رام الله - قدس الإخبارية: قالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، اليوم الإثنين، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت منذ مطلع العام الجاري أكثر من (880) طفلا، علمًا أن (145) حالة اعتقال سُجلت خلال تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بين صفوف الأطفال.
وقالت المؤسستان في بيان لمناسبة يوم الطفل العالمي الذي يصادف الـ20 من تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، إن الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب الإبادة المستمرة بحق شعبنا في غزة ومنهم الآلاف من الأطفال، يواصل عمليات الاعتقال الممنهجة بحق الأطفال الفلسطينيين في الضفة، والتي كّلت وما تزال إحدى أبرز السياسات الثابتة والممنهجة، لاستهداف الأطفال والأجيال الفلسطينية.
وبلغ عدد المعتقلين الأطفال في سجون الاحتلال حتى نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أكثر من (200) طفل يقبعون في سجون (عوفر، ومجدو، والدامون)، ومن بين الأطفال المعتقلين (26) طفلًا رهن الاعتقال الإداري، (علمًا أن العدد متغير بشكل دائم نتيجة لحملات الاعتقال المستمرة وبوتيرة مرتفعة.
وأضافت هيئة الأسرى ونادي الأسير، أن نسبة عمليات اعتقال الأطفال لا تعكس فقط استمرار الاحتلال في تنفيذ هذه السياسة وتصاعدها، وإنما تعكس كذلك مستوى الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي يتعرضون لها، فمنذ مطلع العام الجاري، وعلى الرغم من أن نسبة الاعتقالات لا تُعتبر الأعلى مقارنة بالسنوات القليلة الماضية، إلا أن مستوى عمليات التنكيل والجرائم كانت هذا العام من بين مجموعة من السنوات الأعلى والأكثر كثافة.
وكانت أعلى نسبة اعتقالات في القدس، علمًا أن أغلبية الأطفال يتم الإفراج عنهم بشروط، كالحبس المنزلي الذي يشكل أخطر السياسات التي مارسها الاحتلال بحقهم، وكان من بين حالات الأطفال، إناث، ومنهم حالة الطفلة الجريحة أسيل شحادة (17 عامًا) من مخيم قلنديا، التي أطلق عليها جنود الاحتلال النار من أمام حاجز قلنديا العسكري في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، وتقبع اليوم في سجن "الرملة" في ظروف قاسية وصعبة.
كما تتركز عمليات الاعتقال بحق الأطفال في البلدات والمخيمات، وبعض المناطق التي تقع على نقاط التماس مع جنود الاحتلال، والمستعمرات المقامة على أراضي بلداتهم.
وفي إطار استهداف الأطفال، فإن المؤسسات وثقت حالات لأطفال استُخدموا رهائن بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر للضغط على أفراد من العائلة لتسليم أنفسهم، وكانت أبرز هذه الحالات احتجاز طفل من بلدة بيت لقيا بمحافظة رام الله والبيرة، عمره ثلاث سنوات، لساعة ونصف الساعة ثم أُطلق سراحه، وقام والده بتسليم نفسه إلى قوات الاحتلال لاحقًا.
وخلال الشهادات التي وثقتها المؤسسات، فإن العديد من العائلات لفتت إلى الآثار النفسية الخطيرة التي ظهرت على الأطفال، ليس فقط الذين تعرضوا للاعتقال، وإنما كذلك الأطفال الذين شاهدوا عمليات الاقتحام ليلاً، وذلك نتيجة لعمليات الترويع والترهيب التي يمارسها جيش الاحتلال، ومنها تفجير الأبواب عند اقتحام المنازل، واستخدام الكلاب البوليسية، وضرب أفراد من عائلاتهم أمامهم.
وعلى صعيد واقع المعتقلين الأطفال في السجون، فإن الأطفال يتعرضون لكل الإجراءات التنكيلية والانتقامية التي فرضها الاحتلال على المعتقلين في السجون بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، بما فيها عمليات الاقتحام الوحشية، وقد مست الإجراءات التي فرضتها إدارة سجون الاحتلال، مقومات الحياة الاعتقالية الأساسية (الطعام، والعلاج، والماء، والكهرباء)، وبحسب إحدى الشهادات التي نُقلت عن أحد المعتقلين المفرج عنهم مؤخرًا من سجن (مجدو)، فإن المعتقلين البالغين اضطروا إلى الصوم عدة أيام، لتوفير الطعام للمعتقلين الأطفال.
وذكّر البيان بهدم الاحتلال بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر منزل الطفل المقدسي محمد الزلباني في تاريخ الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، علمًا أنه تعرض لإصابات برصاص الاحتلال خلال عملية اعتقاله، في 13 شباط/ فبراير 2023، كما حكم الاحتلال على الطفلة نفوذ حمّاد (16 عامًا) من القدس، بالسجن لمدة 12 عامًا، وتعويض بقيمة 50 ألف شيقل، مع وقف تنفيذ لثلاث سنوات.
ومنذ نحو عامين وحتى خلال العام الجاري، صعّد الاحتلال عمليات الاعتقال الإداري بحق الأطفال، إذ وصل عدد المعتقلين إداريًا إلى 26 طفلًا، منهم أطفال تعرضوا لإطلاق نار قبل اعتقالهم، واعتُقلوا إداريا رغم إصابتهم، علمًا أن أغلبية المعتقلين الإداريين الأطفال تبلغ أعمارهم ما بين (16-17 عاما).
