شبكة قدس الإخبارية

لماذا انفجر "العنف الداخلي" في المجتمع الفلسطيني؟

VDpUQ

فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: يحتل سؤال "العنف الداخلي" في فلسطين المحتلة تحدياً جوهرياً، أمام الشعب الفلسطيني في ظل التحديات الوجودية التي تمتحن كل ما في حياته، منذ أكثر من قرن، جراء الهجمة الاستعمارية شديدة القسوة التي ضربت المجتمع الفلسطيني، وفككت مئات المدن والقرى وشردت مئات الآلاف.

لا ينفك التحدي الاجتماعي الداخلي الذي يظهر في جرائم القتل التي فتكت بحياة مئات الشبان، في السنوات الأخيرة، خاصة في الداخل المحتل عام 1948 والضفة المحتلة، عن سياسات الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى بكل ما توفر له من أجهزة استخباراتية وعسكرية وأمنية وسياسية لتفكيك المجتمع الفلسطيني، لمنعه من تكوين حركة مقاومة عابرة لكل الفئات والتجمعات، وتجمع على إنهاء الاحتلال.

وعن أي الأسباب أكثر تأثيراً في صعود جرائم القتل خاصة في الداخل المحتل، يرى الباحث في العلوم الاجتماعية الأستاذ خالد عودة الله أن الاحتلال يوفر "البنية التحتية الأساسية" للنشاط الإجرامي والإشكاليات التي تهدد استقرار ووحدة المجتمع الفلسطيني.

ويشير إلى أن نشاط "الشبكات الإجرامية" يستفيد من وجود الشبكات الاحتلالية والاستعمارية، ولأن "وجود الاستعماري يأخذ شكل المؤسسات فإن النشاط الإجرامي يتجه أيضاً نحو الشبكات والتنظيم الممتد"، يقول الباحث عودة الله.

طبيعة المجتمع الصهيوني الاستعماري التي تقوم على إشاعة السلاح، يضيف عودة الله في لقاء مع "شبكة قدس"، تؤدي بالنتيجة إلى تسرب هذا السلاح إلى المجتمع الفلسطيني وانتعاش شبكات الإجرام والقتل التي تملك علاقات مركبة ما بين الصهاينة والمجتمع الفلسطيني.

وعن دور مخابرات الاحتلال في تقوية "شبكات الجريمة"، يؤكد أن نشاط عصابات الجريمة وفاعليتها في تنفيذ جرائم على مستوى فاعل يشير إلى أن "شبكات الجريمة" تحصل على تواطؤ ومساندة من "الشاباك"، وقال: وفي جانب آخر يجري استخدام "الشاباك" في قضية الجرائم في تعميق اختراق الاستخبارات الصهيونية للمجتمع الفلسطيني، وهذا يؤكد على ذوبان الحدود ما بين هو مدني واستخباراتي ووطني وغيره.

وأشار عودة إلى عامل وصفه بــ"المهم" وهو أن مصالح "شبكات الجريمة" مرتبطة بأهداف صهيونية بعيدة المدى وهي أن "المجتمع الفلسطيني الذي يستهلك نفسه بالجريمة ويدمرها" هو يحقق لها مصالحها.

في العامين الماضيين، تصاعدت جرائم القتل في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 خاصة، في الفترة ما بعد معركة "سيف القدس" التي اعتبرت مخابرات الاحتلال ومؤسساتها الأمنية والاستراتيجية أنها شكلت مؤشراً خطيراً للمستقبل.

ويرى الأستاذ خالد عودة الله أن طبيعة المجتمع هي "نتيجة تفاعل مجموعة من العوامل"، وقال إن المواجهة مع الاحتلال تشكل "قناة تفريغ للعنف الداخلي وخاصة في لحظات صعود المد الوطني وليس فقط على المستوى الإحصائي ولكن على الوعي الجماعي".

وحذر من أن النموذج المتفشي في الداخل المحتل قد ينتقل إلى الضفة المحتلة، وإن كانت في "سياقات أخرى"، حسب وصفه، خاصة في المناطق المتداخلة مع الداخل.

وأضاف: يمكن رؤية تداخل استخباراتي في المعادلة التي قد يصل لها المجتمع المهشم من الداخل والمرعوب من ذاته وهذا يخدم الاحتلال.

وعن دور المؤسسات الاجتماعية والسياسية "الأحزاب والعائلات" في منع التدهور الاجتماعي الحالي، قال: مجتمعنا خضع لعملية تهشيم وليس فقط بأدوات استعمارية تقليدية، بل على مستوى سياسي واقتصادي، في حالة العشيرة كان لها دور إيجابي رغم الانتقادات لها، لأن الظواهر الاجتماعية هي محصلة مجموعة من العوامل، ووصلت إلى ما هي عليه نتيجة تطور اجتماعي وتاريخي، وإن كانت في مرحلة جرى تشكيلها واحتضانها لتشكل مصدر شرعية للسلطات المختلفة، لكن كان لها دور مركب.

