شبكة قدس الإخبارية

بعد منعها من الغناء في بريطانيا لدعمها غزة.. "قدس" تحاور الفنانة الفلسطينية ريم الكيلاني

photo_2024-07-02_16-06-32
مها شهوان

فلسطين المحتلة - خاص شبكة قُدس: منذ سنوات تتجول الفنانة الفلسطينية ريم الكيلاني بحنجرتها الثائرة بين القاعات الأوروبية خاصة في بريطانيا حيث تقيم، لتغني فلسطين وقضيتها والحق المسلوب، تزلزل الحضور بطريقة غنائها، تحكي بصوتها عن حق شعبها بالمقاومة ورفضها لمحتل غاصب.

تقدم الكيلاني فنا فلسطينيا مميزا لا تشبه فيه أحدا، فهي من أهازيج الجدات والأمهات تغزل بصوتها أغانيها الثورية، وتقف على المسرح شامخة كالمقاتل تغني "موطني، موطني، موطني" لا تريد شيئا سوى الانتصار فهي ورثت عنادها عن مدينتها جنين "عاصمة المقاومة الفلسطينية".

حاورت "شبكة قدس" الإخبارية ريم الكيلاني لتحكي عن تفاصيل الحملة التي تقودها منظمة "محامون بريطانيون من أجل إسرائيل" لمنعها من الغناء، فهي منذ حرب غزة لم تتوقف عن التغريد عبر حسابها الشخصي تويتر وفضح لممارسات الاحتلال ضد المدنيين، كما وتحدثت في الحوار التالي حول أهمية الفن الفلسطيني في إبراز ما يجري من أحداث في قطاع غزة خاصة في أوروبا.

 ما الذي يخشاه الأوروبي من صوت ريم الكيلاني؟

المستعمر يخاف من الصوت الفلسطيني، أيًا كان القائل، الصهيوني يخاف من الرواية الفلسطينية، أيًا كان الراوي. بالنسبة لي شخصيًا، أمامنا الحملة التي تقوم بها منظمة "محامون بريطانيون من أجل اسرائيل" ضدي، فهم يحاولون تهديد القاعات التي تفكر باستضافتي بالمقاضاة، لأنه وفق قولهم، حين وصفتُ ما يجري في غزة بالإبادة الجماعية، اعتبروا هذا الوصف "معاديًا للسامية". وحين كتبتُ في تويتر أن الأطباء الصهاينة يؤذون الأسرى الفلسطينيين، اعتبرَت هذه المنظمة الصهيونية هذا الكلام أيضًا "معاديًا للسامية". لأنه وفقًا لهم، "فقط الأطباء النازيون هم الذين آذوا السجناء اليهود، ووجب عدم المقارنة". وها هو اليوم الدكتور محمد أبو سلمية، حمدًا لله على سلامته، يخرج من الأسر بعد أشهر من الاعتقال القسري قائلًا بأن الأطباء الصهاينة كانوا يقومون بضرب الأسرى والمعتقلين دون محاكمة.

كم دفعتِ الثمن مقابل ذلك؟

لا أفكر في الموضوع من ناحية "الثمن" من أصله. لا أحد يدفع الثمن كما يدفع أهالينا في غزة. كل الأثمان تزول أمام رباطهم وتحملهم ما لا يتحمله أي بشر. بالنسبة لي، الموسيقى ليست مصدر رزق من أصله، لأنني في الأساس أقوم بالترجمة والتعليم والأعمال الإذاعية. الفن المستقل في الغرب صعب جدًا، والفنان المستقل يقوم بتحمل كل المصاريف لإنتاج موسيقاه، سواء تمكن من بيع أسطواناته أم لا. فما بالك في حالة فنان مستقل وفلسطيني في نفس الوقت. الثمن المؤلم هو تشويه السمعة، أكثر منه أي شيء آخر، لأن هذا يؤثر على فرص تواجدي في المدارس البريطانية لتقديم المقولة الفلسطينية. وهنا مرة أخرى يختلط الشخصي مع الجماعي. لأن تشويه سمعتي بأنني "معادية للسامية" بنظرهم هو أيضًا محاولة لتشويه سمعة قضية حق كقضية فلسطين وغزة.

