خاص - قدس الإخبارية: اتبع الاحتلال الإسرائيلي سياسة الاغتيالات، كإجراء ووسيلة من وسائل القتال ضد الفلسطينيين، منذ تصاعد مقاومة الشعب الفلسطيني؛ كانت فاتحة عهدة الاغتيالات في أعقاب عملية ميونخ عام 1972، نظرت رئيسة وزراء الاحتلال غولدا مئير آنذاك إلى ضرورة معاقبة الفلسطينيين باغتيال النُخب العسكرية والسياسية والفكرية.
ومضت آلة القتل الإسرائيلية على ذات النهج حتى يومنا هذا باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران.
ومن المؤكد أن اغتيال هنية لن يكون الأخير طالما بقي الاحتلال الإسرائيلي مزروعاً في المنطقة، غير أن حادثة الاحتلال قد ضاعفت ألم الجرح الفلسطيني فوق ألم حرب الإبادة التي تُمارس منذ عشر شهور في قطاع غزة، وخلقت علامات استفهام حول الاغتيال وأثره وما بعده من تداعيات.
الاغتيالات والبحث عن النصر
سبق عملية اغتيال إسماعيل هنية، قصف جوي إسرائيلي استهدف الضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانية بيروت، صرح الإعلام العبري أن هدف الغارة هو فؤاد شكر أبرز قادة حزب الله، والمطلوب أمريكياً منذ زمنٍ بعيد، غير أن الناطق باسم جيش الاحتلال زعم نجاح عملية الاغتيال، مع إتمام "تصفية الحساب" الحزب باغتيال أكبر قادته، فيما أكدت مصادر لبنانية العثور على جثمان فؤاد شكر بين ركام المبنى المستهدف في الضاحية.
وفي مطلع عام 2024 اغتال الاحتلال الشيخ صالح العاروري، أيضاً في العاصمة بيروت وقد تبنى الاحتلال العملية بشكلٍ رسمي، الربط المشترك بين جميع عمليات الاغتيال هو إعلان الاحتلال عن "تصفية الحساب" مع قادة المقاومة من جهة، والادعاء بإلحاق هزيمة بالجهة التي تم اغتيال الشخصية منها، كشعار "إلحاق الهزيمة بحركة حماس"، أو تحقيق نصرٍ خاطف يروج له إعلامياً وسياسياً من قبل حكومة الاحتلال، وهذه الشعارات مُستجدة عبر كل عملية اغتيال إسرائيلية على مدار سنين الصراع.
اغتيال في قلب طهران.. الخصوصية والتداعيات
يقول الكاتب والمحلل الساسي ساري أن عملية الاغتيال التي طالت هنية هو اغتيال مختلف، يأتي خلال صراع إقليمي وحرب شاملة غير مسبوقة ضد الشعب الفلسطيني بشكل عام وحركة حماس بشكل خاص، فيما يؤكد عُرابي أن هذا الاغتيال يرفع من شعبية حركة حماس وحضورها إقليمياً وشعبياً كغيره من الاغتيالات للقادة السابقين.
ويضيف ساري عُرابي، أن الاغتيال يخلق تحديات أمام الحركة وهي في ظرف حرب، بالتالي مطلوب من الحركة تعويض هذا النص وترتيب صفوفها، فيما يحتاج الاحتلال إلى عملية الاغتيال هذه واغتيالات مشابهة لإثبات لجمهور الاحتلال والعالم أنه لا زال قادر على الردع وتنفيذ عمليات اغتيال، في أي مكانٍ بالعالم، واستعادة الثقة بالمؤسسة العسكرية والأمنية للاحتلال، مع اضطراره لمعالجة الوضع الصعب الذي يعانيه على الجبهة الشمالية.
ويرى عُرابي أن الاغتيالات في بيروت وطهران تضع محور المقاومة أمام تحدٍ بارز وهو ضرورة الرد على الاستهدافات الإسرائيلية، فيما يأتي كل هذا في ضوء ارتدادات عملية السابع من أكتوبر حتى اللحظة.
وعن اغتيال الاحتلال لإسماعيل هنية وفؤاد شكر يقول المحلل محمد القيق، إن هذه الاغتيالات تؤكد فشل سياسي يعاني منه الاحتلال الإسرائيلي، مع دخول الاحتلال لمرحلة الاغتيالات والمواجهة كشعار يعلن جهوزية شن حرب إسرائيلية شاملة على عدة ساحات، وبمعاونة أمريكية.
وأضاف القيق أن الاغتيالات هو حرب معنوية نفسية ضد الفلسطينيين وأنصار محور المقاومة، ثم رسالة دولية بأن كيان الاحتلال قادر على القتال على أكثر من جبهة، مع توقع بتكثيف سياسة الاغتيالات بعدة مناطق جغرافية، فيما يستدعي القصف على طهران رد إيراني قوي يرد اعتبار الدولة واعتبار ضيفها إسماعيل هنية الذي اغتيل على أرضها.
وفي الواقع، من الصعب التنبؤ بطريقة الرد الذي هددت به إيران وفق تصريحات الحرس الثوري الإيراني التي صدرت صباح اليوم، والتي وصفت الاغتيال بالجريمة التي تستدعي العقاب.
ويُنظر إلى الاغتيالات أنها عملية تكتيكية قد لا تؤثر على المستوى الاستراتيجي في الصراع لأن البنية الاجتماعية والتنظيمية قادرة في كثير من المحطات على إعادة ترميم نفسها بقيادات جديدة، وقد تكون أكثر تشدداً في الصراع، وهذا لا يعني أن غياب القادة غير مؤثر لكنه في سياق الصراعات الطويلة لا يحسم المعركة لصالح الاحتلال.