وتابع: نعيش في مجتمع يعيش سرعة تحولات لدرجة أننا لا نستطيع بناء نظام أخلاقي اجتماعي له مرجعيات يحكم مجتمعنا، ردود فعلنا على هذا الواقع شديد التحرك غير قادرة على إدراكه، وهذا ما يتحدث عنه علماء الاجتماع بأنه "لا معيارية" وهي أن سرعة الحدث أكبر من قدرة الفاعلين في المجتمع على صياغة مرجعية أخلاقية، تكون أحد الأدوات الكابحة للانهيار الاجتماعي، ونحن للأسف متروكين للعواطف دون امتلاك القدرة على النهوض بأنفسنا، والمفروض أن تعجز المجتمعات أن تنهض النخب والكوادر الحكومية، لكن عندنا هي جزء من الإشكال.

وفي السياق ذاته، أكد القيادي في الداخل الفلسطيني المحتل الشيخ كمال الخطيب، أن مؤسسات الاحتلال هي المسؤول الرئيسي عن الصعود المرعب في جرائم القتل.

واعتبر في لقاء مع "شبكة قدس" أن الواقع في الداخل مختلف عن الضفة، في عدة سياقات، لكن ما يجري في الضفة من تصاعد الجرائم قد يكون له ذات النتائج، حسب وصفه.

وشدد على أن انتفاضة الأقصى، عام 2000، التي انخرط فيها أبناء الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 وقدموا 13 شهيداً كانت هي شرارة انطلاقة دفع المؤسسة الإسرائيلية نحو "أسلوب جديد" وهو "لماذا نقتلهم بسلاحنا ويصبحوا شهداء؟ بل ليقتلوا أنفسهم ويدمروا مجتمعهم"، حسب وصف الشيخ كمال الخطيب.

وأشار إلى إحصائية إلى أن عدد القتلى بين 1980 - 2000 قتل 85 فلسطينياً، في الداخل، بينما وقعت بين انتفاضة الأقصى وحتى اليوم 1653 جريمة قتل، وقال: ماذا طرأ على شعبنا حتى تتصاعد جرائم القتل بهذا الشكل المرعب؟

في العام 2023 الذي مضى نصفه فقط قتل أكثر من 100 فلسطيني، في جرائم القتل، وهو ما يؤكد على سياسة تسريب السلاح للمجتمع الفلسطيني وعدم الكشف عن القتلة ودعم العصابات، يقول الشيخ.

وأضاف: السلاح أصبح سهل المنال بيد العصابات التي تمارس الخاوات والقتل وتجارة المخدرات.

وأشار إلى تحقيق نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، قبل أيام، حول عصابات الجريمة وحددت المسؤولين فيها وأفرادها، وقال: إذا كانت كل هذه المعلومة متوفرة لماذا لا يستطيعون الوصول لها؟ لماذا شنت الشرطة حملة على عصابات الجريمة في "الوسط اليهودي" قبل سنوات ودمرتها؟ لأنه من الواضح أن تفكيك المجتمع الفلسطيني هي مصلحة إسرائيلية.

وأكد أن "هبة الكرامة" التي تصادفت مع معركة "سيف القدس"، عام 2021، هي دافع جديد نحو دفع عصابات الجريمة لتدفيع المجتمع الفلسطيني الثمن عن رفضه "لمشاريع الأسرلة".

وشدد على أن العائلات والفعاليات السياسية والاجتماعية يجب أن يكون لها دور أكبر في مواجهة هذا التحدي شديد القسوة التي تفرضه عصابات الجريمة.

وقال: الشاب الذي لم يبلغ عمر 20 عاماً ويملك مركبة فارهة وينبى منزلاً بأكثر من مليون شاقل، ويراه شبان آخرون ويعلمون أنه حصل عليها من تجارة المخدرات والجرائم، فيحاولون تقليده، هذا تحدي خطير يفرض على المجتمع التحرك لمعالجته.

وتابع: "إسرائيل" تصف عصابات الإجرام بأنها "عائلات الإجرام" بهدف ضرب فكرة "العائلة" التي تشكل دافعاً نبيلاً للناس نحو محبة الدين والوطن والناس، ولا بد من أن تأخذ العائلة دورها في التربية وتذكير الناس بالله والوطن، ولكن كما يقول سيدنا عثمان بن عفان "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، والمواعظ لوحدها لا تكفي لا بد من مؤسسات تلاحق المجرمين، لكن في واقعنا من يملك زمام الحكم هم أعدائنا الذين يرعون الجريمة.

 

#الشاباك #فلسطين #الاحتلال #الضفة #جرائم #الداخل المحتل