كيف تعاملتِ مع الأمر خاصة محاولة منعك من الظهور في هذا التوقيت مهم؟

نحاول قدر الإمكان التواصل مع المؤسسات الإعلامية في العالم الغربي وكذلك في العالم العربي. هناك الكثير من "المرجفين في المدينة" من العرب والمسلمين الصامتين عن الحق الذين يهاجمون أي فلسطيني يعيش في الغرب حين ينتقد تخاذلهم. فيقولون "إنتوا عايشين في الغرب، ما بيطلع إلكوا تزايدوا علينا." وهم إما يجهلون، أو لا يريدون أن يعرفوا، أن الوضع في الغرب – خاصة في بريطانيا – أصبح لا يطاق، لدرجة أنني أفكر أن أترك بريطانيا رغم أنها مكان ولادتي في الأصل. هناك الملاحقة في كل المجالات: هناك محاولات لإلغاء تأشيرات الدراسة للطلبة الفلسطينيين المتمسكين بقضيتهم. هناك حالات للفصل من العمل. هناك محاولات لإلغاء المظاهرات التي ننظمها، ولتنظيم مظاهرات معادية لاستفزازنا وإظهارنا بصورة سلبية. وفي حالتي، محاولات لمنعنا من الظهور على أي منصة – سواء كان ذلك في مهرجان خطابي أو في الإذاعة أو في المدارس في الأمسيات الثقافية. لذلك، نحاول الآن التواصل مع الإعلام قدر الإمكان. هناك مثل انجليزي يقول: "الصمت هو الصديق المقرب للظالم". ولن نصمت.

ما الذي تخشاه "إسرائيل" من الفنون الفلسطينية؟

حاليًا، أكثر شيء تخشاه "إسرائيل" هو إثبات الوجود الفلسطيني، أيًا كانت صيغة هذا الوجود، خاصة في الغرب، لأن الجماهير الغربية بدأت الآن في الحراك، شعبيًا وطلابيًا. هناك أيضا عامل هام في تقديم الفنون الفلسطينية وهو "أنسَنَة" الهوية الفلسطينية. حين يعي المستمع الغربي بأن الأهازيج وأغاني الأعراس والحصاد متواجدة أيضًا في فلسطين، يحدث ترابط هنا مع تراث المستمع الغربي نفسه، لأن هذه الفنون هي فنون العالم بأسره. لم يعُد هناك مجال لإخفاء الآخَر الفلسطيني.

ما أهمية الفنون الفلسطينية في إبراز ما يجري من أحداث في قطاع غزة خاصة في أوروبا؟

الفنون عامة، عبر التاريخ، هي شهادة حية لتجربة الشعوب. الفن يخدم على المدى البعيد أكثر منه المدى القريب أو الآنيّ. الفن تجربة جماعية تحمل في طياتها الذاكرة والسيرة. الفنون والآداب شهود عيان، وتعلمنا من أمثال غسان كنفاني هذا الدور. الفنون جزء من نسيج السردية، وفي حالتنا، السردية الفلسطينية التي تم قمعها لعقود. أذكر مرّة أحد طلاب الماجستير في جامعتي في بريطانيا، طالب دراسات عليا!!، لم يكن يعرف أين هي فلسطين، والأسوأ، أنه لم يفرق بين لفظ اسم فلسطين بالإنجليزية عن اسم باكستان!

هل من خلال التجربة خاصة في الأحداث الأخيرة في القدس وغزة والضفة كان للفن دور كبير في لفت أنظار العالم إلى قضيتنا؟

