شبكة قدس الإخبارية

غالانت.. ليس بريئا

171491341
ثائر أبو عياش

الخلاف، لم يكن بين وزير جيش الاحتلال "غالانت"، ورئيس وزراء الاحتلال "نتنياهو" قائما على وقف الحرب لأنها غير أخلاقية، أو غير إنسانية، وفي العمق نقصد أن الخلاف ليس لأجل حياة الفلسطينيين، وهنا ما بين الثابت والمتغير، يبقى الثابت هو الحرب ذاتها مهما تعددت أوجهها، والمتغير هو الأسلوب، بمعنى أن الخلاف كان تكتيكيا في الحديقة الأمامية، أما الاستراتيجي في الحديقة الخلفية فهو الحرب، وبقاء "إسرائيل"، والحفاظ على الاحتلال البنيوي الممنهج، والكلمات السابقة هي من نافلة القول.

تنطبق على "غالانت"، و"نتنياهو" الكلمات التي تقول: "وجهان لعملة واحدة"، فمنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حتى إقالة "غالانت" في 7 نوفمبر 2024 كانت آلة الحقد الصهيوني التي يقودها "غالانت" لم تتوقف عن ارتكاب أبشع أنواع المجازر والإبادة بحق الشعب الفلسطيني، وتلك الآلة بطبيعة الحال كان "نتنياهو" هو الآخر يُشكل رأس الحربة في تسييرها، وهذا ما يعني أن المشكلة لم تكن في "القتل"، بقدر ما هي في الأداة، والطريقة.

بعد إقالة "غالانت"، قام المعسكر اليميني المتطرف بتوزيع الحلوى عبر التصريحات السياسية، حيث قال "بن غفير" في هذا السياق: "غالانت لا يزال أسيرًا عميقًا للمفاهيم القديمة، لا يمكن تحقيق النصر المطلق، وقد أحسن رئيس وزراء الاحتلال بقراره بنقله من منصبه"، وهذا من جهة، وأما جهة أخرى اعتبر جزء كبير من الإعلام "الإسرائيلي" أن هذه الإقالة تُعزز مفهوم الديكتاتورية، خصوصًا في توقيتها، توقيت الحرب، وعلى سبيل المثال لا الحصر يقول الصحفي "الإسرائيلي" رون بن شاي عبر صحيفة يديعوت أحرنوت: "إقالة غالانت تقسم الشعب وتضعف إسرائيل في زمن الحرب"، وأكثر من ذلك يتحدث بعض الصحفيين "الإسرائيليين" مثل "أميت سيجال" عن أن الإقالة جاءت في توقيت حساس، وتحديدًا في ظل تهديدات إيران بالرد، ومن جديد تثبت مثل هذه التصريحات أن الخلاف كان على التكتيك داخل صندوق الحرب، لا على الاستراتيجي، وهنا يبقى السؤال المهم: على ماذا الخلاف؟

ما بين المعسكرين، كان الخلاف يتمحور حول قانون تجنيد اليهود المتشددين، وصفقة التبادل مع المقاومة، والعلاقة مع الأمريكي، وتشكيل لجنة تحقيق في أحداث السابع من أكتوبر، ومن جديد تُثبت ذات الخلافات أن "غالانت" ليس بريئا من سفك الدماء، إذ تجنيد اليهود المتدينين من عدمه لا يعني الاعتراف بأن الحرب كانت غير إنسانية، وكذلك صفقة التبادل، وينطبق الأمر على العلاقة مع الأمريكي وتقاسم الحصص، وأيضًا يسري ذات الأمر على تشكيل لجنة التحقيق، وحتى نتشرب ما نقول لنقرأ جيدًا ما كتبه الصحفي الإسرائيلي رون بن شاي عبر صحيفة يديعوت أحرنوت، إذ يقول بن شاي: "ظهرت خلافات جوهرية في الرأي، نقطتهم الأساسية هي أن نتنياهو غير مستعد لوقف الحرب في غزة من أجل إطلاق سراح المختطفين، بينما يعتقد جالانت، ورئيس الأركان ورئيس الشاباك ورئيس الموساد، أن ذلك في مقابل ومن أجل إطلاق سراح كافة المختطفين أحياء، من الممكن وقف الحرب وإنهاء ما يجب الانتهاء منه في قطاع غزة في وقت لاحق".

تؤكد كلمات "رون بن شاي" من جديد أن "غالانت" ليس بريئا، وفي سياق متصل يقول الصحفي باراك رافيد عبر موقع أكسيوس: " كان غالانت الشريك الأكثر ثقة في الحكومة الإسرائيلية لإدارة بايدن"، ولكن كلمات رافيد ليست هي حبل النجاة لــ "غالانت"، حيثُ الأمريكي ذاته ليس بريئا من الحرب، حتى يكون "غالانت" بريئا، فالخلاف مع الأمريكي ربما يكون قائما ما بين "نتنياهو" و"غالانت" على السلطة، أو العلاقة مع المركز الإمبريالي الذي يدعم الفكرة الاستعمارية التي تقول: "إسرائيل ليست عبئا، وليست أجيرا، بل شريك يُمكن الاعتماد عليه"، والقصد هنا أن "نتنياهو" على صعيد سيكولوجيته السياسية لم يتقبل أن يكون شخصًا آخر مكانه.

في ذات السياق، إن حرب التصريحات التي اندلعت ما بعد إقالة "غالانت" تُثبت أن القيادة السياسية لدى دولة "إسرائيل" تختلف على التكتيكي، لا الاستراتيجي كما تحدثنا سابقًا، سواء كانت تلك التصريحات من المعسكر اليميني، أو المعسكر اليساري، وعلى سبيل المثال لا الحصر يقول "أفيغدور ليبرمان"، والذي تم تعيينه في شهر مايو عام 2016 كوزير لوزارة "الدفاع الإسرائيلي" إلا أنّه استقال من رئاسة وزارة "الدفاع الإسرائيلية" في 14 نوفمبر 2018: "إذا كان بالإمكان استبدال وزير أمن في وسط القتال فإنه يمكن أيضًا استبدال رئيس حكومة فشل في منصبه".

أخيرًا وليس أخرًا، كان "غالانت" متفانيًا في عمله كوزير لوزارة الجيش، ومارس عمله بكل إخلاص، وفي هذا السياق يقول "رون بن شاي": " أدى غالانت دوره كوزير للدفاع بالولاء لشعب إسرائيل، وبمهنية، وبكثير من الذكاء العاطفي، ومن أجل ذلك أننا مدينون له بالشكر"، وهذا الولاء يعني للفلسطيني حتى موعد إقالة "غالانت" كوزير للجيش، 43374 شهيد في قطاع غزة وحدها، منهم 17289 طفل، ومنهم 11815 أمراه، و10000 مفقود، وفي الضفة الغربية 768 شهيد، منهم 167 طفل. بالإضافة إلى التشريد، والجوع، والقهر، والمصابين، وشهداء الدفاع المدني، والإسعاف، والصحافة، والمسنين، والحصار، وهدم البيوت، والمعاناة...، وهذا دليل واضح على أن "غالانت" لن يكون يومًا بريء في نظر الفلسطيني المقهور.