فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: ما زالت الأزمة السياسية في دولة الاحتلال على إثر قضية خطة "التعديلات القضائية" أو "الانقلاب على القضاء"، التي صاغها وزير القضاء في حكومة بنيامين نتنياهو، ياريف ليفين، تتفاعل في مجتمع المستوطنين وبين قواه السياسية والاجتماعية، في ظل الحديث عن احتمالات مفتوحة، في المرحلة المقبلة، بعد عودة "الكنيست" من الإجازة التشريعية التي دخل فيها.
الشهر الماضي أقرَ "الكنيست" قانوناً يبطل حجة "عدم المعقولية"، التي كانت المحكمة العليا تستخدمها في إبطال قرارات تشريعية وحكومية، ترى أنها "غير معقولة"، وهو ما أدخل دولة الاحتلال في أزمة حذر مسؤولون فيها وخبراء في القانون أنها قد تتحول إلى "دستورية"، في ظل الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها مدن مختلفة في الداخل الفلسطيني المحتل، وتوسعت إلى الجيش الذي أعلنت وحدات مختلفة من قوات الاحتياط رفضها الخدمة العسكرية، احتجاجاً على هذا التشريع وبقية بنود خطة "التعديلات القضائية" أو "الانقلاب على القضاء"، حسب توصيفهم.
"مرحلة انتظار"
وقال المختص في الشؤون الإسرائيلية، عصمت منصور، إن قانون إبطال حجة "عدم المعقولية" حصل على مصادقة "الكنيست"، وقدمت قوى المعارضة اعتراضاً عليه أمام المحكمة العليا، ومن المقرر أن تعقد جلسة للنظر فيه في أيلول/ سبتمبر المقبل.
وذكر في لقاء مع "شبكة قدس"، أن لدى قطاعات سياسية في دولة الاحتلال مخاوف من إلغاء القانون من قبل المحكمة العليا، وهو ما يقودها إلى "أزمة دستورية"، ويضيف: القانون دخل في مسار مختلف ونتنياهو لم يخضع للضغوطات التي تعرض لها لإلغاء القانون أو تخفيف حدته.
وعن السيناريوهات المتوقعة في حال قررت المحكمة العليا إلغاء القانون، أوضح منصور: حكومة الاحتلال تدعي أن هذا التشريع يحمل مرتبة "قانون أساس"، ولا يجوز للمحكمة العليا نقضه أو الاعتراض عليه، ولكن القضاة أكدوا أن من حقهم بحث القانون ويملكون المسوغات القانونية للنظر فيه، في حال أقرت المحكمة القانون فهذه ضربة للمعارضة وتعطي زخم لنتنياهو للمضي في إقرار بقية التشريعات القضائية ويظهر في صورة أنه ردع المحكمة العليا ولم يخضع للضغوطات، وإذا قررت رفضه أو تعديله فستدخل "إسرائيل" في أزمة دستورية، إذ يصبح لكل مؤسسة مرجعيتها، وهذا قد يسبب انقساماً في المؤسسات الإسرائيلية.
وحول أسباب "الهدوء النسبي" في الاحتجاجات والتراشق الإعلامي بين أطراف الائتلاف الحاكم في دولة الاحتلال والمعارضة، يشير منصور إلى العطلة التي دخل فيها "الكنيست" لمدة شهرين ونصف، ويضيف: مع عودة "الكنيست" قد تعود الاحتجاجات إلى التوسع، في حال لم تتوصل الأطراف إلى صيغة توافق على التعديلات القضائية، وهذا غير واضح حتى اللحظة، ونتنياهو ألمح إلى أنه قد يخفف من حدة التعديلات القضائية بسبب أنه معني في إرضاء الولايات المتحدة والتفرغ لمحاولة التوصل لاتفاقية تطبيع مع السعودية والالتفات إلى التهديدات الأمنية، خاصة على الجبهة الشمالية.
ويرى أن نتنياهو في وضع "أفضل"، وقال: أظهر نتنياهو للحلفاء والخصوم أنه في موقع قوة، وقادر على تجاوز الضغوطات، لكن السؤال الآن هل يريد نتنياهو المضي في التشريعات؟ أم وقفها؟ في ظل حاجته لتجاوز الملف الجنائي المطروح ضده في القضاء، وإذا كانت نيته الهروب من الملفات ضده فهو قادر على الهروب إلى الأمام وزيادة الصدع، وإذا كان يريد ترميم العلاقات الداخلية ومع الولايات المتحدة والالتفات للتهديدات الأمنية فيمكن له المناورة والتخفيف من حدة التعديلات.
