خاص - شبكة قدس الإخبارية: على وقع خطرٍ استيطاني محدق تشهده الضفة المحتلة؛ يعيش الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل واقعاً استيطانيا معقدا تزداد صعوبته يوماً بعد يوم، يُقارب على تهويده كلياً من قبل حكومة الاحتلال وميليشيات المستوطنين المتدينين.
يجري ذلك على الأرض على شكل إجراءات تقوم بها سلطات الاحتلال في محيطه، كان آخرها يوم الخميس الماضي عندما أحضر جنود الاحتلال المعدات والمواد اللازمة لسقف فنائه الخارجي وتحويله إلى مكان خاص للمستوطنين.
رحلة عقودٍ من التهويد
بدأت رحلة تهويد الحرم الإبراهيمي فور احتلال مدينة الخليل واحتلال الضفة الغربية بأكملها من قبل جيش الاحتلال في حزيران عام 1967، وفور دخول جيش الاحتلال للمدينة تم اقتحام الحرم بأعدادٍ كبيرة من جنود الاحتلال والمستوطنين ورُفع علم الاحتلال على مئذنته ومُنع رفع الآذان فيه لأيام.
وبدأت بعدها سلسلة من الخطوات التهويدية التي دنست الحرم ومحيطه، بفرض سيطرة أمنية إسرائيلية عليه وتنفيذ مسيراتٍ للمستوطنين في محيطه، مُعلنين فيها أن الحرم جزء لا يتجزأ من أماكن عبادة اليهود، وهو إرث ديني يهودي وفق العقيدة التلمودية.
خلال سنوات السبعينات والثمانينات ضيقت سلطات الاحتلال الخناق على الحرم الإبراهيمي ومنعت بعض عمليات الترميم، واستمرت موجات من محاولة فرض السيطرة الكاملة عليه، تنامى ذلك مع توغل الاستيطان اليهودي في البلدة القديمة في الخليل وفي المستوطنات التي أحاطت بالمدينة كمستوطنة حجاي وكريات أربع.
المجزرة وفرض واقع جديد
في فجر 25 شباط 1994 كانت الهجمة الاستيطانية على الحرم الإبراهيمي قد بلغت أشدها، عندما ارتكب أحد وجوه الاستيطان في الخليل مجزرة مروعة أثناء صلاة الفجر داخل الحرم، وكان "باروخ غولدشتاين" قد تسلل إلى داخل المسجد بعد تسهيلات من جنود الاحتلال المتواجدين في جوار الحرم، وشرع بإطلاق النار بكثافة على رؤوس المصلين، فارتقى منهم 29 مصلياً، واستطاع بعض المصلين الانقضاض على "غولدشتاين" وقتله.
كانت المجزرة الحدث الفاصل الذي قلب واقع الحرم رأساً على عقب وأدخل الاستيطان إلى داخل الحرم بشكل فعلي، وتم ذلك بعدما أغلقت سلطات الاحتلال الحرم لشهور ومنعت إقامة الصلاة فيه، بدعوى تشكيل لجنة تحقيق في المجزرة، فكانت نتائج هذه اللجنة تقسيما مكانيا للحرم، واقتطاع جزء منه وتحويله إلى كنيس يهودي تُمارس به الشعائر التلمودية اليهودية، إضافة لتحويله إلى ثكنة عسكرية حقيقية مُحاطاً بعشرات نقاط التفتيش العسكرية ووضع إجرات تفتيش صارمة على الفلسطينيين الوافدين إليه.
تهويد وانتهاك لحرمة المسجد
أصبحت الشعائر الدينية اليهودية تُمارس بشكلٍ يومي داخل الحرم في الجزء الذي اقتُطع للمستوطنين، ونُفخت به الأبواق وأُدخل إليه النبيذ كجزء من الطقوس الدينية المتطرفة، وبدأت سلسلة جديدة من التضيقات على الفلسطينيين عند دخولهم إلى الحرم.
ولعل أبرز ملامح التهويد منع رفع الآذان في الحرم الإبراهيمي في أيام السبت، وفي الأعياد اليهودية، ومنع رفع آذان العشاء يوم الجمعة، ومؤخراً تم إغلاقه بشكلٍ كلي أمام المصلين لأيام عديدة بعد اندلاع معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023.
إضافةً إلى ذلك عملت سلطات الاحتلال على إجراء تغييرات عمرانية في محيطه تخدم المستوطنين، كإقامة مصعدٍ خاصة يتيح لهم الدخول بسهولة إلى الحرم، إضافة لوضع مخططاتٍ لسقف فنائه الخارجي ومنحه للمستوطنين.
يدور كل ذلك كانتهاك واضح لحرمة المقدسات الإسلامية في فلسطين المحتلة وتهويدها وسرقتها، من قبل احتلال استيطاني يسعى لنزع الهوية الإسلامية والعربية عن كل أرض فلسطين، ثم ابتلاعها بالكامل.