خاص - شبكة قدس الإخبارية: جاء إعلان كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس عن عملية إطلاق النار، في الأغوار كجزء من سلسلة متواصلة في جهود ممتدة على طول سنوات منذ نهايات انتفاضة الأقصى إلى معركة "طوفان الأقصى" لإعادة بعث العمل العسكري وتجديد تنظيمه وبنيته التحتية في الضفة.
يوم أمس الأحد، أعلنت كتائب القسام أن مقاتليها قتلوا جندياً من جيش الاحتلال بعد إطلاق النار عليه، في الأغوار الشمالية، قبل أن ينسحبوا بسلام، ويكتبوا معهم فصلاً جديداً في سيرة الجهاز العسكري لحماس في الضفة الغربية المحتلة.
انتهاء انتفاضة الأقصى ومحاولات النهوض
منذ نهاية انتفاضة الأقصى التي كتبت بعد التطورات السياسية التي استجدت على الساحة الفلسطينية، ومرحلة الانتخابات التشريعية، والتطورات اللاحقة في قطاع غزة في صيف 2007، والاستنزاف الكبير لفصائل المقاومة طوال سنوات الانتفاضة، والحملة التي شنتها الأجهزة الأمنية الفلسطينية لاحقاً على مؤسسات حماس وقواها الاجتماعية والتنظيمية وجهازها العسكري، لم تسجل نهاية لمحاولات كتائب القسام الحفاظ على نسق من العمليات في الضفة والقدس المحتلتين، والعمل على توفير بنية تحتية تخدم هذا الهدف.
ويمكن من خلال تتبع مسار العمل العسكري لكتائب القسام، في الضفة الغربية المحتلة، خلال هذه السنوات الاستنتاج بوضوح أن التركيز كان على بناء خلايا صغيرة و"نوعية"، كما يصفها باحثون، مهمتها تنفيذ عمليات ضد أهداف الاحتلال والمستوطنين في الضفة والقدس والداخل المحتل.
هذه الملاحظة يمكن الاستدلال عليها بتجارب متعددة بينها الخلية التي كانت تحت مسؤولية الشهيد شهاب الدين النتشة ونفذت عملية استشهادية في "ديمونا" جنوب فلسطين المحتلة، والخلايا التي أسسها الشهيد نشأت الكرمي في الخليل ونفذت عملية إطلاق نار أدت لمقتل 4 مستوطنين، وخلية الأسير حسين القواسمي المسؤولة عن عملية تفجير في القدس المحتلة، وخلية رام الله التي ضمت الأسيرين إسلام حامد وعاطف الصالحي ونفذت عمليات إطلاق نار تزامناً مع عملية الكرمي وأطلقت عليها الكتائب اسم "سيل النار"، وقبلها خلية عملية بيتللو غرب رام الله التي أدت لمقتل مستوطن.
ويكاد لا يخلو أسبوع أو شهر من خبر أو إعلان من استخبارات الاحتلال "الشاباك" عن كشف أو اعتقال خلايا تابعة لحركة حماس، خططت لتنفيذ عمليات عسكرية، وسجلت السنوات الماضية اعتقال آلاف من كوادر الحركة مع باقي فصائل المقاومة على رأسها الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، في إطار الحرب المستمرة من قبل أمن وعسكر الاحتلال لمنع تراكم وضع يسمح للفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلة تنفيذ عمليات مستمرة.
محاولات الخطف والمناطق الجغرافية للعمل العسكري
ومن تتبع أخبار الخلايا التي شكلتها كتائب القسام، في الضفة المحتلة، واعتقل عدد منها لاحقاً يظهر التركيز على محاولات خطف الجنود والمستوطنين بهدف إجراء عمليات تبادل تفرج عن الأسرى، وقد كان النجاح الأكبر في هذا المسار مع عملية خطف المستوطنين الثلاثة، في الخليل، صيف 2014، التي نفذتها خلية ضمت الشهيدين عامر القواسمي ومروان القواسمي وبقيادة الأسير حسام القواسمي وتوجيه من قيادة حماس في الخارج كما أعلن الشهيد صالح العاروري لاحقاً، الذي كان على رأس ملف متابعة المقاومة في الضفة الغربية المحتلة.
