شبكة قدس الإخبارية

تهريب العروبة

Hawari_Commentary_June2021-1
محمد القيق

يسارع العديد ممن لا يريد أن تنفتح الشعوب العربية على قضية تم تجنيد الكثير من الخطط لجعلها منعزلة؛ تارة بحجة قرار مستقل أنتجته اتفاقية اوسلو عام 1993 بحيث يكون الفلسطيني وحده في الميدان ضمن شعار اختزل من الصراع العربي الإسرائيلي إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتارة أخرى بسبب انشغال في قضايا داخلية بين سياسية واقتصادية وصولا إلى مبادرات رغم السوء الذي وصلت له كما المبادرة العربية للسلام، التي أفرزتها قمة بيروت، لتسارع الدول العربية للتطبيع قبل تنفيذ بنود المبادرة التي آخر خطوة فيها التطبيع فأفرغوا مضمونها وجعلوها مهملة في أدراج جامعة الدول العربية.
ظلت معادلة الشيطنة للقضية الفلسطينية تتعمق وتأخذ أشكالا تستهدف الفصائل بذريعة هنا أو هناك، ولكن المضمون الرئيسي هو تجاهل للقضية وإهمالها فتارة يصطف إعلام بعض الأنظمة لشتم وشيطنة حركة حماس ومرة أخرى اصطفاف مع تيار ضد تيار في حركة فتح وثالثة محاولة عقد مصالحة شكلية تنتهي بلوم الفلسطيني على عدم التقدم.
في أروقة الدول العربية باتت القضية الفلسطينية كما المخدرات والأفعال الجنائية؛ من يعطيها أولوية في حياته كأنه يقوم بالتهريب أو إضرار بالأمن القومي لتلك البلاد، فلا تتوقف قضايا الملاحقة والاعتقال في السعودية والإمارات ومصر والأردن والبحرين وعديد من الدول للفلسطينيين، ومنهم ما زال في السجون والتهمة الحقيقية فلسطين عمقا عربيا والتهمة الشكلية "عبث بأمن البلاد".
الفلسطيني الذي لا يشعر بالعروبة حينما يهان على المعابر والجسور وفي المطارات في أرض العروبة يدرك جيدا أنها وطيلة سنوات كثيرة كانت اجتماعات العرب تضيف بندا شكليا تزيينيا للمؤتمر فيه الكلمات المتكررة عن تحرير فلسطين وإعطاء أهلها حقهم وشجب واستنكار وإدانة تختتم بوعود.
وبعيدا عن أروقة الطاولة المستديرة وبيانات التخدير المتكررة والعقيمة ظهر لدينا عبر عقود تعزيز شعبي ونفس وطني دعونا نسميه تهريب العروبة من عمقها إلى فلسطين، كانت تلك المعادلة شرعية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي حتى أنها كانت هيبة يتغنى بها كل عربي، وبعد سرطان الاتفاقيات الذي استشرى من كامب ديفيد إلى اوسلو ووادي عربة وصولا إلى ما يجري من تطبيع دون مقابل إلا محاربة كل فلسطيني ومن يتضامن معه من العرب.
هنا جاء الضباط العراقيون والمهندس الشهيد محمد الزواري من تونس ورجال مجهولون من تخصصات الهندسة والمتفجرات والتكنولوجيا باتوا جسرا عروبيا لفلسطين يعملون ليل نهار لتعزيز صمود الفلسطينيين تزامن دورهم مع دور ثابت لبعض الدول العربية التي ما تراجعت عن الإسناد المالي والسياسي، حتى أنه تمت محاصرتها من جيرانها لوقف حكاية العروبة فعلا لا قولا أو ممرا، وصل الحال إلى تشكيل بنية تنظيمية لدى العرب كما لبنان يحاربون الاحتلال ويضعون في أولوياتهم تحرير فلسطين، فكانت جبهة تؤرق الاحتلال حتى كان آخر تهريب للعروبة ٢٠٢٣ في شهر رمضان المبارك حينما نطقت الصواريخ حرف الضاد تلاقت مع مثيلاتها السورية لتندمج مع الجبهات الداخلية في الضفة الغربية وغزة المحاصرة.
عروبة تتهرب من واقع يحاول البعض تثبيت ملامحه بأنه لا عمق إلا بقرار سياسي معه ضوء أخضر أمريكي وهذا لن يحدث ضمن هذه المعادلة، فكان ومن تصاعد التهريب للعروبة نقل السلاح من الأردن لفلسطين من خلال النائب في البرلمان العدوان سبقه جنود أردنيون خطوا معادلة العمق كما الدقامسة ومن بعدهم وقبلهم جنود أحرار من مصر، كسروا سياج التقزيم وحطموا حصار العروبة من قول كلمتها فكانت العوجا صفعة لمن خطط التقسيم ومعنوية لمن ما زال يقول إن لفلسطين عمقا عربيا وإسلاميا لا تلغيه اتفاقيات تسوية أو انقلابات على صوت الشعوب أو حتى فتنة تغذيها مصالح كي ترسم ثقافة "فرق تسد".
ليمتد هذا العنوان بغد أن كان متناثرا سابقا من خلال عمليات هنا وهناك إلى استراتيحية باتت على شكل غرفة إقليمية مشتركة للمقاومة تحوي جبهات ميدانية متعددة مسنودة من دول عربية لم تبدل تبديلا ليكون في المحصلة استنزاف متسارع للاحتلال الذي غذته كل أنظمة الاستبداد والاستعمار بالحياة على حساب حق فلسطيني كان آخر من شهد له عروبة عابرة للسياج لاغية للحدود حاملة رسالة العمق.
هذا التسارع الأخير في جغرافيا الإقليم تدركه إسرائيل جيدا؛ فبعد أن قالت إن قطار التطبيع سار وانضمت له دول عربية جاء إعصار الجبهات صادما لفكرة الترويض، فكسرت المعايير وتغيرت قواعد الاشتباك ولا نعلم حتى اللحظة هل ستزيد تلك الجبهات على وقع تلميح إسرائيلي باحتمال انضمام آخرين لقطار التركيع؟!.