تقارير خاصة - قدس الإخبارية: تعمد الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء معركة طوفان الأقصى استخدام سلاح التجويع ضد أهالي قطاع غزة، فأحكم قبضته وأغلق المعابر التجارية وبات الفلسطينيون يستهلكون ما يوجد في الأسواق إلى أن بدأت السلع تنفد تدريجيًا حتى بدأت بالانعدام شمال القطاع، بينما كان الجنوب أكثر حظًا بسبب إدخال البضائع والمساعدات عبر معبر رفح عدة مرات.
وانتهز بعض التجار، أو ”تجار الحروب“ كما أسموهم الفلسطينيون في غزة، قلة البضائع، وباتوا يحتكرونها ويرفعون أسعارها بشكلٍ غير مسبوق، تعيق قدرة النازح على شرائها في جنوب قطاع غزة.
أما في الشمال، الذي يواجه نذر مجاعة ثانية، باتت المعلبات التي كانت طعام الفلسطينيين المعتمد أصبحت شحيحة وبسعر مرتفع، فمثلا علبة "المرتديلا" الصغيرة في الأيام العادية لا يتجاوز سعرها الخمسة شواقل، اليوم تتجاوز الخمسون شيكلا.
في هذا التقرير، ترصد "شبكة قدس" معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة جراء ارتفاع أسعار السلع المتوفرة، والدور الرقابي في محاسبة التجار من قبل الجهات الحكومية في قطاع غزة.
فلسطينيون يشتكون استغلال تجار الحروب
في شمال القطاع، يقول أبو همام اسليم إنه يخرج يوميا الى سوق الصحابة في حي الدرج علّه يستطيع شراء القليل من الخضراوات لأطفاله، لكنه دوما يعود كما جرت العادة بالمعلبات، مشيرا إلى أن الخضار المتوفرة قليلة ولا تصلح "للحيوانات" وسعر الكيلو يتجاوز السبعين شاقلًا.
وذكر في حديثه لـ ”شبكة قدس“، أن المتوفر من الخضار في البسطات "الخيار والبندورة" وبعض الورقيات كالبقدونس والفلفل الأخضر أيضًا، مضيفًا: " لم نعد نخشى القول إننا جوعى (..) والتجار من المفترض أنهم مثلنا لكنهم يتجاوزون في ارتفاع الأسعار مستغلين عدم وجود من يحاسبهم من وزارة الاقتصاد".
كما تشتكي سناء ضاهر والتي تسكن حي النصر من الغلاء، وتقول وهي تقلب مناقيش الزعتر على فرن الطين الذي صنعته منذ بداية الحرب، ”إن زوجها عامل في مخبز ووقت الحرب تعطل كل شي وباتوا يعتمدون في قوتهم اليومي على المعونات الإغاثية التي تصلهم من حين لآخر، لكن ما يتوفر في السوق لا تستطيع شراءه.“
وذكرت لـ "شبكة قدس"، أن كيلو البندورة وصل إلى مائة شاقل ولا تؤكل لسوء جودتها، بينما تجاوز سعر كيلو السكر تجاوز الثمانين شاقلًا، مشيرة إلى حدوث انفراجة بسيطة قبل شهر ونصف، وانخفضت الأسعار لكن بعد إحكام إغلاق الشمال، لم يعد يتوفر شيء وإن توفر بسعر عال لا يستطيع أحد شراءه.
أما في المنطقة الوسطى وجنوب قطاع غزة (جنوب وادي غزة)، فالحال مختلف، تتوافر البضائع بشكل أكثر من شمال القطاع، وينشط استغلال تجار للحرب، وتنافسهم في ارتفاع الأسعار حتى لو كانت السلع فاسدة.
وحاول النازحون في الوسطى والجنوب مقاطعة التجار، لكن مقاطعتهم لم تطل لحاجتهم وصغارهم لسد رمقهم، لكن كان هناك خطوات على أرض الواقع من قبل لجنة الطوارئ، فمثلا في مخيم النصيرات صودرت كمية بيض من تاجر رفع الأسعار، وقبلها بأيام قليلة صودرت لحمة مجمدة من تاجر محتكر ووزعت على مراكز الإيواء.