وتشير الشهادات المثّقة للمعتقلين الأطفال، إلى أن أغلبية الذين تم اعتقالهم تعرضوا لشكل أو أكثر من أشكال التّذيب الجسدي والنّفسي، عبر جملة من الأدوات والأساليب الممنهجة، وفعليًا فإن الجرائم والانتهاكات التي تنفذ بحق الأطفال تبدأ قبل الاعتقال إذ يتعرض الطفل الفلسطيني لعمليات تنكيل ممنهجة من خلال (العنف) الواقع عليه من الاحتلال، بما فيه من أدوات سيطرة ورقابة، ومنها عمليات الاعتقال التي تشكل النموذج الأهم لذلك، وما يرافقها من جرائم تبدأ منذ لحظة اعتقالهم، مرورًا بأساليب التحقيق القاسي، وحتى نقلهم إلى السجون المركزية لاحقًا.
وتتمثل الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الأطفال، وفق البيان، في اعتقالهم ليلًا، والاعتداء عليهم بالضّب المرّح أمام ذويهم، وإطلاق النار عليهم خلال اعتقالهم، وإبقائهم مقيدي الأيدي والأرجل ومعصوبي الأعين قبل نقلهم إلى مراكز التحقيق والتوقيف، فضلا عن حرمانهم من الطعام والشراب لساعات، تحديدًا في الفترة الأولى من الاعتقال، وحرمانهم من حقهم في المساعدة القانونية ووجود أحد ذويهم، الأمر الذي يعرّض الطفل لعمليات تعذيب نفسي وجسدي بشكل مضاعف، وذلك في محاولة لانتزاع الاعترافات منهم وإجبارهم على التوقيع على أوراق دون معرفة مضمونها، إضافة إلى شتمهم وإطلاق كلمات بذيئة ومهينة بحقهم، والاستمرار في احتجازهم تحت ما يُسمى باستكمال الإجراءات القضائية، فقلما تقر المحكمة بإطلاق سراحهم بكفالة وتتعمد إبقاءهم في السجن خلال فترة المحاكمة.
يشار إلى أن ظروف احتجاز الأطفال القاسية التي ضاعفت منها إدارة سجون الاحتلال بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، هي امتداد لمستوى الظروف القاسية التي تُفرض على الأطفال المعتقلين في مراكز توقيف وسجون تفتقر إلى الحد الأدنى من المقومات الإنسانية، حيث يُحرم العديد منهم من حقهم في التعليم والعلاج الطبي، ومن توفير الاحتياجات الأساسية لهم كإدخال الملابس والأغراض الشخصية، والكتب الثقافية، ولا تتوانى إدارة السجون في تنفيذ عمليات اقتحام لغرفهم وتفتيشها.
وتواصل سلطات الاحتلال فرض أنظمة عنصرية قائمة على التصنيف بحق المعتقلين الأطفال، ففي الضفة الغربية يخضعون لمحاكم عسكرية تفتقر إلى الضمانات الأساسية للمحاكمة "العادلة"، ودون أي مراعاة لخصوصية طفولتهم ولحقوقهم، وقد وضعت تلك المحاكم الإسرائيلية تعريفاً عنصرياً للطفل الفلسطيني لسنوات، فاعتبرته الشخص الذي لم يبلغ سن (16 عاماً)، وليس (18 عاماً)، كما تعرفه اتفاقية حقوق الطفل أو يعرفه القانون الإسرائيلي نفسه للطفل الإسرائيلي، كما أنها تحسب عمر الطفل الفلسطيني وقت الحكم، كما جرى مع العديد من الأطفال الذين تم اعتقالهم خلال فترة الطفولة، وتعمدت سلطات الاحتلال إصدار أحكام بحقهم بعد تجاوزهم سن الطفولة.
فيما تُخضع الأطفال المقدسيين لأحكام (قانون الأحداث الإسرائيلي)، بشكل تمييزي، إذ تميز بين الطفل الفلسطيني والطفل الإسرائيلي عند تطبيق القانون، وتحرم سلطات الاحتلال الأطفال المقدسيين من حقوقهم أثناء الاعتقال والتحقيق، إذ أصبحت الاستثناءات هي القاعدة في التعامل مع الأطفال المقدسيين، وتُعتبر نسبة اعتقال الاحتلال للقاصرين المقدسيين كما ذكرنا سابقًا هي الأعلى مقارنة بالاعتقالات في بقية محافظات الوطن، حيث يتم استهداف جيل كامل باعتقال العشرات منهم واحتجازهم بشكل غير قانوني، وإطلاق سراحهم، وإعادة استدعائهم للتحقيق مرة أخرى.
وأكّت الهيئة ونادي الأسير، أنه وفي ضوء استمرار العدوان والإبادة بحق شعبنا في غزة ومنهم آلاف الأطفال، واستمرار عمليات القتل والاعتقال بحق الأطفال في الضفة، مطلبها مجددًا لكل الأحرار بإعلاء صوت أطفالنا، لوقف هذا العدوان، حتى الحرية، وتقرير المصير الفلسطيني.