ويمكن ملاحظة عنوان آخر من عمل حماس العسكري، في سنوات ما بعد الانتفاضة، هو أن النشاط تركز في الخليل وريفها لأسباب مختلفة، كما يقول باحثون، بينها أن الخليل المدينة تمثل ثقلاً اجتماعياً مناصراً للحركة، وأنها حافظت على جزء من كوادرها أصحاب الخبرة في العمل العسكري من سنوات سابقة كعملية الشهيد محمد الفقيه صيف عام 2016 والتي قتل بها حاخاماً صهيونياً، بينما تعرضت محافظات شمال الضفة المحتلة للاستنزاف الشديد، طوال سنوات الانتفاضة، وقد تعددت نشاطات الجهاز العسكري للحركة في المدينة وتركزت غالباً على تنظيم الخلايا وإعادة بناء التنظيم، وعدد منها نجح في تنفيذ عمليات تفجيرية في الضفة والداخل وإطلاق النار، كما في الخلية من عائلة الحروب من مدينة دورا التي قتلت ضابطاً من شرطة الاحتلال، والعملية النوعية التي نفذها الأسير زياد عواد من بلدة إذنا أحد محرري صفقة "وفاء الأحرار" الذي قتل ضابطاً مسؤولاً عن قسم التجسس في شرطة الاحتلال، إضافة لعملية الشهيد أحمد نصر جرار والأسير أحمد قنبع والتي قُتل بها حاخاماً عام 2018.
وحضر ريف رام الله في هذه السنوات في نشاطات حماس العسكرية، وتعددت العمليات وتشكيل الخلايا التي اعتقلت في طور التخطيط، كما في عملية خلية سلواد التي قتلت مستوطناً شرق رام الله، والعملية التي نفذها الأسير عاصم البرغوثي وشقيقه الشهيد صالح البرغوثي، وفي مرحلة ما قبل "طوفان الأقصى" نفذ حذيفة الخواجا وأحمد ياسين غيظان وهما من كوادر حماس عمليات في الداخل والضفة، وعملية حوارة الأولى التي نفذها الشهيد عبد الفتاح خروشة أحد نشطاء حماس في نابلس وقتل بها مستوطنين اثنين، إضافة لعملية مستوطنة عيلي التي نفذها الشهيدان مهند شحادة وخالد صباح وقتل بها 4 مستوطنين.
القسام ومحاولات تطوير الأسلحة
وعملت الكتائب على محاولات لإدخال أسلحة "استراتيجية" في المعركة ضد وجود الاحتلال في الضفة والقدس، من خلال محاولة تطوير سلاح الصواريخ، رغم الملاحقة الأمنية الشديدة، وضعف الإمكانيات، وأعلن الاحتلال في 2010 عن اعتقال خلية من قرى رام الله صنعت صاروخاً وحاولت إطلاقه، وفي القدس المحتلة كشفت مخابرات الاحتلال عن اعتقال خلية من بلدة بيت صفافا خططت لضرب تجمع للمستوطنين بصواريخ، وفي طولكرم عقب حرب غزة أعلن الاحتلال كشف خلية ضمت عدداً من كوادر حماس عملت على تنفيذ عمليات ضد أهداف استراتيجية للاحتلال وبين المعتقلين عدنان سمارة الذي استشهد خلال معركة "طوفان الأقصى"، بعد انخراطه في خلية عسكرية، وفي بيت لحم اعتقل الاحتلال خلية من ريفها قال إنها خططت لاستهداف وزير جيش الاحتلال السابق أفيغدور ليبرمان الذي يعيش في مستوطنة قريبة بتوجيه من قائد الضفة في الحركة حينها صالح العاروري، وفي المرحلة الحالية من المقاومة عملت كتائب القسام على محاولات تصنيع صواريخ وإطلاقها من ريف جنين نحو المستوطنات المحيطة بها.
