بعيدا عن حكايات من يسافر يوميا ويتنقل على الحواجز لدواعي العمل أو الدراسة، فإن صاحب التجربة القليلة جدا بالسفر والتنقل من وإلى نابلس عبر حواجزها المتعددة والمنتشرة في كل جنباتها، له انطباعات تشبه المغامرة والمخاطرة وأحيانا النصيحة بعدم التجربة، والندم على إقدامه على خطوة السفر والتنقل.
قبيل الليلة التي تسبق نهار السفر تكثر الأسئلة والاستفسار حول مسار السفر وكيفية التعامل على الحواجز، ومن الحاجز الأكثر مرونة وأقل صعوبة، وغالبا لا تحسم الإجابات، لعدم وجود معايير ثابتة للتعامل على الحواجز، كما لا تحسم إجراءات تنظيف جهاز الخلوي من قنوات الواتس والتليجرام، لان البعض أشار إلى أن الجنود أضحوا على معرفة بكيفية كشف البرامج المخفية وما تم حذفه.
جانب آخر من الاستخارة واستشارة الأهل والميل دوما بعدم التنقل إذا ما كانت ضرورة ملحة، والنصيحة بعدم المغامرة لمن له تجربة اعتقال سابقة، لأنها قد تسبب لصاحبها معالة قاسية وفي بعض الأحيان الاعتقال والاحتجاز لأيام او ساعات أو الاعتقال لفترة طويلة.
مع انعقاد النية للسفر الداخلي من نابلس المحاصرة لرام الله، يخلد المرء للنوم وأفكاره تلازم الحدث القادم، حتى يبزغ الفجر وتبدأ الاستعدادات بمتابعة المجموعات التي تتابع اخبار الطرق والحواجز، وتتنقل من مجموعة لأخرى، وأحيانا تضطر للاتصال هاتفيا مع اعلامي أو اكثر، وتستمع للإذاعات المحلية من أجل معرفة تفاصيل حالة الطرق.
ما أن تصل إلى مجمع المركبات العمومية وتصل المركبة حتى تبادر السؤال للسائق أي طريق ستسلك، فيكون الجواب حسب لحظة الانطلاق قد يتغير المسار، فما أن امتلت المركبة بالركاب السبعة، حتى أجرى السائق اتصالاته فأبلغه زميله أن طريق المربعة "ازمت" واخر ان طريق عورتا على شاكلتها، فكان الخيار طريق دير شرف وهي الابعد وأبلغ الركاب أن تكلفة السفر تزيد بذلك من 23 شيكلا للراكب إلى 26 شيكلا، وتم ذلك دون نقاش.
كانت الطريق ميسرة عبر حاجز دير شرف الذي شهد بالأمس إرتقاء شاب من نابلس، وكان ذلك حديث الركاب لدى مرورهم بنفس المقطع من الحاجز، ولكن كانت المفاجئة بعد إجتياز بضع دقائق حتى كانت الطريق الالتفافي بإتجاه مفترق جيت مزدحمة والسير فيها بطىء للغاية ، وكانت الصور لهذا المقطع تتداول على مجموعات الواتس والتليجرام، حتى تم الوصول الى الشارع الجديد في حوارة والانطلاق إلى رام الله دون معيقات عبر طريق عين سينا والجلزون، ومن ثم اختراق مداخل البيرة ورام الله وصولا إلى قلب المدينة.
عند الترجل في شارع المنارة ودوار الأسود تشعر كأنك خارج من سجن محاط بالحواجز والمكعبات والبوابات الى عالم اخر يسمع بها، ومن غاب عن رام الله عاما تقريبا أضحى يشاهد مجمعات تجارية جديدة وأحياء سكنية ما تزال تصعد هنا وهناك.
رغم الشعور بالارتياح للوصول بعد عناء ساعتين ونصف تقريبا يبدأ التفكير كيف ستكون العودة، وتزداد الاتصالات للاطمئنان عن الوصول، والدعوة لك ان تتيسر العودة ايضا، والكل على المتابعة والابلاغ عن أي جديد بخصوص الحواجز.
وكما كان الانطلاق لا يعرف السائق أي مسار يسلك هل المربعة أم دير شرف أم عورتا حتى وصل أطراف نابلس ووصلته التعديلات الجديد أن الأفضل عورتا، وبالفعل عند الوصول للبلدة كان طابور المركبات على مدخلها، ومرت ساعة تقريبا والمركبات تسير ببطيء حتى جاء الدور، وتم اجتيار الحاجز، وتبين أن طابورا آخر طويلا في الجهة المقابلة، ولم يعكر السير سوى المتجاوزين للدور الذين تلقوا شتائم من الجميع,
خلال اجتياز الطريق من رام الله لنابلس ولطول المسافة فإن بعض الحكايات تسمعها قسرا، فإحدى الراكبات تواصل تلفونيا مع صديقة لها لأكثر من نصف ساعة، وكانت الحكاية موضوع عائلي، وتحول إلى مادة علنية سمعها كل من في المركبة.
ما أن تصل إلى بيتك حتى تتلقى تهاني بالعودة سالما من الاهل والاقارب والزملاء ويكاد المرء يشعر أنه قادم من عمرة أو حج أو سفر علم، لكنها الحواجز العسكرية التي حولت حياة الناس إلى عذاب.
كانت سفرة طارئة قد تكون مرة واحدة بالعام، وهذه مشقتها، فكيف ممن يسافر يوميا، وتتراكم عنده الحكايات المؤلمة والتجارب، وتصبح ترانيم يتناقلها الأجيال اللاحقة.