شبكة قدس الإخبارية

مرض سكابيوس: شهادات مؤلمة من داخل سجون الاحتلال

photo_2024-10-07_15-29-39
ثائر أبو عياش

خاص - شبكة قُدس: بشكلٍ لافت أنتشر مؤخراً مرض الجرب _ سكابيوس* _ بين الأسرى في كافة سجون الاحتلال، وجاء هذا الانتشار بعد جملة من الإجراءات العقابية التي فرضتها إدارة مصلحة السجون على الأسرى، إذ يعيش الأسرى ما بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 في السجون ظروف استثنائية من الناحية الصحية، حيثُ يتعرضون إلى أساليب ممنهجة من قبل إدارة مصلحة السجون لإضعاف أجسادهم، وذلك في سبيل استهدافهم على الصعيد المعنوي، فضلاً عن ذلك تُعتبر هذه الأساليب التي تُضعف الجسد للوصول إلى اضعاف الإرادة ثنائي مأساوي بحق الأسرى الذين يتعرضون لصنوف من أساليب القهر والعذاب داخل الزنازين، وكما يواجه الأسرى واقعاً بالغ الصعوبة والتعقيد، إذ يتعرض الأسرى لسياسة العقاب الجماعي بشكلٍ ممنهج ومدروس، وهذا العقاب يُعد الأشد منذ عقود.

تستند هذه المادة على شهادات تحدث فيها العديد من الأسرى الذين تحرروا مؤخراً من سجون الاحتلال، بالإضافة إلى ذلك تتناول هذه المادة أهداف الاحتلال في السماح لهذا المرض بالانتشار داخل السجون، فضلاً عن ذلك تتطرق هذه المادة إلى جملة من التداعيات التي تترك أثرها على الأسرى بسبب هذا المرض، وكيفية تأثيره على حياة الأسير سواء داخل المعتقل، أو حتى ما بعد التحرر.

ما بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تعمدت إدارة مصلحة السجون سحب كل مستلزمات الأسرى، وخصوصاً مواد التنظيف الخاصة بالأسرى من صابون وشامبو ومعجون اسنان، وعدم السماح أيضاً للأسرى بالحلاقة وقص الشعر، بالإضافة إلى سحب الاغطية والملابس، وأيضاً ما يُعرف "بالمنشفة" التي يُجفف فيها الأسير جسده ما بعد الاستحمام، ويُضاف إلى ذلك قطع المياه عن الأسرى، وتحديداً الماء الساخن، وبذلك تكون إدارة مصلحة السجون قد حرمت الأسير من أبسط الحقوق الإنسانية وهو النظافة الشخصية، وفي هذا السياق يقول أحد الأسرى المحررين من مخيم العروب: " إدارة السجن سحبت كل ما يتعلق بالنظافة الشخصية للأسير، هذا القرار سمح لمرض "سكابيوس" بالانتشار بشكلِ سريع، خصوصاً أن السجون تُعاني من حالة اكتظاظ عالية جداً، وعلى صعيدي الشخصي لما استطيع الاستحمام منذ 4 شهور، وقد تحررت دون استحمام من سجن النقب".

تسعى إدارة مصلحة السجون إلى الانتقام من الأسرى، وزيادة معاناتهم، وأكثر دفع الأسير نحو التفكير في حالته الصحية بدلاً من الحرية، وتتعامل هذه الإدارة مع مرض "سكابيوس" كنوع من العقوبة، فالقضية بالأساس لدى الأسير في السجن ذاته، ولذلك تعمدت وحرفت أدارة السجون البوصلة عن القضية الأساسية، وفي سياق متصل تعمدت إدارة مصلحة السجون استخدام سياسة الاختلاط ما بين الأسرى، القصد الخلط ما بين الأسرى المرضى بمرض "سكابيوس"، والأسرى الغير مرضى، وذلك لجملة من الأهداف يُلخصها أحد الأسرى المحررين من بلدة بيت أمر، إذ يقول هذا الأسير: " إدارة السجن تعمدت خلط الأسرى مع بعضهم البعض، وذلك لنشر المرض ما بين الأسرى اولاً  كعقاب جماعي، ومن ثم بحجة انتشار المرض يقومون بإغلاق السجن أمام اللجان الدولية المختصة بقضايا الأسرى، وأيضاً زيارات المحاميين، والاستفراد بالأسرى بطبيعة الحال، وإغلاق السجون كان الهدف منه عدم نشر أي تقارير عما يحدث مع الأسرى ما بعد السابع من أكتوبر".

إذن ما حدث مع الأسرى من سياسة عقاب جماعي ما بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 يؤكد أن إدارة مصلحة السجون ارتكبت جملة من الخطوات الغير إنسانية، واخلاقية ضمن نمط عقابي مدروس بالفعل، إذ القوانين التي أصدرتها هذه الإدارة يأتي في سياق خطة ممنهجة حتى ما قبل السابع من أكتوبر، وفي هذا السياق يقول الأسير المحرر "ماهر حرب": " "في بداية الحدث يمكن القول إنَّ ما جرى ليس في سياق عفوي، إذ أن تشخيص الموضوع على أنه عفوي ليس صحيحًا، ما جرى في السجون يوم السابع من أكتوبر جرى بطريقة منظمة، وهذا الأمر يكشف أن الاحتلال هو من أسس لهذا اليوم، وكان مُهيأ له، سواء من خلال طريقة الهجوم على الأسرى، أو أسلوب التفتيش، أو حتى التنكيل والتعذيب، ونشر الأمراض منذ اليوم الأول"، واستنادا إلى كلمات الأسير حرب، يمكن القول إن إدارة مصلحة السجون هي مؤسسة أمنية إجرامية كانت مستعدة لإنزال أقصى العقوبات على الأسرى، ومن جديد نؤكد ما قلناه سابقاً أن هذه الإدارة تعمدت بشكلٍ مقصود ومدروس نشر مرض "سكابيوس"ما بين الأسرى.

