خاص - شبكة قدس الإخبارية: لم يكن الأسير المحرر ثم الشهيد جبريل جبريل الذي ارتقى مساء أمس الإثنين، أول الأشبال الذين تحرروا في صفقة التبادل بين المقاومة والاحتلال في شهر تشرين ثاني/نوفمبر 2023 ثم قضى شهيداً، فقد سبقه بذلك الشهيدين طارق داود من مدينة قلقيلية ووائل مشة من مخيم بلاطة شرق نابلس في شهر آب/أغسطس الجاري.
تحمل قصة الشهداء الثلاثة في طياتها فصلاً من فصول الوفاء أولاً والإخلاص ثانياً والسعي للثأر ثلاثاً، فضلاً عن الروابط المشتركة بينهم والتي تعززت واختُتمت أخيراً بالشهادة مُقبلين.
من الزنازين إلى المطاردة
جاءت صفقة التبادل التي حدثت بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بداية إنطلاق الشهداء الثلاثة بالعمل المقاوم، والذين كانوا من ضمن الفتية "الأشبال" المحررين في هذه الصفقة، حيث كان الشهيد جبريل قد قضى عاماً كاملاً في الأسر وكان يقضي حكماً بالسجن لمدة 20 شهر، كذلك الشهيد طارق داود الذي أمضى عاماً كاملاً في سجون الاحتلال، أما الشهيد وائل مشة فقد تحرر بالصفقة أيضاً بعد عام من الاعتقال.
لم تكن الحرية من زنازين الاحتلال نهاية الرحلة للفتية، فمنذ اللحظات الأولى لتحررهم كان إعلانهم بالوفاء للمقاومة ولشهداء قطاع غزة هو فاتحة حديثهم، وكأن انتزاع الحرية جاء إيذاناً ببداية مرحلةٍ جديدة يفتتحونها.
وبعد التحرر بفترةٍ قصيرة بدأت ملاحقة جيش الاحتلال لجبريل وطارق بشكلٍ علني عقب تصاعد النشاط المقاوم ضد الاحتلال في مدينة قلقيلية شمال الضفة المحتلة، في حين أصبحت قوات الاحتلال المقتحمة للمدينة عرضة لعمليات إطلاق نارٍ متكررة وإلقاء عبوات ناسفة محلية الصنع، ومنذ البداية أشارت مخابرات الاحتلال للشبلين بالضلوع في أنشطة المقاومة، ليُصبحا في عداد المُطاردين إلى جانب ثلةٍ من الشهداء، فيما أعلنا انتمائهما لكتائب الشهيد عز الدين القسام.
ومنذ ذلك الحين تعرضت عائلتي الشهيدين لسلسلة من التنكيل والاعتقال من جيش الاحتلال للضغط على أبنائهم بتسليم أنفسهم، حيث تم اقتحام منازلهم وتحطيم محتوياتها عدة مرات، فضلاً عن تكرار الاعتقالات والتنكيل بوالديهما ومعارفهما، حتى بلغت مجموع الاقتحامات 15 مرة.
أما وائل مشة فكان الالتحاق بمجموعات المقاومة في مخيم بلاطة مصيره، فبات من مطاردين كتائب الشهيد عز الدين القسام في المخيم، ثم ضمن قوائم المطلوبين للاحتلال وأجهزته الاستخباراتية.
بهذا كانت رحلة الشهداء من الأسر إلى المطاردة ليكونوا مُطارِدين للاحتلال من خلال تنفيذهم للعديد من عمليات إطلاق النار التي استهدفت الشوارع الاستيطانية، كشارع 55 شرق قلقيلية، والتصدي لاقتحامات جيش الاحتلال.
الوفاء والسعي للثأر
وخلال رحلة المطاردة كان موقف الشهداء هو قناعتهم التامة بما يقومون به من قتال الاحتلال، كجزءٍ من الوفاء للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة التي كانت السبب في تحريرهم، فضلاً عن إخلاصهم لدماء الشهداء الذين ارتقوا نتيجة مجازر الاحتلال في قطاع غزة، والسعي للثأر.
فيما أكد ذلك الشهيد طارق داود في أحد محادثاته من معارفه عندما قال: "من افتداني بروحه سأفتديه بروحي"، ولم يكن موقف جبريل ووائل مختلفاً عن موقف طارق.
خاتمة الوفاء بالشهادة
في 12 آب/أغسطس الجاري استطاع الشهيد طارق داود من قتل مستوطن إسرائيلي دخل إلى مدينة قلقيلية بعد إطلاق النار عليه بشكلٍ مباشر، فيما تمكن من الانسحاب من موقع العملية، وبالقرب من بلدة عزون شرق المدينة هاجمت قوة خاصة إسرائيلية المركبة التي كان يستقلها طارق وأطلقت عليها النار بشكلٍ كثيف ومباشر ليرتقي شهيداً على الفور، فيما أبلغ الاحتلال الارتباط الفلسطيني باستشهاده واحتجاز جثمانه، بهذا اختتم طارق حياته القصيرة التي لم تتجاوز 18 عاماً وقد أوفى بعهده لأهل غزة ومقاومتها ودماء الشهداء على امتداد فلسطين.
ولم يمضي 3 أيام على استشهاد طارق حتى اقتحمت قوات الاحتلال مخيم بلاطة بشكلٍ واسع ومن عدة محاور ونفذت به عمليات تجريف وتخريب للبنية التحتية وممتلكات الفلسطينيين، في حين كان وائل مشة كعادته من أوائل المتصدين للاقتحام، وأثناء اشتباكه مع جيش الاحتلال قصفت طائرة مسيرة إسرائيلية المكان الذي تواجد به مع الشهيد وأحمد الشيخ خليل، فاستشهدا سوياً.
أما الشهيد جبريل جبريل فلم تختلف خاتمته عن خاتمة صاحبيه، حيث تواجد في مخيم نور شمس بمدينة طولكرم واشترك مع المجموعات العسكرية هناك بالعمليات العسكرية ضد الاحتلال فكان من عناصر كتائب القسام في المخيم، ولم يٌطل التحاقه بوائل وطارق حتى استشهد مساء أمس 26 آب/أغسطس الجاري بعد شن طائرات الاحتلال غارة على أحد بيوت المخيم، ليرتقي 5 شهداء من ضمنهم جبريل الذي آثر الشهادة وطريق الوفاء للشهداء والمقاومة بعد تحرره.
المقاومة جدوى مستمرة
تعكس حكاية الشهداء الثلاثة مدى دقة مقولة "المقاومة جدوى مستمرة" حيث اعتُقلوا ثلاثتهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي على خلفية نشاطهم المقاوم منذ أن كانوا قاصرين "أشبال" وعاشوا تجربة الأسر لمدة عامٍ كامل حتى تحررهم بالصفقة.
وبعد التحرر كان استكمال مسار المقاومة هو خيارهم الوحيد، فأعدوا واشتبكوا وقاوموا وهاجموا الاحتلال دون كللٍ أو ملل رغم صعوبة ظروف المطاردة ورحلة التضيقات التي لاحقت ذويهم من قبل الاحتلال، غير أن إصرارهم قد هزم الاحتلال ووسائله التي تسعى لإنهاء ظاهرة المقاومة في الضفة.