ولم تنقطع محاولات الحركة عن تنفيذ عمليات تفجيرية في الداخل المحتل، ولعدة تجارب دلائل على هذا المسار، كما في خلية بيت لقيا غرب رام الله التي ضمت نشطاء من حماس والجهاد الإسلامي ونفذت عملية تفجير حافلة في "تل أبيب"، خلال عدوان 2012، والخلية من بيت لحم التي ضمت الشهيد عبد الحميد أبو سرور وفجرت حزاماً ناسفاً في حافلة بالقدس المحتلة، وخلية الأسير حسين القواسمي التي أرسلت استشهادياً قبل اعتقاله من قبل قوات خاصة من داخل المسجد الأقصى، وخلايا مختلفة في رام الله ونابلس وطولكرم ومختلف مناطق الضفة خططت وانشغلت في عمليات تصنيع المتفجرات قبل اعتقالها.
وواكب الجهاز العسكري مختلف مراحل المقاومة، في الضفة المحتلة، بعد انتفاضة الأقصى التي تنوعت بين مرحلة الخلايا التنظيمية التابعة للفصائل، إلى مرحلة العمليات الفردية والتنظيمية في ما عرف باسم "هبة القدس"، التي امتدت لسنوات، ونفذت خلية تابعة له في نابلس عملية في بداية الهبة أدت لمقتل مستوطن ومستوطنة قرب مستعمرة "إيتمار"، ثم في المرحلة الجديدة التي بدأت قبل فترة قصيرة من "سيف القدس" واشتدت بعد المعركة، وشهدت انطلاق فصائل المقاومة نحو بناء تشكيلات عسكرية كبيرة خاصة في جنين ومخيمها ثم نابلس وطوباس وطولكرم.
ورغم تشكيل مجموعات كبيرة في جنين ونابلس ومخيمات طولكرم وطوباس وغيرها، حافظ القسام على عادته الأثيرة في تشكيل خلايا سرية مهمتها تنفيذ عمليات ضد أهداف الاحتلال، وخلال معركة "طوفان الأقصى" سجلت عدة عمليات لخلايا تابعة له، بينها عملية الشهيدين الشقيقين مراد وإبراهيم نمر من بلدة صور باهر بالقدس المحتلة، والخلية التي ضمت عبد القادر القواسمي ونصر القواسمي وحسن مأمون قفيشة، وخلية الشهداء علاء شريتح وعدنان سمارة وآسال بدران وتامر فقها، وأعلنت عن تنفيذ عدة عمليات في الضفة خلال الفترة الماضية بينها الكمين المركب قرب طولكرم، وتفجير عبوة ناسفة قرب مستوطنة "حرميش"، وعملية إطلاق نار قرب رامين، وغيرها، ونعت عدداً من قادتها وكوادر الذين استشهدوا مع رفاقهم من فصائل المقاومة في عمليات الاغتيالات المستمرة في الشمال.
انخراط أصحاب الخبرات السابقة
والملاحظة التي تظهر من متابعة عمليات كتائب القسام ونشاطها، في الضفة الغربية المحتلة، انخراط جيل كان له تجارب ممتدة في العمل العسكري منذ انتفاضة الأقصى، كما في حالة الشهيدين عدنان سمارة وعلاء شريتح من طولكرم، والشهيد محمد جابر عبدة من كفر نعمة غرب رام الله الذي أفرج عنه قبل عامين فقط بعد اعتقال استمر 20 عاماً، وفي مرحلة ما قبل "طوفان الأقصى" مع خلية الشهيدين معاذ المصري وحسن قطناني، وخلية الشهداء سعد الخراز ونور العارضة ومنتصر سلامة وغيرها.
