*قالوا في إسرائيل إن الصاروخ اليمني أيقظ كل دولة إسرائيل، لكن الذي لم يقله إن هذا الصاروخ غير كل المشهد بل أكثر من ذلك، هذا الصاروخ قام بعملية تبريد عاجلة للرؤوس الحامية، وأعادها إلى رشدها بعض الشيء، لأن من يفكر بالنار ولا يرى غير النار ومن وصل لدرجة الثمالة بالدم الغزٓي وبما فعله من حرب إبادة في غزة واعتقد أنه قادر على أن يزيد ثمالته بدماء اللبنانيين والفلسطينيين واليمنيين والسوريين والعراقيين ليصل بعد ذلك لدماء الإيرانيين، جاء صاروخ "الحوثي" الفرط صوتي لإيقاظه من ثمالته، فما بعد السكرة تأتي الفكرة كما يقولون، والفكرة أصبحت أكثر من واضحة، دولة إسرائيل بلا ردع استراتيجي، ودولة إسرائيل بقيادتها وفكرها الميسيائي الذي يميز حقبة "نتنياهو" الجديدة يأخذها نحو الهاوية والدمار، فـ "حكومة الصفر" كما أسماها "يائير غولان" رئيس القائمة الديمقراطية "تحالف حزب العمل مع ميرتس" ونائب رئيس هيئة الأركان السابق، يشير بوضوح الى دولة بلا خيارات، وبلا آفاق وأهداف استراتيجية واقعية وممكنة التحقيق*
*تحدثوا عن تصعيد وتوسيع العمليات القتالية في لبنان، واشتراط "نتنياهو" لذلك بمسألتين، الأولى تتعلق باستعدادات الجيش ومدى قدراته، والثانية تتعلق بالشرعية الدولية (المقصود هنا الضوء الأخضر الأمريكي)، ليأتي الصاروخ اليمني وينسف تلك الشروط ويشعل ضوءا أحمر لا ينطفئ، فالصاروخ اليمني كانت لدى إسرائيل مدة زمنية من 11 دقيقة بالحد الأدنى، لكن إذا ما انطلق من لبنان فلن يكون هناك أمام إسرائيل حتى وقت لإطلاق صفارات الإنذار أو حتى الاحتماء في الملاجئ، فعن أي توسيع عمليات قتالية يتحدثون؟!!، وكيف إذا ما اتضح أن لدى حزب الله ما هو أكثر تطورا من الصاروخ الباليستي اليمني؟!!*
*إسرائيل الصفرية بحاجة الآن إلى أن تتحول لإسرائيل صاحبة الخيارات المرنة القادرة على العيش في منطقة تتقاذفها الأمواج، والمرونة المطلوبة لا تكون بالتصعيد، ولا بإدارة ظهرها للقضية المركزية الأولى ليس في المنطقة فحسب وإنما على صعيد العالم بعد زلزال السابع من تشرين/اكتوبر، قضية فلسطين وقضية شعب يتوق للحرية والاستقلال، المرونة هنا تبدأ أولا بوقف العدوان وحرب الإبادة على قطاع غزة والانسحاب الشامل من كل القطاع وتحمل كل الأعباء التي قامت فيها ليس في غزة وإنما في الضفة الغربية، وبدء عملية سياسية نهايتها قيام دولة فلسطينية مستقلة، أما الذهاب لخطة الحسم الـ "سمورتشية" فهي بالتأكيد ستتحول نحو نهايات غير محمودة للمنطقة ككل بما فيها إسرائيل نفسها*
*يراهن "نتنياهو" على إدارة العنف للإبقاء على الصراع مشتعل كي يحفظ مفهوم "البقاء" له ولحريدييه ومسائييه، ويراهن أيضا على تدخل أمريكي مباشر إذا ما حدث تصعيد كبير في المنطقة سيكون هو المسبب له، لكن الصاروخ اليمني جاء في الوقت المناسب ليحسم كل الرهانات، فإدارة العنف تعني انهيار تدريجي لدولة إسرائيل ومحو شامل لمفهوم الردع الاستراتيجي، والرهان على الأمريكي أيضا فشل، فكل دفاعاتها الجوية في المنطقة في اليابسة حيث قواعدها العسكرية وفي البحار حيث حاملات طائراتها وقطعها البحرية لم تستطع إيقاف صاروخ واحد، فكيف لو كان هناك العشرات منها!!! إذا "نتنياهو" الذي يهدد برد ويهدد بتدفيع "الحوثي" ثمنا باهظا، لم يفهم الرسالة أو لا يريد أن يفهمها أو يحاول أن يستغبي بسبب إنكار ذاتي للحقيقة المرة، حقيقة أن خياراته الصفرية ستؤدي لدمار كبير في دولة إسرائيل إن لم يؤدي لانهيارها، وعليه، فالأمور ما بعد ال "فرط صوتي" ليست كما قبلها، وعينة الصاروخ الواحد هي مجرد إشارة للسيد "نتنياهو" ووزير دفاعه "غالنت" وقيادات الجيش بأن أقصر الطرق لوقف الانحدار نحو الهاوية هو الذهاب لصفقة تبادل أسرى وفقا لما وافقت عليه حركة حماس والمقاومة*
*يبقى السؤال المهم، هل وصلت الرسالة؟.. نعم وصلت وبشكل جلي وواضح وضوح الشمس، لكن هناك من لا يريد قراءتها جيدا، بل ويعيش حالة من الإنكار الذاتي بسبب تركيبته الشخصية والنفسية، فهو يرى في نفسه خليفة للملك داود، ولكنه في حقيقة الأمر يفضل زوجته سارة ويائير ومصالحه قبل أن يرى مستقبل ومصلحة دولته الاستراتيجية*
*نتنياهو يأخذ إسرائيل لخراب الهيكل الثالث المزعوم، فهل هناك من هو في إسرائيل بقادر على وقفه، والفرط صوتي اليمني الذي سمع هدير صوته في كل دولة الإحتلال يستدعي ظهور مفهوم الضرورة، ضرورة وقف الجنون الذي ينادي فيه "نتنياهو" وراقصي عبدة الخرافات المسيائية سموتريتش وبن غفير*