ما الخيارات أمام المحكمة العليا؟
ويشير الدكتور أليف صباغ، المختص في الشؤون الإسرائيلية، إلى أن "الهدوء الحالي" في الشارع الإسرائيلي سببه "إجازة الكنيست"، وتوجه المعارضة للاعتراض على القوانين التي أقرها "الكنيست"، بينها إبطال "حجة عدم المعقولية"، أمام محكمة العليا، التي ستبحث في هذا القانون في 2 أيلول/ سبتمبر المقبل، بحضور كل هيئة المحكمة أي 15 قاضياً، وهذا يدخل الجميع في "حالة انتظار"، حسب وصفه.
وذكر صباغ، في لقاء مع "شبكة قدس"، أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو صرح أن "تشريع خطة التعديلات القضائية سيتوقف بعد إقرار قانون تركيبة اللجنة التي تنتخب القضاة"، وأضاف: نتنياهو يحاول تبريد الشارع الإسرائيلي وإرضاء الولايات المتحدة الأمريكية، والمؤسسات الاقتصادية الدولية التي قد تضرب مكانة "إسرائيل" اقتصادياً، ويهدف لتوجيه رسالة للسعودية بأن الاقتصاد الإسرائيلي قوي وتمرير صفقة تطبيع معها، وتهدئة مخاوف الإمارات من أن استثمارتها الاقتصادية في "إسرائيل" قد تتضرر.
وعن احتمالات رد قانون إبطال حجة "عدم المعقولية" من قبل المحكمة العليا، يقول صباغ إن المختصين في القانون الإسرائيلي يقولون إن "إسرائيل دخلت في أزمة دستورية"، ويضيف: يحتمل أن ترد المحكمة العليا ترد القانون، وتقول إنه يتعارض مع "روح الديمقراطية"، وتكون المرة الأولى التي ترد فيها المحكمة العليا الإسرائيلية قانون أساس.
واعتبر أن احتمالية تمرير القانون من قبل المحكمة العليا "غير موجود" أو "غير متوقع".
وأشار إلى احتمال ثالث وهو أن يكون القرار كما جرى في "قانون طبريا"، إذ قررت محكمة الاحتلال العليا "منع رئيس اللجنة المعينة في المجلس البلدي لمدينة طبريا، بوعاز يوسيف، من التنافس على منصب رئيس البلدية في الانتخابات المحلية، في شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، وألغت بذلك قراراً من الكنيست يتيح لرؤساء لجان معينة التنافس على رئاسة البلدية أو المجلس المحلي، الذي يديرونه كموظفين من قبل وزارة الداخلية، واعتبرت أن القانون يجب أن يسري ابتداء من الانتخابات المحلية بعد أربعة أعوام".
وأضاف: اعتقد أن المحكمة قد لا تتوجه نحو رفض تام للقانون، إنما قد تؤجل كل القوانين التي قد تؤثر على النظام الإسرائيلي، إلى ما بعد انتخابات "الكنيست" المقبلة، بحجة أن الناخبين لم يعرفوا عن هذا المخطط الذي ينوي اليمين تنفيذه، أي خطة "الانقلاب على القضاء"، حتى أن أعضاء "الكنيست" من حزب "الليكود" قالوا إنهم لم يعلموا عنه شيئاً في السابق.
وذكر صباغ أن رئيس "الكنيست" الحالي، أمير أوحانا، قال في تصريحات صحفية إنه "لم يسمع بهذه الخطة سابقاً وعرف عنها عن خطة التعديلات القضائية"، وتابع: بمعنى آخر قد تقول المحكمة إن اليمين "استغفل" الناخبين وخدعهم لذلك يجب انتظار رأي الناخب في الانتخابات البرلمانية، فإذا عادوا لانتخاب معسكر نتنياهو فهي مع القوانين، وإذا العكس فهي ضدها، وهذا توقعي هو ما ستقرره المحكمة.
خطة "الانقلاب على القضاء"... مشروع ياريف ليفين
وعن أسباب تصدر ياريف ليفين لمشروع "الانقلاب على القضاء"، يقول صباغ إن وزير القضاء الحالي يحمل هذا المشروع منذ عام 2003، وهو ما أعلن عنه في تصريحات صحفية.
ويضيف: أحد أساتذة الجامعات الإسرائيلية وكان يشغل سابقاً عضواً في "الكنيست" قال إن ليفين جاء إليه وطلب أن يكون مساعده البرلماني، وعندما سأله عن قدراته التي تؤهله للمنصب، فأخبره عن خطة "التعديلات القضائية" أو "الانقلاب على القضاء"، فقال له إن الطرف الآخر أي التيار الصهيوني الليبرالي إذا حضر للحكم فتيار ليفين سيتضرر أيضاً من هذه القوانين، فرد عليه أن هذه القوانين فلن تسمح للطرف الآخر بالعودة للحكم.
