شبكة قدس الإخبارية

النزوح إلى "المناطق الآمنة" .. الفلسطينيون يرفضون الوقوع بالفخ مرة أخرى

عن كذبة النزوح إلى "المناطق الآمنة" .. الفلسطينيون يتعلمون من التجربة
مها إبراهيم

غزة – خاص قدس الإخبارية: فجأة ودون سابق إنذار تقدمت دبابات الاحتلال الإسرائيلي إلى منطقة غزة القديمة (حي التفاح، وحي الدرج)، خرج السكان تلك المناطق باحثين عن مأوى له. 

وألقت الطائرات الحربية للاحتلال منشورات تضمن خريطة توضح أن مناطق سكانهم ضمن المناطق الحمراء، فكان الغرب ملاذهم، لكن، وبمجرد وصولهم اشتد القصف أكثر في الغرب بفعل القنابل الانشطارية والعنقودية والفسفورية المحرمة دولياً.

ومنذ بداية الحرب، لم ينزح سكان البلدة القديمة سوى مرة واحدة بعد التوغل البري للقطاع، غاب فيها الفلسطينيون عن بيوتهم وعادوا برفقة نازحين من شمال القطاع "سكان بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا البلد والمعسكر" فغدت جميع المدارس الحكومية والتي تتبع وكالة الغوث "الأونروا" مكتظة بالمدنيين.

"اذهبوا إلى الغرب فهو آمن" هكذا يخاطب جنود الاحتلال سكان مدينة غزة حين يطالبهم بالإخلاء عبر اتصال هاتفي أو وقت التوغل البري عبر مكبرات الصوت، وهي الكذبة الأشهر التي سمعها الفلسطينيون في غزة، كونهم يدركون أن المنطقة التي يوجهون إليها هي مصيدة لقتلهم. 

فمثلًا، بعد نزح الفلسطينيون إلى المناطق الغربية من حيي التفاح والدرج، لم تهدأ القنابل والقذائف والصواريخ التي أسقطها الاحتلال حتى نزحوا مرة أخرى منتصف الليل إلى البحر ومخيم جباليا، ومنهم قضى ليلته في الشارع على الرصيف.

وتقدر الأمم المتحدة وشركاؤها بأن عدد النازحين داخليًا في قطاع غزة ارتفع من 1.7 إلى 1.9 مليون شخص، بمعنى أن حوالي تسعة من كل عشرة أشخاص في القطاع أصبحوا نازحين داخليًا عدة مرات.

ولأول مرة منذ بداية الحرب، طلبت قوات الاحتلال الإسرائيلي إخلاء مساحة 75% من مساحة مدينة غزة وتطلب النزوح نحو دير البلح، لكن سكان المدينة يرفضون وعادوا لبيوتهم، حتى بعد القاء طائرات الاحتلال لخريطة توضح الأماكن الخطرة والامنة، لم يستجب أخد كونهم يدركون "المنطقة الامنة أكذوبة“.

سكان شرق البلدة القديمة يعودون لبيوتهم

ولاتزال حالة النزوح من الشرق إلى الغرب، بعد التدمير الإسرائيلي للكثير من الأحياء القديمة، وتمسك من رفض النزوح منهم إلى الجنوب، بالبقاء في شمال قطاع غزة، كي لا يمنحوها للجنود ليعيثوا فيها خرابا، رغم أن غذاءهم المعلبات والطحين الذي توفر في الأسابيع الأخيرة، عدا عن تعرضهم طوال شهور الحرب للترهيب والقتل والحصار.

وحول ذلك، يكتب إسلام الحلاق عبر منصة إكس:" الاحتلال قام بالاتصال عدة مرات ليخبرني انني في منطقة قتال خطيرة ويجب الاخلاء منها فوراً!".

وأضاف:" انا متواجد في غرب غزة المناطق التي تم تصنيفها أنها آمنة ولكن لأن الاحتلال يكذب أكثر مما يتنفس يتصل يطلب الاخلاء ونحن في الأماكن الآمنة أصلا (..)لن نرحل ولن يحدث في ملك الله الا ما اراد الله".

وبفعل أكذوبة المناطق الآمنة عاد سكان المناطق الخطرة لبيوتهم شرق القطاع، مثلما فعل خالد عبد الغني، الذي قال لـ ”شبكة قدس“ إنه عاد لبيته في حي التفاح بعد ليلة قضاها في منطقة الثلاثيني برفقة عائلته.

وذكر أن عودتهم جاءت كون القصف لم يتوقف في المنطقة التي نزحوا إليها، فتشجع بعدما علم أن سكان المنطقة عادوا فرجع، مشيرا إلى أن "الموت واحد وفي كل مكان، وجميع الأماكن خطرة".

