إن السلبية الأولى، والأهم في إعلان بكين كونه وضع كل فصائل المقاومة، وأساساً حماس والجهاد تحت مظلة المطالبة بتطبيق القرارات الدولية (القرارات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة).
وهذه القرارات، ومنذ قرارها الأول الرقم 181 لعام 1947، والقاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين: يهودية وعربية، حملت غبناً للفلسطينيين وهدية للمستوطنين اليهود الذين دخلوا فلسطين، بصورة غير شرعية، تحت حراب الاستعمار البريطاني. وراحوا يبنون قوة عسكرية لاقتلاع ما أمكن، من الفلسطينيين من بيوتهم وأراضيهم، والحلول، بالقوة، مكانهم. وهو ما حدث في حرب 1948 التي أسفرت عن تهجير ثلثي الشعب الفلسطيني (حوالى تسعماية ألف) وإقامة ما سمّي بدولة "إسرائيل": النكبة.
وكذلك حال باقي القرارات التي طالبت الكيان الصهيوني بعودة اللاجئين، أو الانسحاب إلى حدود التقسيم، ثم القرارات الصادرة بعد العام 1967، التي تطالب بالانسحاب إلى حدود ما قبل حزيران/يونيو 1967، متنازلة أو "ناسخة" قرارات العودة. كما انسحاب الجيش الصهيوني إلى حدود التقسيم (القرار 181).
ووصل الأمر في إعلان بكين، أن شدد على العودة لتنفيذ، أو الانطلاق من، وثيقة الوفاق الوطني الصادرة في القاهرة 4/5/2011، والمستندة إلى نتائج اتفاق أوسلو.
والطريف في واقع الصراع في فلسطين، أن المطلوب من الفلسطينيين دولياً، والآن صينياً ـ روسياً، الاعتراف بكل القرارات الدولية وتطبيقها، وهي من أولها إلى آخرها، مجحفة بالحقوق الفلسطينية في فلسطين، فيما لا يطلب من الكيان الصهيوني، أن يعترف بهذه القرارات، أو أن يطبّق أيّاً منها. علماً أن "شرعية" وجوده غير الشرعي، استندت، وتستند إلى، القرار 181 لعام 1947
فالكيان الصهيوني ليس له من "شرعية" غير قرارات هيئة الأمم المتحدة، فيما شرعية الشعب الفلسطيني مؤسسة من 1400 سنة، في الأقل، في فلسطين، ومكرسّة بالقانون الدولي الذي يحصر حق تقربر المصير في فلسطين بالشعب الذي كان يسكن عام 1917، يوم احتلها الاستعمار البريطاني، كما لا يعطي ميثاق الأمم المتحدة، الجمعية العامة الحق أو الصلاحية، في تقرير مصير، أو تقسيم فلسطين، أو أيّ بلد في العالم.
لو تركنا هذا البُعد المبدئي، والقانوني الدولي، في خطأ الاعتراف الفلسطيني، بالقرارات الدولية، لنتناول الموضوع من الناحية السياسية الصرف، والفائدة العملية الصرف. فماذا سنواجه؟
نواجه تكراراً لخطأ فصائل م.ت.ف حبن قدمت التنازل نفسه، من دون مقابل. ثم قدمت تنازلات أخرى، دون المقابل المطلوب، وهو الحدّ الأدنى من الحق الفلسطيني. وهو "الدولة" في الضفة والقطاع وشرقيّ القدس. أي أقل من 20% من فلسطين أرضاً، ومع الحرمان من حق العودة لثلثي الشعب الفلسطيني، إلاّ في الكلام لرفع العتب.
فعلى ماذا دلّ، ويدلّ، هذا التنازل الذي عبّر عن غبن فظيع في المقايضة، ولا يصل إلى خمس قرار التقسيم، على غير الفشل الفاضح، بالنسبة إلى عالم التجارة، والسياسة البراغماتية النفعية.
وبهذا تكون هذه المشكلة مكررة، في إعلان بكين الذي كان عليه أن يتجنب كل هذا، ويحصر نفسه في وقف العدوان، وحرب الإبادة من جهة، وفي دعم المقاومة وقيادتها والشعب في قطاع غزة، مع التشديد على دحر الاحتلال، من الضفة والقطاع والقدس، بلا قيد أو شرط. وإذا كان من مطالبة بدولة، فما ينبغي لها أن تربط بالقرارات الدولية.
ثم إذا ظنّ أحد أن مصير ما اتفق عليه من إنهاء الانقسام، أو تشكيل حكومة، أو المضيّ بإعادة بناء م.ت.ف، فهذا كله مجرّب، ولا يطبّق، ولا يخرج من أن يكون تغميساً خارج الصحن، وكيف، فيما الأولوية القصوى في هذه المرحلة، وقف العدوان وحرب الإبادة، وتأكيد انتصار المقاومة والشعب في هذه الحرب.
وبكلمة، إن هذا البُعد الخاص بالصلح والوحدة، فلن يتعدى أن يكون تجريباً للمجرّب.
وأخيراً، سؤال يتعلق بدور الصين، هل هو مقتصر على الجانب الفلسطيني، أم السؤال: ماذا ستفعل الصين باتفاقاتها مع الكيان الصهيوني الاقتصادية والتقنية والعسكرية؟ هل سنسمع بموقف متوازن يفرض على الكيان الصهيوني، ولو بعضاً مما قدمه الفلسطينيون في إعلان بكين؟ مثلاً أن يعترف بالقرارات الدولية، أو يوقف العدوان فوراً، أو تتخذ إجراءات تحدّ من المستوى الهائل من اتفاقات التعاون معه.
هذا مع التأكيد على أهمية العلاقة بالصين.