وأكد أن هدف ليفين من هذه الخطة هو ضمان السيطرة التامة لتياره على الحكم ومنع التيار الليبرالي الصهيوني من العودة للحكومة.
جيش الاحتلال... تحت تهديد الأزمة
الأزمة السياسية كان لها آثار "خطيرة" على جيش الاحتلال، كما أكد ضباط وجنرالات سابقون وحاليون في المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، بعد إعلان فئات واسعة من الضباط والجنود في وحدات الاحتياط خاصة النخبوية منها "الطيران، الاستخبارات، السايبر، المدفعية" وغيرها، عن رفضهم الخدمة العسكرية، احتجاجاً على خطة "الانقلاب على القضاء"، وفق توصيفهم، وهو ما حذر قادة الجيش من أنه قد يؤثر على قدرته على العمل، في المستقبل، في حال لم يتحقق حل أو تدارك للأزمة.
يشير الباحث وليد حباس، في مقال على مركز "مدار"، إلى أن الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال تنقسم إلى "الخدمة الإلزامية: وهي تحل على كل مواطن إسرائيلي (باستثناء معظم العرب) عند وصوله إلى سن 18 عامًا، والخدمة الثابتة: وهي تضم كل الإسرائيليين الذي يرون بأن الجيش هو مكان عملهم الثابت، وبدل من أن يتم تسريحهم بعد انتهاء خدمتهم الإلزامية يتم تثبيت مكانتهم كمقاتلين عاملين، والجيش الاحتياط: ويتكون من نحو 500 ألف إسرائيلي. وهم عبارة عن إسرائيليين تم تسريحهم من الخدمة بعد انتهاء فترة التجنيد الإلزامي، لكنهم يعودون للانضمام الى الجيش مدة أيام أو أسابيع معدودة في كل عام للمشاركة في معارك، أو تلقى تدريبات".
وذكر أن "خدمة الاحتياطي في إسرائيل تعد جزءًا من العقيدة العسكرية ومنصوص عليها في القانون"، و"يحدد القانون فترة خدمة الاحتياطي بـ 36 يومًا في السنة، لكن مع تطبيق قانون خدمة الاحتياطي في العام 2010، تم تحديد مدة الخدمة بـ 54 يومًا للجنود، ونحو 84 يومًا للضباط كحد أقصى"، وأضاف: جرى تقييد استدعاء الاحتياطيين لمهام الأمن السريع وتم تحديده بـ 25 يومًا على الأكثر، ويمكن لوزير الجيش زيادة تكرار الاستدعاء في حالات الطوارئ. يتم استدعاء الجنود الاحتياطيين بمذكرة استدعاء تحتوي على فترة الاحتياطي وموقع الخدمة. في حالة الاستدعاء للتدريب ومهام الأمن السريع، يمكن للجندي الاحتياطي التقدم بطلب للجنة التنسيق الاحتياطية لتحديد موعد آخر، أو تقليل فترة الخدمة أو الإفراج عن الخدمة بالكامل. ويتلقى جندي الاحتياط مكافأة مالية لقاء تركه عمله وحياته الاجتماعية والانضمام إلى قوات الجيش مدة أسابيع كل عام. وتصل المكافئة إلى نحو 198 شيكلًا عن اليوم، وقد ترتفع إلى نحو 1000 شيكل (أو أكثر) للضباط، حسب موقعهم ودورهم.
ويرى الباحث عصمت منصور أن إعلان فئات من قوات الاحتياط رفض الخدمة العسكرية ترك "آثاراً عميقة" في جيش الاحتلال، وأشار إلى أن هذه الفئات ما زالت عند موقفها وهذا الموقف شكل ورقة قوة في يد المعارضة، في الضغط على حكومة نتنياهو.
وأضاف: رفض الخدمة العسكرية ترك هزة في المؤسسة الأمنية ما زالت حاضرة وقد تتطور في المستقبل في حال العودة للاحتجاجات على التشريعات القضائية، وقد تركت هذه الأزمة آثاراً عميقة في الجيش، ولم تعالج، وتراجع الحديث عن التوقف عن الخدمة في الاحتياط بسبب تراجع الاحتجاجات، لكن ما زالت الأزمة تحت الرماد، وقد تؤثر على قدرات جيش الاحتلال وقوته.