شبكة قدس الإخبارية

يحمونه حيّا ويبكونه شهيدًا .. لماذا يخرج الناس من أجل المقاومين للشوارع؟

يحمونه حيّا ويبكونه شهيدًا .. لماذا يخرج الناس من أجل المقاومين للشوارع؟

رام الله - خاص قدس الإخبارية: لقي قائد كتيبة طولكرم محمد جابر (أبو شجاع) حاضنة شعبية تحميه في حياته، تبكيه في شهادته، وترفض تصديق ترجل الفارس الذي أحبه أهل المخيم في نور شمس.

قبل أسابيع قليلة، استقبل أهالي مخيم نور شمس في طولكرم شمال الضفة الغربية (أبو شجاع) بعد أن أخرجه فلسطينيون من مستشفى بالمدينة، حيث كانت تحاصره أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في محاولة لاعتقاله. 

وصباح اليوم الخميس، 29 أغسطس\آب 2024، رفض الفلسطينيون تصديق الخبر: اغتيال أبو شجاع وأربعة مقاومين آخرين في عملية خاصة لجيش الاحتلال في مخيم طولكرم، حتى ظهرت الصورة الأولى للعملية و(أبو شجاع) مسجى بدمائه. 

في الفترة الأخيرة، ظهرَ على غرار أبو شجاع عددٌ من المطاردين لدى الاحتلال، سيّما في منطقتي جنين، وطولكرم، ونابلس، وقلقيلية، بعضهم من ارتقى شهيدًا من أبطال مناطقِ شمال الضفة الغربية، الذين أثخنوا بأسلحتهم البسيطة الاحتلال عبر كتائبَ مسلحة.

بعد طوفان الأقصى، في السابع من أكتوبر\تشرين الأول، تكثفت رمزية المطارد في الضفة المحتلة، والمقاوم في قطاع غزة، وقد وجد فيه الفلسطينيون تعبيرًا عن حالتهم، انعكاسًا لقصتهم، وأحيانًا تعويضًا عن حالة عجزهم في الالتحام المباشر. 

خلال العامين الأخيرين..

 

عودة إلى بدء، حيث اللحظة المفاجئة من مساء يوم الإثنين 19 سبتمبر\أيلول 2022، حين أُغلقت شوارع مدينة نابلس بجموعٍ من الشباب المُحتج على اعتقال السلطة الفلسطينية للمطارد لدى الاحتلال مصعب اشتية، رفيق دربِ شهداء نابلس، والناجي من محاولاتِ استهداف إسرائيلية سابقةٍ له، احتجاجاتٌ بقيت ليومين، أعلن فيها الشباب غضبهم، ورفضت فيها مجموعة عرين الأسود في المدينة محاولة اعتقال المطارد.

التصاعدُ المكثف من عمليات المقاومة في الضفة الغربية، أعادت رمزية المطارد، الذي يفسرها المحاضر في جامعة بيرزيت عبد الجواد عمر بأنها ولادةٌ ثقة أوسع لدى الناس، بعد جولاتٍ من بذل الدماء، بالشباب، وبأنفسهم، وبقدرتهم على التضحية.

ويعزي عمر، في حديثه لـ "شبكة قدس"، الأمر إلى "ظواهر المقاومة الناشئة في فضاءاتٍ مدنية وحضرية، تمتلك تقليدًا طويلًا من سياسات الإسناد والعون في لحظة الفجع والاعتقال والشهادة، مثل المخيمات، والبلدة القديمة."

وبحسب عمر، فإن ظاهرة المقاومة ولّدت ثقة اجتماعية أوسع، وبالتالي استدعت امتدادًا أقوى من المجتمع المحيط، خاصةً بعد استشهاد الرواد الأوائل لهذه الحالة من المقاومة والمطاردة.

ما بعد أوسلو: محاولات الطمس

الكاتب والباحث وسام رفيدي يرى أن صورة المطارد مرتبطةٌ بالمرحلة، مستدركًا: "صحيح أننا اليوم في نضالات جدية وحالة اشتباك مسلح مع المحتل الصهيوني، لكن المرحلة اليوم تأتي بعد سنين طويلة من عمليات غسل الأدمغة، المخطط لها منذ أوسلو وما بعدها."