وفي الإطار التنظيمي/ الحركي كما تسميه الفصائل والباحثون يمكن الخروج بملاحظة، أن كتائب القسام حافظت على سلوك تنظيمي يتعلق ببناء خلايا سواء كانت تتبع لقائد تنظيمي مباشر أو منفردة تعمل من تلقاء ذاتها، وفقاً للأهداف التي حددتها الحركة مسبقاً، وفي عدة تجارب شكلت الحركة تنظيماً ممتداً يضم عدة كوادر كما في الخليل وتنظيم رام الله الذي أعلن الاحتلال عن اعتقاله، في صيف 2014.
ولعل حضور غزة كان لافتاً في هذه السنوات، من جهة أبعاد مختلفة، ويمكن ربط كل هبة أو تصعيد في المقاومة في ساحة الضفة بحرب أو عدوان على قطاع غزة، وهذا يمكن ملاحظته بعد حرب 2012 التي منحت الفلسطينيين دفعة معنوية نحو تنفيذ سلسلة عمليات ضد الاحتلال، وكانت حرب 2014 دافعاً من بين الدوافع لاندلاع "هبة القدس" وما سبقها من عمليات غالبها فردي في القدس خاصة، ويرى باحثون أن مشاهد عمليات المقاومة في مواقع الاحتلال منحت الجيل الجديد دافعاً كبيراً لتحدي قوة الاحتلال العسكري، وشكلت "سيف القدس" بداية مرحلة جديدة في المقاومة، وفي سياق آخر كان للجهاز العسكري والتنظيمي للحركة في القطاع والخارج دور في توجيه الخلايا كما يظهر في إعلانات الاحتلال بعد اعتقال مقاومين ومنخرطين في العمل العسكري، سواء بالدعم اللوجستي أو التواصل المباشر، ويمكن الاستدلال على هذا بعدة تجارب بينها الخلية التي ضمت طلاباً من جامعة القدس في أبو ديس وظهر أنها تلقت تدريبات من قطاع غزة وخططت لاغتيال رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو.
تعرضت حركة حماس مع فصائل المقاومة في الضفة الغربية والقدس المحتلتين لعمليات ملاحقة واسعة وواجهت تعقيدات أمنية شديدة، ولا يمكن لمادة واحدة حصر التجارب التي مرت بها في هذه السنوات، وأعداد الخلايا التي اعتقلت على خلفية مساعي تجديد العمل العسكري، في الساحة التي يعتبرها الاحتلال حساسة واستراتيجية بالنسبة لعمق دولته.
الضفة والقدس في خطاب القائد العام
كان للضفة والقدس المحتلتين حضور مركزي في خطاب كتائب القسام، وعلى رأسها قائدها محمد الضيف، الذي عاش فيها في بدايات مشواره مع الجهاز العسكري لحماس ومطاردته من قبل الاحتلال، وأقام فيها خلايا وعلاقات مع كوادر استشهد واعتقل عدد منهم لاحقاً، وفي خطاب بداية معركة "طوفان الأقصى" وجه رسالة لشباب الضفة يدعوهم للالتحاق بها وتنفيذ عمليات ضد الاحتلال.
وفي رسالته عقب تحرير غزة في 2005 قال: "أتحدث إليكم اليوم وكلي يقين أن غزة بداية المشوار، وما تضحيات أهلنا في جنين ونابلس والخليل ورام الله والقدس وبيت لحم وطولكرم وقلقيلية، وكل مدننا وقرانا ومخيماتنا في الضفة إلا مبشرٌ بأن المرحلة القادمة بعون الله ستكون دحر الاحتلال من عندكم، فشمروا، ولنشمر جميعًا، ولا نقول لكم إلا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدم الدم، والهدم الهدم، فصبرًا وثباتًا على درب المقاومة وطريق النصر".