حاليًا، أرى الأولوية الآن في توعية العالم بما يحصل في غزة. هناك تعتيم كبير على نشر ما يحدث في غزة كل يوم، فواجبنا كلنا أن نعمل قدر الإمكان على متابعة ومشاركة الأحداث في غزة. الفنان ليس مجرد "أمسية فنية" أو أسطوانة. الفنان صوت وموقف. مثلًا، أنا توقفت تمامًا عن القيام بأي عمل تلحيني أو أدائي منذ بدأت الإبادة. لازَمني الغضب والإحباط، وكل وقتي كان مكرسا للتغريدات السياسية ونشر التوعية قدر الإمكان والمشاركة في تنظيم المظاهرات والفعاليات في بريطانيا. توقفتُ عن العمل حتى في الترجمة أو الكتابة. أصبت بحالة من الشلل الفكري والإبداعي، لم يُخرجني منها سوى تلحيني لقصيدة الشهيد رفعت العرعير التي كتبها بالإنجليزية قبل استشهاده. ننوي إطلاقها بإذن الله يوم 19 يوليو، وسيكون الريع لصالح وكالة الغوث "الأونروا"، لأن هناك حملة شعواء في الغرب عليها بحجة الإرهاب. والسبب الرئيسي كما نعلم هو إنهاء قضية اللاجئين، ليس فقط في غزة، بل في بقية المخيمات في فلسطين ولبنان وسوريا والأردن.

في السنوات الماضية وصفت الصحافة البريطانية ريم الكيلاني أنها "السفيرة غير الرسمية للثقافة الفلسطينية"، ووصفت موسيقاها بأنها تؤكد على الحق في الوجود والحياة، برأيك أليس من التناقض ما جرى معك هو وصفك بالسفيرة ثم إيقافك عن الغناء؟

كل الأمور المتعلقة بفلسطين، وموقف الغرب منها بالذات، مليئة بالتناقض. وهذا دافع أكبر لنا أن نستمر في إسماع صوتنا. الصحافة البريطانية التي استخدمَت وصف "السفيرة غير الرسمية للثقافة الفلسطينية" هي صحافة أقلام النقاد الموسيقيين، لا المحللين السياسيين. هؤلاء يستمعون إلى الألبوم، ثم يكتبون نقدهم الموسيقي. وكلما زادت الكتابة في الغرب عن الموسيقى الفلسطينية، كلما زادت الضغوط الصهيونية لتحييد هذا. رغم ألمي وغضبي من إلغاء الكثير من القاعات لأمسياتي، هناك عزاء بأن ما أقدمه يمثل تهديدًا لهم. على سبيل المثال، ولأول مرة، دخلَت الموسيقى الفلسطينية المقرر الدراسي الرسمي في بريطانيا، ضمن المنهاج الموسيقي. وتم ذلك عبر ألبومي الأول "الغزلان النافرة: أغانٍ فلسطينية من الوطن الأم ومن الشتات" (2006). وجاءت شهرة الألبوم من الكلام الإيجابي للنقاد الموسيقيين، وكذلك من عملي في التدريس في المدارس البريطانية من خلال ورشات العمل وحفلات الطلاب وفرق الكورال. فكانت النتيجة أن انتَبَهَت منظمة "محامون بريطانيون من أجل إسرائيل" لما أقوم به، مما جعلها تطلق هذه الحملة التي مازالت مستمرة.

ما هو ردك على محاولات إخفاض صوتك ومنعك من إقامة الحفلات؟ ماذا ستفعلين؟

سأكون! هذا هو الرد الذي يخيف الصهاينة، وحلفاء الصهاينة من عرب وعجم. وجود الإنسان الفلسطيني من أصله هو الشوكة في حلق من يريد أن يقول إننا غير موجودين من أصله. أذكر مرة في إحدى المهرجانات الموسيقية الذي يطلبون من خلاله من الفنانين المشاركين أن يقدموا طبقًا من وطنهم اليوم التالي للحفل. وأثناء قيامي بالطبخ في ورشة عمل عن الأكل الفلسطيني في اليوم التالي (قدّمت للجمهور طبق المسخن وطبق متبل القرع)، صرخَت امرأة إسرائيلية وسط الحضور قائلة: "لا يوجد شيء اسمه أكل فلسطيني"، وخرجت غاضبة من القاعة. دائمًا أقول إن كل رد فعل صهيوني هستيري من جانب معين من جوانب هويتنا هو دعوة لنا للتمسك به أكثر فأكثر.

لم ينته مشوار الكيلاني عند منعها إقامة حفلاتها، لكنها بأدواتها ستستمر في فضح الكيان الإسرائيلي وإعلاء صوت المكلومين في قطاع غزة، فلن يعيق طريقها أحد ولن تخشى أحد.