في ذات المنوال، قامت إدارة مصلحة السجون بوضع عدد كبير من الأسرى داخل زنزانة واحدة، بالإضافة إلى حرمانهم من الخروج إلى "الفورة، او تقليصها لفترة زمنية محددة، فضلاً عن ذلك فأجساد الأسرى لا تتعرض للشمس بسبب سياسات إدارة مصلحة السجون، ويُضاف إلى ما سبق عدم وجود تهوية مناسبة داخل الزنازين، ورفض إدارة مصلحة السجون إخراج النفايات، وانتشار الحشرات بسبب قلة النظافة داخل الزنازين، كل هذه العوامل أدت إلى انتشار مرض "سكابيوس"، بالإضافة إلى عامل سحب مواد التنظيف، ومستلزمات النظافة التي تحدثنها عنها سابقاً، وفي هذا السياق يقول أحد الأسرى المحررين من مدينة بيت لحم: " الوضع داخل الزنازين سيء جداً، حيث الزنزانة التي تستوعب 10 أشخاص كانت إدارة مصلحة السجون تقوم بوضع داخلها أحياناً 20 أسير، وهذا ما سبب بنشر الأمراض، وطبعاً الزنازين التهوية فيها شبه منعدمه، والأسرى لا يخرجون إلى الفورة إلا وقت قليل، أحياناً لمدة 15 دقيقة، ناهيك عن انتشار الحشرات بسبب عدم وجود أدوات ومواد تنظيف، والأسرى لا يستحمون إلا قليلاً، وعلى صعيدي الشخصي مكثت 3 أشهر لم أُشاهد الشمس على جسدي، ومؤخراً قامت إدارة مصلحة السجون بتقديم العلاج لمرض "سكابيوس" في سجن ريمون لأن المرض قد انتقل إلى بعض السجانين، ولولا هذا الانتقال لما جرى تقديم العلاج.

عبر وثبة سريعة إلى حياة الأسير المُصاب بمرض "سكابيوس"، يمكن القول إنها تُصبح جحيم، حيثُ هذا المرض يبدأ بنهش جسد الأسير، ويحرمه من النوم، بالإضافة حكة شديدة، وغالباً ما تزداد سوء في ساعات الليل، ويُضاف إلى ذلك أن الأسير يعيش ظروف صعبة ومعقدة على الصعيد النفسي، حيثُ يُدرك الأسير أن لا علاج في الوقت القريب، وهو يُعاني داخل أسوار السجن، والأهم أيضاً أن الأسير إذا تحرر وهو مُصاب لا يتمكن عناق عائلته، إذ يُعتبر مرض "سكابيوس" هو مرض مُعدي، وفي هذا السياق يقول الأسير المحرر "ماهر أبو زينة" من جنين: " فقدنا السيطرة على المرض داخل السجون، حيث لا يوجد علاج، ولا مواد تنظيف، الوضع داخل السجون مأساوي، والأصعب عندما تتحرر كمصاب لا تستطيع احتضان عائلتك، وهذا أمر يصعب شرحه بالكلمات، حتى المعاناة التي تعتقد أنها انتهت تبقى معك ما بعد التحرر".

أخيراً وليس أخراً فيما يخص مرض "سكابيوس"، إن من أخطر الإجراءات التي تمسّ حياة الأسير داخل السجون، هو رفض إدارة مصلحة السجون تقديم العلاج للأسرى، بالإضافة إلى رفضها نقل الأسرى إلى العيادات والمستشفيات للعلاج من هذا المرض الفتاك، وهذا يعني أن إدارة مصلحة السجون تتقصد ذلك بالفعل، وتسعى إلى الاستفراد بالأسرى، ومعاملتهم بسادية واضحة، وفي هذا السياق نختم مع كلمات أسير محرر من مدينة بلدة بيت أمر، إذ يقول هذا الأسير والدموع تُخاطب عيناه: " لم نعد نُبالي في العذاب، أو الأمراض التي تفتك بالأجساد، والأرواح، بل على العكس أصبحنا ننتظر الموت بكل قناعة، وعلى صعيدي الشخصي كنت مؤمناً بالموت، وخصوصاً عندما كنت استمع لأنين الأسرى المرضى بمرض "سكابيوس"، كانوا طوال الليل لا ينامون، وكنت المس القهر، والألم، والوجع في عيونهم، بكل ما تحمل كلماتي من معنى، ما كان يحدث جحيم حقيقي".

_____

* مرض سكابيوس: هيئة شؤون الأسرى والمحررين، 2024. منشور تعريفي بمرض الجرب "سكابيوس" المنتشر بين الأسرى حاليا. يُعد الجرب أحد الأمراض الجلدية التي تتميز بظهور حكّة شديدة تسببها مجموعة من الطفيليات تسمى السوس، وهو مرض معدٍ، ويمكن أن ينتشر بسرعة من خلال المخالطة اللصيقة.

أعراض الجرب:

1. من أبرز أعراض الجرب الحكة الشديدة في الجلد، وتزداد حدتها في ساعات الليل.

2. مسارات متموجة تتكون من بثور صغيرة أو نتوءات على الجلد.

أسباب وعوامل خطر الجرب:

تنتشر طفيليات القارمة الجربية (Sarcoptes scabies) بواسطة الملامسة المباشرة مع شخص مصاب بالمرض، وقد ينتشر مرض الجرب أيضًا جراء استعمال الأدوات الشخصية، مثل: المنشفة، أو غطاء السرير لشخص مصاب.