وأشار إلى أنه نزح بعد الهدنة مباشرة وعاد بعد شهر كامل ليعاني الجوع برفقة عائلته بعد انقطاع السلع والطحين، وبعدها قرر زراعة حديقة منزله ببعض الخضراوات ورجع من نزوحه الثاني كون لا أمان إلا بيته.

التدمير من أجل تخطيط عمراني إسرائيلي

منذ الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، استخدم جيش الاحتلال مصطلح "المناطق الآمنة" التي نصح سكان القطاع بالنزوح إليها بعيداً عن القصف، ولكن الآلاف استشهدوا في تلك المناطق باستهدافات إسرائيلية.

وفي اليوم الأول لنزوح سكان شمال القطاع إلى وسطه وجنوبه استجابة للمنشورات التي كان يلقيها جيش الاحتلال بأن الجنوب "مناطق آمنة"، قصف الاحتلال شارع صلاح الدين الرابط بين الشمال والجنوب وقتل العشرات من الفلسطينيين.

واستخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي الخداع والتضليل ضد مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين خلال حربه المستمرة على غزة، حيث لم يترك مكاناً إلا وقصفه.

ويقول المختص في الشأن الإسرائيلي عبد الرحمن نصار إن إدعاء الاحتلال بوجود مناطق آمنة هو سلوك عسكري منذ بداية الحرب، موضحًا أن الاحتلال استطاع بإنجاح كذبته بادعاء وجود منطقة خطرة وآمنة هو يحددها.

ويتابع نصار في حديثه لـ ”شبكة قدس“، أن الإعلان عن وجود مناطق آمنة ليذهب إليها الفلسطينيون هو أسلوب للقتل أكثر وإشعارهم " لا يوجد مكان آمن".

ولفت إلى أن إلقاء الخرائط التي تحدد المناطق التي يفترض النزوح لها يأتي ليعطي انطباع أكثر جدية كما جرى في خزاعة وحيي التفاح والدرج، موضحا أن الهدف من تكدس الناس في منطقة معينة يهدف الاحتلال الى انقلاب الفلسطينيين على المقاومة وكذلك مضاعفة عدد الشهداء بقصف المربعات المكتظة.

وحول تكرار محاولات إثارة الخوف بين الفلسطينيين، يرى نصار أن الاحتلال يهدف لإثارة هلعهم ودفعهم لإخلاء مناطقهم، لتفريع شمال القطاع، وفي ذات الوقت لا يسمح الاحتلال بنزوح كامل كونه يدرك عدم إمكانية استيعابهم في الجنوب.

ولفت إلى أن الاحتلال لديه نموذج مشروع الإدارة المدنية ويريد تطبيقه في كل المناطق وقت انتهاء الحرب والاعمار، لذا يعمل على تدمير البنيان من أجل تخطيط بناء عمراني وفق رؤيته وفق شروط امنية وسياسية واجتماعية، مشيراً إلى أن قطاع غزة سيتحول من أكبر سجن إلى أكبر مخيم وهذه المعركة أخطر من العسكرية.

وفي ذات السياق ذكر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن تتبع منهجية القصف الإسرائيلي يشير إلى وجود سياسة واضحة ترمي إلى نزع الأمان عن كل قطاع غزة وحرمان الفلسطينيين من الإيواء أو الاستقرار ولو لحظيًّا، من خلال استمرار القصف على امتداد القطاع والتركيز على استهداف مراكز الإيواء في مدارس ومقرات الأونروا.

وجدد الأورومتوسطي مطالبته لجميع الدول بتحمل مسؤولياتها الدولية بوقف جريمة الإبادة الجماعية وفرض العقوبات الفعالة على إسرائيل، ووقف كافة أشكال الدعم والتعاون السياسي والمالي والعسكري المقدمة إليها، بما يشمل التوقف الفوري عن عمليات نقل الأسلحة إليها، بما في ذلك تراخيص التصدير والمساعدات العسكرية، وإلا كانت هذه الدول متواطئة وشريكة في الجرائم المرتكبة في قطاع غزة، بما في ذلك جريمة الإبادة الجماعية.

كما حث المرصد الأورومتوسطي المحكمة الجنائية الدولية على الإسراع في إصدار مذكرات إلقاء القبض ضد رئيس وزراء الاحتلال "بنيامين نتنياهو" ووزير حربه "يوآف غالانت"، وتوسيع دائرة التحقيق في المسؤولية الجنائية الفردية عن الجرائم المرتكبة في قطاع غزة لتشمل جميع المسؤولين عنها، وإصدار مذكرات قبض بحقهم، ومساءلتهم ومحاسبتهم، والاعتراف والتعامل مع الجرائم التي يرتكبها الاحتلال باعتبارها جريمة إبادة جماعية دون مواربة.