هذه العلاقة التي خضعت لخلل موازين القوى التي مالت بشكل واضح وكامل لصالح الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الرئيسي لكيان العدو، منذ نشأت هذه المؤسسات.
وعلى الرغم من محدودية الأثر للمؤسسات الدولية في الصراع الفلسطيني، إلا هناك مساحات مهمة يجب عدم إغفالها في محاصرة كيان العدو، خاصة أن هذه المنظومة جاءت منطلقة من منظومة قيمية تركز على الحرية الفكرية والليبرالية، ولذلك الجمهور الغربي كان مقتنعا أن العرب والمسلمين هم متمردون على النظام الدولي لأنهم لا يؤمنون بقيم الحرية والاختيار السياسي وأنهم غير قادرين على التعايش مع بقية مكونات العالم سواء الدينية أو العرقية أو السياسية، لذلك مارست المنظومة عملية انحياز كامل ضد مصالح العرب والمسلمين.
القضية الفلسطينية أعادت اختبار المؤسسات العالمية مرة أخرى، سواء في ادعاءات رعايتها للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن المختلف هذه المرة أن شبكات التواصل الاجتماعي كسرت الاحتكار الصهيوني لوسائل الإعلام الغربية التي ركزت على تشويه المسلمين والعرب والفلسطينيين، وصنعت منهم بعبعا على مدار العقود الماضية، ولذلك رأت المجتمعات الغربية بأم عينها كيف أن منظومة القيم التي ينتمون لها سقطت في اختبار القضية الفلسطينية سقوط مدو، كما أن حجم التناقضات التي ظهرت في خطاب الأنظمة السياسية الغربية والممارسة ظهرت بشكل واضح وجلي.
لذلك دورنا كنخب في العالم العربي والإسلامي اليوم وخاصة العالم العربي أن يكون لنا جهد في محاسبة كيان العدو وملاحقته، ودعم كافة الجهود الحقوقية العالمية واستكمال حصار كيان العدو وإسقاط شرعيته السياسية في المؤسسات الدولية، وهذا الجهد متاح بشتى الطرق، لكنه يحتاج لفرق عمل منظمة وتملك رؤية.
بدأ الاحتلال الصهيوني لفلسطين بصورة رسمية العام 1948 بصورة متزامنة مع نشأة مجلس الأمن الذي سبق النكبة الفلسطينية بعامين العام 1946.
لازمت القضية الفلسطينية مجلس الأمن منذ نشأته وحتى اللحظة كأطول قضية عالمية دخلت أروقة المؤسسات الدولية ولم يتم معالجتها على امتداد عمر المؤسسات الدولية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية لأجل الأزمات الدولية، وكنتيجة لاستخلاص العبر من الحرب العالمية الثانية التي جاءت نتيجة فشل عصبة الأمم في إدارة المشهد الدولي.
هناك ظروف موضوعية تعطل قرارات مجلس الأمن حول القضية الفلسطينية، أهمها أن الجغرافيا العربية لم تكن ضمن التوازنات التي شكلت مجلس الأمن والتي شملت 5 قوى عظمى، لم يكن أيا منها مرتبط موضوعيا بالمنطقة العربية كثقافة أو كتلة سكانية، بينما ظل مجلس الأمن أسير التوازنات السياسية بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفياتي حتى العام 1990 مع انهيار الاتحاد السوفياتي، لم تكن القضية الفلسطينية تشكل أولوية لدى صانع القرار العالمي إلا من مدخل التدخل الأمريكي الذي بنى معادلة سياسية مع المنظومة الرسمية العربية تخدم مصلحة الاحتلال.
بعد العام 1990 بدأت مرحلة القطبية الواحدة التي سيطرت فيها أمريكا على العالم وعلى منظومة القرار دون حسابات سياسية من منافس سياسي قوي، الأمر الذي أدى لخلل كبير في المنطقة العربية، نتج عنها حرب الخليج الأولى وإجبار الفلسطينيين على توقيع اتفاقية السلام، وتقليص دور المؤسسات الدولية من التدخل في القضية الفلسطينية لأمرين أساسيين نشوء السلطة وعملية السلام، وتراجع حدة الصراع الفلسطيني الصهيوني.
في انتفاضة الأقصى تم استصدار عدد من القرارات من مجلس الأمن تبنت الخطاب الأمريكي بالدعوة لوقف العنف والعودة لمفاوضات السلام وخارطة الطريق، ومن الملاحظ أن الفرق بين القرارات التي كانت تصدر قبل عملية السلام وبعدها أن المؤسسة الأممية كانت تراعي في قراراتها حماية الشعب الفلسطيني وحقوقه، لكن بعد "عملية السلام" أصبحت المصطلحات الأمريكية هي الأكثر حضورا في قرارات مجلس الأمن.
في الحرب الحالية فإن مجلس الأمن شهد صراعا كبيرا في ظل تبني الإدارة الأمريكية للحرب على غزة والدعم السياسي والعسكري الكامل، وضمن الغطاء السياسي للحرب فقد عطلت الإدارة الأمريكية جميع القرارات المتعلقة بوقف إطلاق النار، كما قامت الولايات المتحدة الأمريكية باللعب في صياغة القرار الأخير، الأمر الذي سمح لها بتفسيره على أنه غير ملزم، وذلك في ظل عدم قدرتها على مواصلة استخدام حق النقض الفيتو نتيجة الحرج أمام الرأي العام الدولي.
سيظل مجلس الأمن الدولي غير مفيد للمنطقة العربية وإفريقيا لأن أصل نشأة المجلس لم يضم في جنباته قوى وازنة أو مؤثرة في هذين الإقليمين السياسيين، وبالتالي ستظل المنطقة العربية خاضعة لطبيعة التوازنات السياسية أو وجهة النظر الأمريكية في القضايا السياسية للمنطقة العربية، والتي تنحاز بشكل كامل في القضية الفلسطينية لصالح العدو الصهيوني.
الخلاصة:
• مجلس الأمن ما زال أداة من أدوات الهيمنة وترسيخ الاستعمار الذي تديره المنظومة الدولية الغربية التي أنشأت الكيان الصهيوني.
• اليوم القضية الفلسطينية كشفت عور المؤسسات الدولية وانحيازها، وتحولت لحد فاصل في العالم بين قيم الحرية والهيمنة والاستعمار، سيبنى عليها صدوع قيمية وسياسية.
• أثبتت المقاومة الفلسطينية صحة مقاربتها منذ البدايات بأن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تعود لواجهة الأحداث العالمية دون المبادرة والمقاومة بكافة أشكالها. وأن المؤسسات الدولية خاضعة للهيمنة الأمريكية التي تنحاز لصالح العدو الصهيوني بشكل كامل.