غزة - قُدس الإخبارية: سكتت النيران صباح اليوم على جبهة غزة بعد ساعات من القصف المتبادل في جولة افتتحتها المقاومة على رداً جريمة الاحتلال باغتيال الشيخ الأسير خضر عدنان، الذي استشهد في سجن الرملة يوم أمس، بعد أسابيع من إضرابه عن الطعام والإهمال المتعمد من قبل إدارة سجون الاحتلال لوضعه الصحي ورفضها نقله إلى مستشفى مدني أو الاستجابة لمطالبه بالحرية، وصولاً إلى ارتقائه في الزنزانة التي احتجز فيها دون مقومات صحية أو إنسانية.
بدأت المقاومة الجولة برشقة صاروخية منظمة من قبل غرفة العمليات المشتركة للفصائل، في غزة، طالت مساحة واسعة من المستوطنات المحيطة بالقطاع التي يطلق الاحتلال عليها اسم "غلاف غزة"، وأكدت في بيانها أن القصف جاء رداً على اغتيال الشيخ.
الرد المشترك والمنسق بين فصائل المقاومة من خلال غرفة العمليات المشتركة أثبت وحدة ميدانية في مواجهة عدوان الاحتلال، وهو ما انعكس على الأداء الميداني الذي كان منسقاً ومميزاً في الضربة الصاروخية التي رسخت مبدأ احتفاظ المقاومة بحق ضرب الاحتلال رداً على أي جريمة يرتكبها.
بدأ المقاومة بالضربة الصاروخية من نطاق جغرافي ثم اتسع وصولاً إلى مسافة 23 كم في الأراضي المحتلة، حول قطاع غزة، وهو التكتيك الذي أكد على التنسيق المشترك في إدارة الرد على عدوان الاحتلال الذي نفذه سلاح الجو والمدفعية على مناطق مختلفة في القطاع.
وكما بدأت المقاومة الجولة فإنها هي من أنهتها بالضربة الصاروخية الأخيرة التي وجهتها، صباح اليوم، للمستوطنات المحيطة بقطاع غزة التي بقيت لساعات تحت نيران المقاومة وهو ما زاد من "شعور فقدان الأمن" لدى مستوطني هذه المناطق، الذين وعدتهم حكومة الاحتلال الحالية بقيادة "اليمين الصهيوني" بتوجيه ضربات شديدة للبنية التنظيمية والبشرية للمقاومة، لكن واقع استطلاعات الرأي الإسرائيلية الأخيرة يشير إلى أن جمهور هذه الأحزاب الذي منحها أصواته، في انتخابات "الكنيست" الأخيرة، يرى أنها فشلت في تحقيق الأهداف التي روجتها.
وفي هذا السياق، قالت القناة "13" العبرية إن مستوطني "سديروت" القريبة من قطاع غزة قرروا تنظيم تظاهرة مساء اليوم، احتجاجاً على "سياسة حكومة نتنياهو الضعيفة" في التعامل مع المقاومة"، بينما أكد عضو "الكنيست" داني دانون أن ما أسماه "الردع الإسرائيلي" تضرر بشكل كبير في هذه المرحلة وتعزز هذا الأثر في الجولة الحالية.
وتأتي الضربة الصاروخية الجماعية التي نفذتها فصائل المقاومة، بعد استشهاد الشيخ خضر عدنان، على عدم قدرة الاحتلال على فصل الساحات "الضفة، غزة، القدس، الداخل المحتل" عن بعضها، وهو الشعار الذي دفعت المقاومة فيه أثماناً عالية حتى اللحظة منذ معركة "سيف القدس" ثم "وحدة الساحات" وصولاً إلى جولات القصف الأخيرة التي توجت في رمضان بدخول ساحات أخرى "لبنان، سوريا".
شعار "وحدة الساحات" الذي تصدر في الأسابيع الماضية التصريحات والتفكير العسكري الإسرائيلي، أصبح أكثر قرباً من الواقع العملي ويتعامل معه الجميع على أنه خيار يجب بناء قوة تتناسب مع متطلباته، في أية حرب مستقبلية.
وفي الجوانب العملانية، أظهرت الجولة الحالية ضعفاً في نظام "القبة الحديدية" الذي لم يستطع التعامل مع المقذوفات الصاروخية بنجاعة، كما أكدت وسائل إعلام إسرائيلية مختلفة، وهو ما دفع جيش الاحتلال إلى إعلان فتح تحقيق.
أظهرت إحصائيات إسرائيلية أن منظومة "القبة الحديدية" لم تسقط سوى عدة صواريخ من بين الرشقات الصاروخية التي أطلقت من قطاع غزة، نحو المستوطنات والمدن المحتلة في الجنوب، ورجحت مصادر إعلامية أن أسباب غياب النجاعة قد يعود إلى تكتيك إطلاق رشقة كثيفة من الصواريخ في وقت واحد أو تعرضها لهجوم سيبراني، في ظل الهجمات الإلكترونية التي نفذتها مجموعات "السايبر" ضد مواقع الاحتلال منذ أيام.
وتزامناً مع القصف الصاروخي الذي نفذته المقاومة شنت مجموعات "السايبر" المساندة للقضية الفلسطينية هجمات إلكترونية، ضد مواقع الاحتلال وهو ما يؤكد على دخول هذا النوع من الهجمات في الحرب مع الاحتلال، وهو ما أكدته المقاومة في أوقات سابقة من خلال الكشف عن مهندسين وقادة استشهدوا في الحروب السابقة، كان لهم دور في تطوير أجهزة الحرب الإلكترونية.
خلال الجولة حافظت المقاومة على أداء إعلامي فوري ينقل للشعب الفلسطيني الضربات التي وجهتها لمواقع الاحتلال، بالإضافة لتوجيه رسائل لمجتمع المستوطنين عبر المقاطع المصورة القصيرة التي تتضمن أيضاً عبارات باللغة العبرية، بينما وجهت وسائل إعلام إسرائيلية انتقادات للناطق باسم جيش الاحتلال الذي قالت إنه لم يزود المستوطنين بالتفاصيل الدقيقة للعملية وهو ما دفعهم لمتابعة إعلام المقاومة لمعرفة آخر التطورات.
في نهاية عمليات القصف أعلنت المقاومة عن دخول تهدئة مشروطة، وقال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية إن المقاومة ضغطت من أجل إجبار الاحتلال على تسليم جثمان الشيخ الشهيد خضر عدنان، من خلال الاتصالات مع الوسطاء الذين تدخلوا لإعادة "الهدوء"، بينما اكتفى الاحتلال بالإعلان عن عودة "الروتين اليومي" إلى مستوطنات "الغلاف".
وفي هذه الجولة، كرست المقاومة استخدام سلاح المضادات للطيران بمختلف أنواعه ونشرت مقاطع مصورة لاستخدام صواريخ أرض - جو ومحمولة على الكتف في عمليات التصدي لطيران الاحتلال خلال عدوانه على قطاع غزة، وهو ما أصبح روتيناً ثابتاً في الجولات الأخيرة، في ظل التأكيدات على توجه المقاومة لصناعة أسلحة محلية مضادة للطيران.
انتهت جولة القتال هذه بسرعة لكن الواقع يقول إن المقاومة وجيش الاحتلال يستعد كل منهما لمعركة أكبر، قد تفصلنا عنها جولات أخرى من القتال، في ظل استمرار ذات العوامل التي دفعت المنطقة إلى التصعيد، وإن كانت المدافع سكتت على جبهة غزة حالياً إلا أن جبهات أخرى ما زالت تحمل عوامل الانفجار يومياً "الضفة، القدس، والداخل".