لم تنجح أمريكا حتى اللحظة في احتواء طوفان الأقصى الذي وصل صداه لكل الميادين والجامعات والبرلمانات والحكومات وأروقة الأمم المتحدة جارفا معه نظرية الردع الإسرائيلية الأمريكية التي كانت متبعة طوال عقود، وكذلك الرواية الإعلامية المفبركة لتسويق القتل والتشريد الذي اعتادوه بحجة محاربة الإرهاب، فاستخدمت مخزونها الاستراتيجي بدءا من العسكري وصولا للسياسي والقانوني والاجتماعي والاقتصادي، والنتيجة توسع الطوفان وزيادة الاستقطاب واصطفاف المواقف، الأمر الذي كانت أمريكا لا تتمناه لتبقى مسيطرة.
هذه المعطيات تقود لمنعطف جديد يتمثل في:
* حالة الفشل والاستنزاف في أوكرانيا تسببت في شرخ دولي وصدمة أوروبية بسبب الانقياد الأعمى وراء قرار أمريكا، ما جعل بعض دول الاتحاد تذهب بعيدا عن مزاجها في ملف فلسطين، ولاحقا ستعيد حساباتها في أوكرانيا.
* تطور مواقف تركيا الميدانية من اشتراكها مع جنوب أفريقيا في قضية العدل الدولية ضد "إسرائيل"، مرورا بقطع العلاقات ومنع التصدير والاستيراد والموانىء، سيقود إلى تحرك عسكري بالتزامن مع إجماع دولي على رفض تصرف الاحتلال وقرارات دولية قانونية مرتقبة بضرورة وقف العدوان، وهذه مظلات هامة في التحركات العسكرية، والاستدلال على ذلك ما ورد من تصريح وزارة الدفاع التركية بضرورة وقف العدوان.
* استنزاف الردع الدولي العسكري بدأت به إيران مباشرة في عملية الوعد الصادق وسبقها ردع قانوني من جنوب أفريقيا وتلتها مواقف تركيا وكولومبيا والبرازيل وصولا إلى إسبانيا والنرويج وإيرلندا انتظارا للجديد من المواقف، وهذا بحد ذاته منعطف يحطم الردع الدبلوماسي والسياسي الذي كانت تمارسه أمريكا.
* انتهت حقبة الهيمنة الأمريكية على ملف القضية الفلسطينية الذي قلصته وقزمته إلى اتفاقية أوسلو وزينته بأن المفاوضات هي المسار الوحيد للدولة الفلسطينية القابلة للحياة، ومسار أمريكا هذا يعني اعتراف الضحية بشرعية جلادها ونهب حق الشعب وحدوده وسيادته بحجة المفاوضات التي اتضح على مدار عقود أنها من أجل التخدير واستكمال التطبيع وتجاوز الفلسطيني لترسيخ "إسرائيل" ضمن نظرية "وجدت لتبقى".
* استمرار تسارع المواقف والأحداث والصدمات التي تتلقاها أمريكا في أفريقيا وأفغانستان، وتآكل الردع التاريخي، وتسلل روسي صيني ناجح بامتياز للمنطقة العربية يجعل الأمور أكثر تعقيدا في محاولة الأمريكي الإبقاء على أحادية القطبية.
* الانتخابات الداخلية التي حصرت تفكير المواطن الأمريكي بين كهلين كبيرين في السن بمعاداة شخصية وغياب أولوية وتناقض في الطرح لمصلحة الفرد؛ ستكون مصدر استنزاف داخلي له وانعكاسه على جبهات ساخنة كما التجارة والتعاملات والهجرة والصراعات.
* هنا سيكون المنعطف والتوقيت ثمينا جدا، وستكون فرصة تستغلها الصين لضم تايوان، فأمريكا منشغلة بانتخابات داخلية تزامنا مع تصعيد اقتصادي ضد بضائع الصين، واستنزاف في أوكرانيا و"إسرائيل"، وأزمة اقتصادية داخلية تلوح في الأفق، وانفضاح ازدواجية المعايير والڤيتو السيء في مجلس الأمن، وتعرية مؤسسات دولية انكشفت أنها ديكور لتغليف الهيمنة الأمريكية.
كل ذلك يقود لتحرك صيني محتمل ورفع روسي لوتيرة مخططها في أوكرانيا وتنسيق مواقف دولية ميدانية في ملف فلسطين، والخاسر مع طول أمد الحرب على غزة هو من بدأ الإبادة واعتقد أنه يملك كل الأوراق القريبة والعابرة للمحيطات.
منعطف دولي سيكون أثره الميداني واضحا لاحقا ويرسم استراتيجية القطبية المتعددة.