ويوضح رفيدي في حديثه لـ "شبكة قدس" أنه وفقًا لترتيبات ما بعد أوسلو، "يجب إعادة صياغة الفلسطيني حتى يتناسب مع المشروع الاستسلامي الجديد الذي اسمه أسلو، بمعنى الضرب على وتر الفردانية بدل الجماعية، هذه الفردانية العالية جدًا والانشغال بالهم الخاص على حساب الهم العام الوطني، ومن الطبيعي ضمن هذا الظرف أن يتراجع الإسناد للمناضلين."

ويشدد رفيدي أن الثقافة "بنت مرحلتها"، وبينما الرهان أن يتصاعد الاشتباك مع المحتل، والذي يقدّر الباحث والكاتب بأنه سيتصاعد بشكلٍ أكبر، فسيكون له مواقف أكثر إيجابية على صعيد احتضان المقاومين، مشيرًا، إلى أن حملات الشيطنة لم تجد آذانًا صاغية بين الناس، وأن فئة قليلة جدًا يمكن أن تتفهم ولو للحظة موقف السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية من اعتقال المطارد، خاصة في ظل حالة التصعيد الشعبي.

عودة الرمز لظاهرة المطارد

على غرار رفيدي، يقرأ الكاتب عرفات الحاج أنه ومنذ عملية السور الواقي وبشكل أساسي ضمن مسار ما بعد مؤتمر أنابوليس عام 2007، تم الهجوم على الفعل المسلح ومفرداته المختلفة ورموزه وأبرزها الفدائي، ولصق ما يحدثه الاحتلال أو صراعات السلطة بالمطارد.

ويستدرك الحاج في حديثه لـ "شبكة قدس"، أن هناك استعادة للواقع المادي للظاهرة، أي أننا مررنا بمرحلةٍ لم يكن فيها مطاردين حتى يدور الجدل حول صورتهم، ومع عودة المطارد الجدي المشتبك الذي انتهت حياته بالاستشهاد في معظم الحالات وخصوصًا منذ تجارب خاطفي الجنود الثلاثة، وباسل الأعرج ثم أحمد نصر جرار عاد التعلق الجماهيري بهذا النموذج كتعلق عاطفي.

مع ذلك، يرى الكاتب الحاج أن الحاضنة الداعمة والمؤيدة للمطارد ما زالت تفتقد للقدرة، موضحًا، "أنها تمارس أدوار التأييد والاحتجاج على الاعتقال وعديد من الأدوار الأخرى الرمزية، لكنها لم تتحول لبنية منظمة قادرة على توفير شبكة الإيواء والإمداد والحشد والتجنيد لمصلحة من يخوض القتال."

ما الذي تغير؟

بعد ارتقائه في 23 يوليو\ تموز 2022، أزيل الستار عن جدارية غرفة الشهيد محمد العزيزي من نابلس، وقد امتلأ بصور فدائيين ومطاردين ارتقوا سابقًا خلال مراحل مقاومة الاحتلال، مثل باسل الأعرج وأحمد جرار، ويحيى عياش، ومحمد الدخيل، وهو ما يفسره الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي بأن "بعض المطاردين الفلسطينيين شكلوا حالة إلهام أسطورية للفلسطينيين."

وبينما كانت هناك محاولات خلق رموز جديدة للشعب الفلسطيني بدلًا من المطارد والفدائي بعد انتهاء انتفاضة الأقصى، فإنه، وفق عرابي، بات من الواضح تمامًا أن المطارد يعود لاستعادة مكانته، لعدة أسباب أحدها تراجع سياسات السلطة، وهيمنتها، وخطابها، ودورها، وقدرتها في التأثير على الجماهير، إضافة إلى فقدانها الشرعية الانتخابية والشعبية.

ويضيف عرابي، في حديثه لـ "شبكة قدس"، حول أسباب التغيير أن حالة المقاومة في غزة ألهمت الجماهير، وخلقت رموزًا مثل محمد الضيف وأبو عبيدة، فضلًا عن أن الحالة الكفاحية والمتمددة، منذ هبة القدس وحتى اليوم، أظهرت العديد من العمليات والرموز.

ويتابع عرابي أن نصرة المطارد هي نصرة صادقة، وهو ما رأيناه في حالة الشهيد النابلسي مثلًا، وهو ما يدفع الجماهير للسؤال عن دورها وواجبها حول ماذا يمكن أن تفعل لحماية هؤلاء الشباب.