكتوبر، إذ قال: " بعد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود مع الاحتلال الجميع اتهمنا أننا قمنا بالتطبيع والاستسلام، وجاءت طوفان الأقصى لتدحض هذه الأكاذيب ميدانياً"، وعليه اتخذ حزب الله قرار تكتيكي عبر الهدنة مع الاحتلال، وهذا لا يعني الاستسلام أو الهزيمة، وإذا كان هذا السياق منطقي لكانت جميع اتفاقيات الهدنة مع المقاومة الفلسطينية هي بمثابة استسلام منذ عام 2008 حتى معركة طوفان الأقصى.