في ظل تسميات كبيرة لمضمون مختلف باتت الفجوة تتسع في العقل الجمعي للربط بين معادلة الخاصة وفكرة العامة ومضمون الوحدة ونطاق التحرك وأبجديات المنهجية وأولويات اللقاء، هنا جامعة الدول العربية، هنا البيان ليست له نهاية، فأوله حسن ضيافة وحفاوة تتلوها مجاملة ورسالة وختامها بيان إدانة.
فلم تعد تشبع الجامعة حتى طموح الرؤساء الذين يريدون أن تمر اللقاءات بسلاسة، فلا هذا واضح المنهج ولا ذاك يؤمن بالمرونة الداخلية ولا غيرهم على قناعة بأنها جامعة، فمن خلالها صدرت كثير من قرارات الفرقة والنزاع تحت إطار مصلحة عامة، وهي ذاتها التي عجزت عن الوئام فتنعقد بفشل استراتيجية وجوع لفعل حقيقي هناك حيث ليبيا مرورا بمصر وتونس وصولا لفلسطين صعودا للبنان وجارتها سوريا ختاما بالسودان.
ملفات مفتوحة بعمق الجرح وتدخل الخارج حسب مزاج المقدرات وحجم نهب الثروات وتصفية الحسابات، فلم يعد مقبولا على كل عربي أن تكون الجامعة جائعة للوفاق أو استقلال القرار أو العدل وحسم الإشكال أو استضافة تملى عليها بينما ألم وإهانة لشقيق فيها على يد مرتزق في فلسطين يدعمه "زيلينسكي" الذي جاء بخطاب الحمل الوديع ودموع التماسيح.
"معايير مزدوجة" هي العبارة التي تستخدم في خطابات الرؤساء المعينين أو المستوليين على الحكم بالوراثة أو القوة، يستخدمونها حينما يذمون مواقف دولية وتتلاشى حينما تكون لديهم مصلحة في دم ينزف ببقعة عربية، تجوع الجامعة لمواقف مركزية وتتشبع بل تتخم بالشكلية والثورية والوحدوية في حدود بيانات تكررت طباعتها ولم تتجدد فعالية.
من الجائعة ومن الجامعة؟ هناك فرق باتت تفرضه نظرية الجدية وتنسف معها ديكورات الوعود أو المطالبة أو الاستقلالية، الجائعة هي التي لا تستطيع توفير أمن لفلسطيني يصلي في مسجده وعلى رأسه رصاص ومستوطن وبندقية، الجائعة هي التي لا تملك أن تمنع تدمير وقصف سوريا كل يوم بطائرات إسرائيلية، الجائعة هي التي يرأسها من وقف يوما بحانب ليفني حينما أعلنت الحرب على غزة في فلسطين وقتلت آلاف الأطفال والنساء من حضن العربية.
الجائعة يا سادة هي التي تجعل الحدود بين بناتها جحيما يذوقه كل عربي في كل تنقل ويثقل بغرامات وهدر للحياة والكرامة على معابر تسبق إليها النظرة الأمنية قبل العروبة والحفاوة والضيافة.
نعم جائعة للانفتاح على نفسها ولردع المنقلبين والسارقين لروح الديمقراطية، هي الجائعة لتكون رمزا لكل عربي ومفخرة لقرارات تكون صدمة لتحولها فورا بتغيير بسيط بمقدار حرف لتكون الجامعة العربية، حيث الحياة والروح والعطاء والمحبة مضمون يشعر به كل عربي من المحيط إلى الخليج تزرع الهيبة له وتفتح الأبواب في وجهه ويصبح رقما صعبا في كل محفل بدل أن نكون أداة أو وسيلة باسم الجامعة والبيان المتخم بالنفاق السياسي على حساب جوهر القضية.