شبكة قدس الإخبارية

الاحتلال يتجرع من كأس عملية ميونخ على مدرجات أوروبا

الاحتلال: يتجرع من كأس عملية ميونخ على مدرجات أوروبا
ثائر أبو عياش

شكلت معركة طوفان الأقصى مفصلًا وجوديًا في تاريخ الاحتلال، وإعادته إلى مأزق الفكرة التي يُحاول تثبيتها في فلسطين المحتلة، حيثُ ضربت المقاومة أعمدة النموذج الفكري للمشروع الصهيوني، وكان من أهم أبواب الجحيم التي فُتحت عليه بعد تلك المعركة، هو خروج الرفض من علبه الرفض الصامت إلى الرفض العلني لدى شعوب العالم، وتحديدًا شعوب أوروبا، إذ واجه "الصهيوني"  مأزق التقبل لدى رجل الشارع الأوروبي، وليست أحداث أمستردام، وباريس إلا نموذجًا حقيقيًا، وواقعيًا، وذو بعد أخلاقي وانسانيلما نتحدث، وخصوصًا بعد مشاهد الإبادة والمجازر التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة، وكانت هذه المشاهد دليلًا على وحشية الاحتلال، وسحق العدالة، فتلك المشاهد قامت بإلقاء صخرة ضخمة جدًا داخل المياه الراكدة في ضمائر جزء كبير من شعوب العالم.

على عتبات التاريخ اعادت أحداث أمستردام الاحتلال إلى عملية ميونخ في عام 1972 التي نفذتها مجموعات أيلول الأسود، وأكدت أكثر أن الاحتلال سيبقى يتجرع من كأس التاريخ، والأهم إذا كان يعتقد أن الرياضة يُمكن لها أن تكون مدخلًا للقبول في العالم، فالشعوب الحرة أغلقتها عبر الرفض، وبذلك لم تنجح الحيل لخلط العمل السياسي عبر الكُرات المتدحرجة بين أقدام اللاعبين، وهُزمت فكرة "الصهيونية" من بوابة الرياضة عبر الكرت الأحمر الذي رفعتهالجماهير المتضامنة مع الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال.

إذن، من جديد تعرضت الفكرة "الصهيونية" لمأزق وجودي، القصد مأزق الطراز الأوروبي للشخصية "الصهيونية"، تلك الشخصية التي جمعت ما بين القتل، والمجازر، والابادة، وما بين الشخصية التي تُمارس الرياضة، ولكن في قرن الذكاء الاصطناعي، والشبكة العنكبوتية، والتطور التكنولوجي، يُصبح كل شيء واضح، فمشاهدة أجساد الأطفال تحت الركام، والقنابل العنقودية تفتك بالنساء والرجال في غزة لا يُمكن لملعب رياضي أن يجعلها مشاهد طبيعية، وعليه أصبحت الفكرة التي تحدثنا عنها يتم مُطاردتها في كل مكان.

وفي ذات السياق، حاول رئيس الموساد "الإسرائيلي تأمين المباراةالتي جرت في باريس بعد أحداث أمستردام، ولربما هنا لم يكن يبحث الاحتلال فقط عن الحفاظ على حياة لاعبيه، ومشجعيه المنتخب "الإسرائيلي"، وعدم تكرار أحداث التاريخ، بل كان يبحث عن عدم الرفض، وأن تُصبح الشخصية "الصهيونية" قادرة على الاندماج في الدول دون أي صدامات مع شعوب تلك الدول، وخصوصًا أن الشخصية "الصهيونية" كانت تعيش مأزق حقيقي في الدول الأوروبية قبل احتلال فلسطين كما تحدث "تيودور هيرتزل" في كتابه "الدولة اليهودية"، وكيف كانت تلك الشخصية ترفض الاندماج في المجتمعات الأوروبية، والأهم عزلها داخل ما يُعرف "بالغيتو".

على غرار ما سبق، قام الاحتلال على مدار تاريخ الصراع باستهداف اللاعبين الرياضيين، أو بشكلٍ أوسع استهداف الرياضة الفلسطينية، ويُمكن هنا أن نتحدث عن أكثر من 400 شهيد رياضي في غزة ما بعد معركة "طوفان الأقصى"، وتدمير 70% من الأندية والملاعب خلال هذه المعركة، وبطبيعة الحال الاستهداف سواء ما قبل السابع من أكتوبر/ تشرين 2023، أو حتى ما بعد، ليس مجرد ضربات عشوائية، بل هو استهداف بنيوي ممنهج لحياة الشعب الفلسطيني على كافة المستويات، ومحاولة يائسة لتدمير الاحلام والرغبات للشباب الفلسطيني، وتحديدًا في السياق الرياضي، وأكثر يُحاول الاحتلال اجراء أكبر عملية اسقاط تاريخي على الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال منع هذا الشعب بأن يكون مقبولًا لدى العالم.

من زاوية ليست بعيدة عما سبق، حاول الصحفيين "الإسرائيليين" أمثال رون بن شاي، وأميت سيجال، ورونين بريجمان، وأومري أرينتال...، استثمار احداث أمستردام وباريس لتشوية الفلسطينيين، وأكثر تشويه كل من يُناصر القضية الفلسطينية، تحت بند "معاداة السامية"، وأيضًا البدء بالبكاء، والعزف على وترالضحية، وتذكير العالم بمذابح اليهود في أوروبا، والأخطر هنا هو ما قاله الصحفي أريتنال في مقاله على صحيفة "يديعوت احرنوت" العبرية، إذ يقول: " يتعين علينا كدولة أن نتحرك بكل الوسائل المتاحة لنا، وأن نقدم عمليات ومبادرات ليلة الكريستال 2024 إلى العدالة،كما حدث بعد مذبحة الرياضيين في ميونيخ عام 1972، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي سيعرف بها كارهونا أن أي هجوم على الإسرائيليين في أي مكان في العالم لن يمر دون رد".

إذ ما جرى بعد عملية ميونخ 1972، هو إصدار غولدا مائير التي كانت رئيسة وزراء "إسرائيل" إذناك لائحة اغتيالات باسم "عملية غضب الرب"، طالت العديد من القيادات الفلسطينية، أمثال وائل زعيتر الذي تم اغتياله داخل روما في 16 أكتوبر 1972، ومحمود الهمشري والذي تم اغتياله في فرنسا في 8 ديسمبر 1972، والأهم اغتيال علي حسن سلامة الملقب بـــــ "الأمير الأحمر" والذي تم اغتياله داخل بيروت في 22 يناير 1979 وقد كان يُعتبر سلامة رجل الآمن الأول في منظمة التحرير في تلك الحقبة، ورئيس جهاز الأمن الخاص لياسر عرفات.

يُمارس الاحتلال سياسة الكيل بمكاليين، وهذا من نافلة القول، ولكن يبرز على السطح هنا صراع الروايات من جديد، وصراع الأفكار، ولكن علينا أنّ نُدرك لا يُمكن الجمع ما بين المجزرة وكرة القدم، وما بين الإبادة والملعب الرياضي، ولكن لربما ينجح الأمر عبر سياسة الخداع لفترة من الزمن، تلك السياسة التي قال عنها "موشيه شاريت" ثاني رئيس وزراء "إسرائيلي"، إذ يقول: " "لقد تعلمت أنه لا يمكن حكم دولة إسرائيل في جيلنا دون الخداع والمغامرة"، ويبقى السؤال هنا: إلى متى ستبقى سياسة الخداع قادرة على الاستمرار وخصوصًا من بوابة الرياضة في ظل انتشار مشاهد الإبادة والمجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزة؟