في حديثه لـ ”شبكة قدس“، يقول أحد سكان مدينة النصيرات هاشم عبيد إن الراتب الذي يتقاضه بالكاد يكفي لشراء أبسط الاحتياجات لعائلته من معلبات ومنظفات، فهو يعمل أجير في محل للملابس.
ويتابع: " أمر يوميا من السوق وأتحسر على الخضار المتوفر ولم أستطع شرائه لارتفاع سعره (..) حتى السكر والشاي بات يختفي وإن توفر بسعر غالي".
ويضيف عبيد: ” أقل طبخة احتاج إلى مائة شاقل حيث شراء الحطب والقليل من الخضار (..) أما اللحوم والدجاج المجمد لا أستطيع شراءها، ومنذ أربعة شهور لم نتذوق شيئًا“.
وتأمل عبيد أن يتذوق اللحمة في عيد الأضحى لكن ”لم يصله سوى الأرز دون لحمة“، وفق وصفه.
وفي 7 يونيو/حزيران الجاري، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" إن 9 من بين كل 10 أطفال في غزة يعانون من نقص خطير في الغذاء، وإن سوء التغذية يزيد من الخطر على الحياة في القطاع.
وأفادت في تقرير، بأن "الوضع في غزة يظهر أن الأسر غير قادرة على تلبية الاحتياجات الغذائية لأطفالها، مما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على الأطفال“.
وزارة الاقتصاد: محاولة ضبط السوق تحت الاستهداف
حالة من الفوضى داخل الأسواق الغزية بدأت مع بداية الحرب، حين استغل بعض التجار حاجة النازحين دون تدخل حكومي نافذ بسبب تعمد الاحتلال استهداف المؤسسات الحكومية في القطاع، لكن بعد فترة بدأ يظهر دور عمل لجان الطوارئ.
وحول ذلك، يقول المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة إنه وفي ظل حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الإحتلال الإسرائيلي واستهدافه بشكل مقصود لجميع الطواقم الحكومية العاملة على ضبط الأمن والميدان والأسعار، حدثت تجاوزات لدى بعض التجار الذين يحاولون استغلال حالة الحرب فرفعوا الأسعار بشكل كبير.
وذكر الثوابتة لـ "شبكة قدس" أن الحكومة الفلسطينية في غزة تحاول العمل قدر المستطاع لضبط الأسواق، خاصة بعد الاستهداف المُركز من قبل الاحتلال لسبعين شهيدا وهم يحاولون ضبط عمل التجار وتأمين السلع والبضائع.
ويقول:" نحاول قدر المستطاع التواصل مع التجار لتخفيض الأسعار وهناك استجابة محدودة، ومن يتخلف عن الاستجابة تتواصل الطواقم الحكومية معه وترسل له رسائل واضحة بأن عليهم الالتزام بالأسعار التي تحددها وزارة الاقتصاد الوطني".
ويؤكد الثوابتة على أنه رغم حالة الفوضى والحرب، تلعب الطواقم الحكومية دورًا كبيرًا في ضبط الأسعار، ولا تزال تعمل في الميدان رغم الاستهداف المتكرر لهم من قبل الاحتلال، موضحا أنه تم معاقبة بعض التجار بأساليب مختلفة ومنها سحب البضاعة منهم وتوزيعها على النازحين المحتاجين الذين ينتظرون الطعام والشراب.
أما فيما يتعلق بضبط الأسعار في السوق، يشير الثوابتة إلى أن وزارة الاقتصاد الوطني تعمل بقدر المستطاع لضبطها، وتشجع التجار على استيراد العديد من السلع والبضائع غير المتوفرة في قطاع غزة والتي يحتاجها السكان خاصة الخضروات، لا سيما في محافظتي غزة والشمال اللتين تعيشان مجاعة حقيقية في حرب الإبادة الجماعية.
ويشدد المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي على ضرورة تحلي التجار بالمسئولية الاجتماعية، ومن يخالف التعليمات سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية والمناسبة بحقهم في ظل هذه الحرب.
يذكر أنه في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، حذرت الأمم المتحدة من كابوس المجاعة الذي سيطارد أكثر من مليون فلسطيني في قطاع غزة بحلول منتصف شهر يوليو\ تموز المقبل في حال لم تتوقف الحرب.